تقرير: يافوز أجار
القاهرة (الزمان التركية) – أعاد الخبر الذي نشره موقع “اليوم السابع” الإخباري المصري حول تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رشاوى لمسؤولين ليبيين لإعادة خمسة معلمين أتراك في مدرسة تابعة لحركة الخدمة وبذلِ الجهود لإغلاق هذه المدرسة النهج الذي يتبعه أردوغان في إغلاق مدارس الخدمة المنتشرة في 170 دولة بالعالم بعد فشله في إقناع تلك الدول بكون الحركة إرهابية وبضرورة إغلاق مدارسها.
كان أردوغان ادعى أن حركة الخدمة حاولت الإطاحة بحكومته عبر تحقيقات الفساد والرشوة نهاية عام 2013، ثم شرع في تنفيذ خطة تصفية شاملة بعد يوم واحد من هذا التاريخ ومضى يوصف الخدمة بالتنظيم الإرهابي، لكن العالم لم يقتنع بمزاعمه. وطيلة ثلاث سنوات تحين أردوغان الفرص واختلق الذرائع وأتى بكل صفغيرة أو كبيرة ليتمكن من وصم الخدمة بالإرهابية وإقناع العالم بذلك، إلا أنه لم يفلح في ذلك، وهذا على الرغم من أن كل الأجهزة الأمنية والقضائية والمالية استنفرت من أجل العثور على “ثغرة” في المؤسسات التابعة للحركة من مدارس ومستشفيات وشركات وغيرها لتكون حجة لإغلاقها وسنداً لدعم مزاعمه، لذلك اضطر إلى إجراء تغييرات جذرية في هيكلة القضاء والقوانين السارية، فألغى المحاكم العاملة في البلاد منذ عقود وأسّس محاكم الصلح والجزاء التي وصفها بـ”المشروع” أمام كل عدسات الكاميرات، كما أتى بقانونٍ من عنده لم ينزل الله به سلطاناً وهو “قانون الاشتباه” أو “التهمة الظنية” أو “الاعتقال بالتهمة الظنية” مع أن الرسول الذي يؤمن به أردوغان كان يقول “ادرؤوا الحدود بالشبهات”!
إلى أن حدثت في الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي ما يسمى بالمحاولة الانقلابية “المريبة” ليجد أردوغان فيها ضالته المنشودة! حيث أخذ يطبق خطته الانقلابية المضادة في صبيحة هذه المحاولة أعاد في إطارها تصميم الحياة العسكرية والقضاء الأعلى، بعد أن انتهى من إعادة تصميم جهازي الأمن والقضاء المحلي قبل ثلاث سنوات، فهبّت آلة دعايته العملاقة لتصوّر وتقدم حركة الخدمة باعتبارها المسؤول عن هذه المحاولة الخائنة. ولذلك وصفها أردوغان بهبةٍ ونعمة إلهية تمكنه من إثبات أن الخدمة منظمة إرهابية، لدرجة أن أردوغان قال بشكل صريح على قناة الجزيرة: “كانت القوانين السارية تحول دون تصفية كوادر الكيان الموازي من أجهزة الدولة”!!
ولأن تركيا أصبحت سجناً مفتوحاً لا تنطق فيه إلا الأبواق الإعلامية التابعة لأردوغان، فإن ماكينة الدعاية الأردوغانية بدت ناجحة في الأيام الأولى في خلق “الصورة الإرهابية الانقلابية” التي ألصقها بالخدمة، غير أن الإعلام العالمي الحر المستقل لم يقتنع بمزاعم أردوغان، بل سخر منه واعتبرها تافهة لا تستحق إعارة السمع لها والانشغال بها. لكن أردوغان لم يتخلّ، بل استمر في توظيف جميع الوسائل والأساليب من جزرة وعصا من أجل إغلاق المؤسسات التابعة لحركة الخدمة في جميع أنحاء العالم.
ولأن أردوغان يعرف بداية أنه لن ينجح في خداع دول “العالم الحر”، لم ينشغل بها، بل كرّس كل جهوده لخداع الدول التي تعاني من أوضاع اقتصادية متدهورة أو فراغ إداري، كما هو الحال في الصومال وليبيا. حيث يقدم وعوداً اقتصادية وأموالاً طائلة لهذه الدول في مسعىً لإغلاق مدارس الخدمة وإعادة المعلمين العاملين فيها إلى تركيا. فالصومال نتيجة هذه الضغوطات والإغراءات اضطرت إلى الاستجابة لأردوغان الذي يدعمها اقتصادياً وأغلقت مستشفى “دواء” التي شيدت قبل 5 سنوات والتي كانت تعالج أكثر من 100 مريض يوميا. وعبر أحد أطباء المستشفى عن دهشته قائلاً: “أصابتنا صدمة شديدة. دائما ما كان يقال لنا إننا نقوم بعمل جيد. فكيف يمكن أن يحدث ذلك لا يمكن أن أستوعب؟”.
ويجدر في هذا السياق الإشارة إلى أن 7 أشخاص كانوا استشهدوا و6 آخرين أصيبوا في هجوم على حافلة المدرسة التركية في العاصمة الصومالية مقديشو. كان مجهولون أطلقوا النار على الحافلة وقتلوا سائق الحافلة وموظف الأمن، صوماليي الجنسية، وأستاذين و3 طلاب أتراك، وإصابة 6 آخرين من بينهم 5 أتراك. ورغم مرور نحو نصف عام على الحادثة لم يتم كشف القناع بعدُ عن اليد التي تقف وراء هذه العملية غير الإنسانية التي استهدفت بناة “جسور السلام والحوار” في العالم.
اليوم نرى القصة نفسها في ليبيا أيضاً، حيث نشر “اليوم السابع” اليوم الأربعاء خبراً تحت عنوان “أردوغان يقدم رشاوى لمسؤولين ليبيين لاستعادة معلمين تابعين لـ”كولن”، جاء فيه أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدم رشاوى لمسؤولين في الحكومة الليبية. وقال إن خمسة معلمين أتراك يعملون فى مدرسة تابعة لحركة الخدمة بمدينة طرابلس فى ليبيا تابعة لشركة المختار الليبية التركية الدولية أخذهم مجموعة من المجهولين وذهبوا بهم إلى جهة غير معلومة. ونقل عن المدير العام للمدرسة السيد حمزة قوله إن مدنيين ليبيين جاؤوا إلى المدرسة وأخذوا ثلاثة من المعلمين العاملين لديها وذهبوا بهم إلى جهة غير معلومة فى الثالث من شهر أغسطس الجاري. كما أن مدنيين آخرين جاؤوا إلى منزل مساعد مدير المدرسة والمحاسب المالي لها، ورفضوا إبراز هوياتهم، ليأخذوهما ويذهبوا بهما إلى مكان غير معلوم كذلك، الأمر الذي دفع المدير (الليبى) للتقدم بشكوى إلى مديرية أمن المدينة، لتحرر الشرطة تقريرًا ومحضراً حول الواقعة، ليظهر فيما بعد أن عناصر من جهة أمنية ليبية هى التى أخذت المعلمين والعاملين فى المدرسة. وأبلغت هذه الجهة أنها ستطلق سراح المحتجزين لديها خلال أيام معدودة، لكنها لم تسلمهم إلى أسرهم رغم تعهدها بذلك ورغم مرور أكثر من عشرة أيام. ومن ثم رفضت هذه الجهة الأمنية إخلاء سبيلهم قائلة بأن “رجال الرئيس التركى سيأتون لاستلام المعلمين المحتجزين” لديها. وذكرت مصادر مقربة من المدرسة أن عدداً من المسؤولين الليبيين فى الحكومة تلقوْا مبالغ كبيرة من أردوغان مقابل تسليم المعلمين الأتراك له وتعهدهم بالسعي لإغلاق المدرسة التركية فى ليبيا.
وكما نرى أن دول العالم في الشرق والغرب والشمال والجنوب – ما عدا واحدة أو اثنتين – لا تقيم أي وزن لمزاعم ومطالب أردوغان الخاصة بحركة الخدمة والداعية فتح الله كولن، ولم تنجح ماكينته الدعائية في تشويه “السمعة الطيبة” لمؤسسات الخدمة التي نسجها العاملون في الخدمة نسجاً بأخلاقهم السامية وتصرفاتهم الإنسانية وخدماتهم عالية الجودة على مدار عقود طويلة. والعبارة التي تقول “ماذا يأخذ الريح من البلاط” تصوّر تماماً النتيجة البائسة لجهود أردوغان.
إلا أن الهجوم الدبلوماسي لأردوغان يجبر الدول الأخرى على الاختيار بين علاقاتها مع تركيا والمدارس والمستشفيات والشركات الاقتصادية المحلية، وهي الخطوة التي تدمر صورة العلاقات الدولية التركية. حيث رأينا أن مولود تشاويش أوغلو، وزير خارجية أردوغان، وصف قيرغيزستان بأنها “قاعدة حركة كولن” في المنطقة، في أعقاب رفضها لمطالب أردوغان. وانتقدت قيرغيزستان تركيا لاستخدامها “لغة الإنذارات والابتزاز” ضد “دولة مستقلة وذات سيادة”.
ونختتم هذا التقرير بتصريحات إديل بايسالوف؛ الوزير سابق في قيرغيزستان: “إن المدارس التابعة للخدمة أداة هامة من القوة الناعمة التركية في قيرغيزستان. إن 90 % من أسباب تقاربنا مع تركيا مرتبطة بتعليم الشباب في هذه المدارس. فإذا خرجنا من مدارسها، أنا واثق من أن الروس سوف يكونون سعداء جداً. هل هذا ما يريده أردوغان؟!”.