تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – حملت صحيفة “يني سوز” التركية المعروفة بتوجهاتها الإسلامية وقربها من الحكومة المترجمين مسؤولية أزمة التدليس في الترجمة التي حدثت خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب.
وزعمت الصحيفة أن المترجمين ارتكبوا فضيحة تدليس كبيرة من أجل “إنقاذ” الرئيس الأمريكي “المفتقر إلى الخبرة”، بعد أن عجز عن الإجابة على التصريحات الصارخة التي قالها الرئيس أردوغان في وجه ترامب، على حد وصفها.
واتهمت الصحيفة المترجمين بتعمد تجنّب نقل التصريحات العنيفة للرئيس أردوغان التي انتقد فيها الإدارة الأمريكية لتعاونها مع التنظيمات الكردية “الإرهابية” في سوريا، في مسعىً منهم لإرضاء ترامب وإنقاذه، على حد تعبيرها، موهمة وكأن المترجمين استأجرهم الجانب الأمريكي، بينما الحقيقة أن الرئاسة التركية هي من استأجرتهم.
يذكر أن المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء الماضي كل من أردوغان وترامب شهد فضيحة من العيار الثقيل، حيث جاءت الترجمة الإنجليزية لتصريحات أردوغان مختلفة عما ورد في النص التركي الأصلي الذي قرأه أردوغان من الورقة المكتوبة، وذلك من أجل خداع ترامب والشارع التركي في آن واحد، على عكس مزاعم الإعلام الموالي لأردوغان. إذ غلبت على تصريحات أردوغان بـ”اللغة التركية” لغة هجومية ضد الإدارة الأمريكية، غير أن هذه اللغة الهجومية ذابت وغابت عند ترجمة التصريحات إلى “اللغة الإنجليزية”، بل تحولت إلى لغة انهزامية اعتذارية. وسر ذلك يكمن في أن تصريحات أردوغان باللغة التركية التي قرأها أردوغان من الورقة كانت رسالة موجهة إلى الشارع التركي المحلي، بينما ترجمتها الإنجليزية والتي قرأها المترجم من الورقة المكتوبة أيضًا، كانت رسالة موجهة إلى الشارع الأمريكي والدولي.
فالرئيس أردوغان قال كما هو مكتوب في الورقة باللغة التركية: “نأمل أن تتواصل الخطوات الأمريكية التي تعوّض عن الأخطاء المرتكبة سابقًا في مسألة المكافحة المبدئية الصارمة ضد كل التنظيمات الإرهابية”، موحيًا بذلك وكأنه يوبخ الإدارة الأمريكية لأخطائها السابقة، وموهمًا وكأنها بدأت تخطو خطوات لتصحيح تلك الأخطاء، لاسيما فيما يتعلق بقرار تزويد وحدات حماية الشعب الكردية والحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري اللذيْن تعتبرهما الإدارة التركية امتداد حزب العمال الكردستاني الإرهابي في سوريا. بمعنى أن أردوغان في هذه التصريحات باللغة التركية بعث إلى الشارع التركي رسالة مفادها أنه حذر أمريكا في هذا الصدد، وضغط عليها حتى تتراجع عن خطأ دعم الأكراد في سوريا!
لكن هذه التصريحات الاتهامية بل الهجومية غابت تمامًا في النص الإنجليزي الموجه إلى الشارع الأمريكي والدولي، وتحولت إلى لغة استسلامية يطغى عليها طابع الاعتذار لأمريكا والعالم بسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أردوغان بشأن التعاطي مع التنظيمات الإرهابية كداعش في سوريا، وتتعهد بعدم تكرارها في المستقبل، ما يكشف عن تدليس دبلوماسي دولي غير مسبوق، حيث جاء النص الإنجليزي لتصريحات أردوغان كما يلي:
“And we know that, in terms of keeping up with the principled and committed fight against the terrorists organizations all around the world, we will not repeat the mistakes of the past, and we will continue down this path together”.
“ونحن نعلم أننا لن نكرّر أخطاء الماضي، وسنواصل العمل سويًّا مع أمريكا والمضي قدمًا في هذا الطريق، في إطار الحرب المبدئية الصارمة ضد الجماعات الإرهابية في كل أنحاء العالم”.
ولذلك شوهد ترامب في الدقيقة العاشرة والخمسين من فيديو المؤتمر الصحفي وهو يحرك رأسه تحريكًا يدل على تصديق ما ورد في النص الإنجليزي لتصريحات أردوغان، والذي يعكس اعترافه بأخطائه السابقة في التعاون مع التنظيمات الإرهابية، ويدل على أنه سعيد بهذا الاعتراف التركي.
وبعد الدقيقة الثامنة من فيديو المؤتمر وصف أردوغان في تصريحاته باللغة التركية كلاً من وحدات حماية الشعب الكردية والحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري بالتنظيمين الإرهابيين، حيث قال: “اتخاذ أي من وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الإرهابيين مخاطبًا، من طرف أي دولة كانت، لا يتوافق إطلاقًا مع مفهوم التحالف الدولي بهذا الصدد”.
غير أن وصف “الإرهاب” زال في النص الإنجليزي لتصريحات أردوغان كذلك، كما أن عبارة “اتخاذ أي من هذين التنظيمين الإرهابيين مخاطبا” لأردوغان باللغة التركية تحولت في النص الإنجليزي إلى “أخذ هذين التنظيمين بعين الاعتبار”، وفيما يلي النص الإنجليزي لهذا التصريح:
“Taking YPG and PYD in the region — taking them into consideration in the region, it will never be accepted, and it is going to be against a global agreement that we have reached”
“أخذ وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي بعين الاعتبار في المنطقة غير مقبول أبدًا، كما أنه منافٍ للاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه”.
وعلى الرغم من أن الإعلام الموالي للرئيس أردوغان يزعم أن هذه الفضيحة نابعة من الترجمة، إلا أن الرئيس أردوغان قرأ هذه التصريحات من الورقة المكتوبة، ومن المفترض أن تكون بحوزة المترجم نسخة منها، بمعنى أن تصريحات أردوغان كانت مكتوبة باللغة التركية والإنجليزية على حد سواء، مما يقوي احتمالية التعمد في هذه الفضيحة الدبلوماسية الدولية.
وهذه الفضيحة كشفت مرة أخرى طريقة إدارة أردوغان في التدليس والتشويه والتوجيه وقلب الأمور رأسًا على عقب.