تقرير: علي عبد الله التركي
القاهرة (الزمان التركية): نشرت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء مقالاً “تحليلياً” تحت عنوان “منظمة غولن الإرهابية.. هل ستكون بديلًا للإخوان المسلمين في مصر؟”، حرر نصوصه أورهان غوال وساق خلاله عديداً من المزاعم تتعلق بحركة الخدمة وأنشطتها في مصر وعلاقاتها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتتجسد مزاعم المقال في أن “النظام المصري بقيادة الرئيس السيسي يبحث عن كيان جديد لسد الفجوة في الأنشطة التي كانت تنظمها جماعة الإخوان المسلمين خصوصًا في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وملء الفراغ الناتج عن إقصائها، وهذا الكيان هو حركة الخدمة”، على حد زعمه.
يقول محللون مقربون من حركة الخدمة إن هذه المزاعم إن دلت على شيء فإنها تدل على جهل صاحبها بطبيعة حركة الخدمة، فضلاً عن أنها لا تعكس الحقيقة، بل هي إحدى صور العمليات النفسية الرامية إلى تشكيل الوعي وتوجيه الأذهان وتضليل الأفكار التي عهدناها من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفترة الثالثة من حكمه خاصة.
فقد أكّد المدير الإقليمي لصحيفة زمان التركية الدولية “طورغوت أوغلو” أن “وجود حركة الخدمة في مصر ليس جديداً، كما ادعت وكالة الأنباء الرسمية في خبرها المذكور، بل يعود تاريخها إلى ما قبل أكثر من عقدين تقريباً، والخدمة تزاول أنشطتها ضمن القوانين السارية فيها وبعلمٍ من السلطات المعنية. وليس من الصحيح أن الخدمة اتخذت مصر مركزاً جديداً بعد محاولة الانقلاب المشبوهة، إذ لم تحدث حركة تدفق غير عادية من تركيا إلى مصر بعد هذه المحاولة، كما هو معلوم لدى السلطات المعنية في مصر”.
وأعاد طورغوت أوغلو إلى الأذهان التصريحات التي أدلى بها الداعية فتح الله كولن بشأن استعداد مصر لاستضافته على أراضيها، والتي قال فيها إنه يقدر ويشكر هذا الموقف النبيل لمصر حكومة وشعباً، ولكنه يفضل البقاء في الولايات المتحدة بدلاً عن السفر إلى مصر، والتحوُّلِ إلى مصدر جديد للمشاكل بين تركيا ومصر، نظراً لأنه يولي أهمية كبيرة للعلاقات بين البلدين، ولا يريد لها أن تتدهور أكثر من ذلك.
وعلّق طورغوت أوغلو قائلاً: “وهذا يدل على بطلان المزاعم الواردة حول اتخاذ الخدمة من مصر مركزاً جديداً لأنشطتها. فضلاً عن أن المؤسسات الخيرية والتعليمية في مصر تشرف عليها شركات مصرية – تركية، بمعنى أن هذه المؤسسات هي ملك للشعب المصري، وليس لها أي علاقة عضوية مع تركيا أو بلد آخر”.
إستراتيجية أردوغان في الدعاية السوداء
فيما لفت الكاتب الصحفي المحلل السياسي التركي يافوز أجار إلى أنه ينبغي قبل كل شيء أن يقرر الرئيس أردوغان ما هي حركة الخدمة ويقدمَ فكرةً أو صورةً واضحة متماسكة عن رأيه حولها، حتى يتمكن من إقناع مخاطبيه بما يقول ويزعم.
وأضاف أجار: “لكننا نرى أن أردوغان وأنصاره يمارسون النفاق في هذا الصدد، ويقعون في تناقضات لا مثيل لها؛ إذ نجد أن الأبواق الإعلامية المبايعة له تحاول تشويهَ صورة حركة الخدمة وتدميرَ علاقاتها الطيبة مع “البلدان الغربية” من خلال الزعم بأن هذه الحركة “حركة إسلامية رجعية إرهابية”، سعياً لإثارة حفيظة الغرب تجاه مثل هذه الحركات، وإلقاءِ الرعب في قلوب أهلها ومسؤوليها حتى يتخذوا قراراً بإغلاق مؤسسات الخدمة”.
وتابع أجار قائلاً: “لكن الأبواق الإعلامية ذاتها تقوم بالدعاية السوداء ضد الخدمة في “تركيا المحافظة المتدينة” عن طريق الزعم بأن الخدمة عميل للدول الغربية، بل هي “حركة سرية يهودية ماسونية عالمية” تخدم مصالح القوى الكبرى مثل إسرائيل والولايات المتحدة، على حد زعمها. وخير دليل على ذلك المانشيتان اللذان وضعتهما صحيفة “أكشام” الموالية لأردوغان في أزمنة متقاربة، زعمت في أحدهما أن فتح الله كولن يمتلك 50 مليار دولار، ويعملُ لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، فيما ادعت في المانشيت الآخر وجودَ شراكة بين المخابرات الأمريكية والمخابرات التركية (MİT) للقضاء على حركة الخدمة! والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى”.
وأردف أجار بقوله: “ومن جانب آخر، نجد أن هذه الأبواق الإعلامية تسعى أيضاً للإيقاع بين الخدمة والمملكة العربية السعودية من خلال الادعاء بأن “الخدمة حركة إيرانية تخدم مصالح القومية الفارسية، وأن كولن هو خوميني الأتراك”، مع أن أردوغان هو من لا يخرج من “بيته الثاني” بعبارته هو، ويتفق مع إيران، رغم أنها أكبر حليف للأسد الذي يراه عدوه اللدود؛ ومن جانبٍ آخر، تحاول الإضرار بعلاقات الخدمة الطيبة مع مصر من خلال الزعم بأن “الخدمة مثل جماعة الإخوان المسلمين وأن لها علاقات قوية مع تلك الجماعة”، مع أنها تدعي في تركيا وجود “تعاون كبير بين الخدمة “الانقلابية” والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “الانقلابي” أيضاً”، على حد وصفها، وذلك لكي تتمكن من إلصاق تهمة محاولة الانقلاب بالخدمة استناداً إلى مثل هذه الأكاذيب التي يخجل منها حتى الشياطين. بل وزعمت إحدى الصحف الموالية لأردوغان أن “الانقلابيين في تركيا اقتدوا بالخطة الانقلابية للرئيس السيسي عندما أقبلوا على الانقلاب في 15 يولوي/ تموز الماضي”.
ونوّه أجار إلى أن “الإنسان العاقل يحار أمام مزاعم أردوغان المتناقضة، فحركة الخدمة، بحسب زعمه، حركة إسلامية رجعية إرهابية في الغرب؛ وعميل للدول الغربية في تركيا، وحركة إيرانية في السعودية، وحركة إخوانية في مصر تارة، ومتعاونة مع الرئيس السيسي تارة أخرى. فأي من هذه المزاعم يمكن تصديقه؟! من الواضح أن إستراتيجيته في الدعاية السوداء ضد الخدمة تقوم على وصْم الخدمة في كل دولةٍ بصفةٍ مختلفة تنزعج تلك الدولة منها حتى تؤثر فيها وتحرضها ضد مؤسسات الخدمة”.
واختتم أجار بالقول “إن المزاعم التي ساقتها وكالة الأناضول ليست إلا فبركة لا تمت بصلة إلى الواقع؛ ذلك لأن حركة الخدمة، مع أنها تستفيد من تجارب الآخرين، لكنها حركة مدنية اجتماعية عالمية، نماذجها من ذاتها، لا تتخذ من أي حركة أخرى نموذجاً ومثالاً، ولا تحاكي أي حركة فكرية، كما أنها لا تسعى لتكون بديلاً عن أي حركة أخرى في أي بلدٍ من بلدان العالم، ومجال عملها هو المجال التعليمي والثقافي والإنساني بشكل عام. وإن لا بد من الحديث عن قدوة ومصدر إلهام لها فهو المبادئ الإسلامية الإنسانية العالمية المشتركة”.
الاستقلالية أهم مزايا الخدمة
وقال الرئيس السابق لوقف الكتاب والصحفيين في إسطنبول مصطفى يشيل “إن الخدمة مشروع مدني، تضع الإنسان في محور نشاطها، وتستهدف خدمة الإنسان، ولا تبتغي من وراء ذلك إلا مرضاة الله تعالى. وهي تؤمن بالتنوع والتعدد الثقافي ولا تنظر إلى الاختلاف الثقافي والديني على أنه مثار صراع وصدام، كما تعتمد على الروح التطوعية في كل فعالياتها، فهي أحد أركان المجتمع المدني في تركيا والعالم أجمع، وليس لها أي هدف سياسي أبدا، ولم تضع في برنامجها حتى اليوم خطة لتأسيس حزب سياسي والصعود إلى السلطة”.
وأكّد يشيل أن الخدمة باعتبارها حركة مدنية، تعقد علاقات مع كل البلدان بطول العالم وعرضه على الصعيد المدني بما فيها مصر، وتنظم مختلف البرامج مع المجتمعات الفكرية والمؤسسات المعنية بالنشاطات التعليمية، وكذلك تقوم بتطوير العديد من المشاريع الثقافية مع شتى المنظمات المدنية. ومع ذلك فإن الخدمة لم تكن في يوم من الأيام تابعة لإرادة أي بلد في الخارج، كذلك هي لا تتبع لإرادة أي مؤسسة أو منظمة في الداخل. فهي حركة مستقلة لا تخضع لإرادة وسيطرة أي دولة أخرى في العالم. هي تتميز باستقلاليتها التامة من كل النواحي، من حيث مواردها ومنهجها في الفكر والعمل ومسيرتها في هذا الدرب، ومن حيث برامجها ومشاريعها المختلفة. وتلك الاستقلالية الشاملة هي أهم ميزة تتمتع بها الخدمة. وهذا لا يتعارض مع سعيها للاستفادة من التجارب البشرية والحركات المختلفة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية”.
كولن قرأ للجميع باعتباره مفكراً
وفيما يتعلق بالمزاعم الواردة حول تطرق الداعية فتح الله كولن في بعض دروسه إلى أفكار حسن البنا وسيد قطب، شدّد رئيس تحرير مجلة حراء التركية الناطقة بالعربية الأستاذ نوزاد صواش على “أن الأستاذ فتح الله كولن كأيّ مثقف ومفكر قرأ رسائل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا وكتاب سيد قطب “في ظلال القرآن” أيضاً، كما قرأ أدبيات إصلاحيين إسلاميين كثر، وقرأ كذلك لمفكرين غربيين وشرقيين. فهو منفتح على قراءة كل التجارب الإنسانية، سواء كانت تخص العالم الإسلامي أو غير الإسلامي. ويحث تلامذته على هذا النوع من القراءة دائماً. وليس هناك قبول كلي لما يقرأه وليس هناك رفض كلي أيضاً. لذلك قد يلتقي الأستاذ كولن سيد قطب أو النورسي أو مالك بن نبي أو محمد إقبال أو جانجاك روسو أو فولتير إلخ.. في فكرةٍ وقد يختلف معهم في فكرةٍ أخرى. وهذا هو الواقع فعلاً. فمن ينظر إلى نقاط الالتقاء مع أحد هؤلاء مع تغييب نقاط الاختلاف يصنفه كأنه يفكر مثل سيد قطب تماماً أو مالك بن نبي إلخ.. إن النظرة الكلية هي التي ستقودنا إلى نتيجة سليمة”.
وروى صواش واقعة عاشها بنفسه مع كولن قائلا: “كنت شاهد عيان عندما كان يدرِّس الأستاذ كولن “في ظلال القرآن”. فكان معجباً بتحليقاته الإيمانية وتحليلاته النفسية وتفسيراته السوسيولوجية وإبداعاته في التصوير الفني ورِقَّته ورفعته في أسلوبه الأدبي. وكثيراً ما كان يبكي عند قراءة هذا النوع من النصوص. لكن عندما يأتي إلى تحليلاته في موضوع الجاهلية والحاكمية والتكفير إلخ.. كان يقول “رحمك الله رحة رحمة واسعة، وأسكنك الفردوس. لكنك هنا زلزلت الموازين. نحن لسنا معك فيما ذهبت إليه”.
كولن يسعى وراء “سلطنة القلوب” لا السلطة
وأنهى صواش كلامه بالقول: “الأستاذ كولن يختلف عن الإخوان المسلمين جوهرياً في موضوع العمل السياسي. فهو يرى أن السلطة لا ينبغي أن تكون مطلبًا أساسيًا تدور كل الأنشطة حوله. السلطة الحقيقية التي ينبغي أن تُطلَب هي سلطنة القلوب، يعني فتح القلوب. وفتح القلوب لا يمكن بطلب السلطة. إنما يتم بالدعوة والعمل التربوي والثقافي والإغاثي والمجتمعي. هذا ما يؤمن به ويعيشه الأستاذ كولن”.