(الزمان التركية) – لكل حدث مسببات وبداية، وبداية حادث ملهى “رينا” الإرهابي بإسطنبول كانت عندما نظم أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا مؤخراً حملة ضخمة للتنديد بالاحتفال بمناسبة رأس السنة، حتى قال الشيخ “جبلي أحمد” أحد أشهر الموالين لـ اردوغان “هل تحتفل في اليوم الذي يحتفل فيه قاتل أبيك، لا تشارك في الاحتفالات التي تقيمها قتلة أبيك وأعداء دينك” ومن نفس الكلام تقريبا كانت خطبة الجمعة الأخيرة بأغلب إن لم يكن جميع مساجد تركيا، بعد أن أعدت رئاسة الشؤون الدينية خطبة تتضمن تحذير واضح وصريح بعدم الاحتفال بمناسبة رأس السنة، ثم جائت ترجمة ذلك الكلام للفعل بمنطقة “إيكي تلّي” بمدينة إسطنبول عندما علق شباب الحزب الحاكم يافطة كتب عليها “نحن مسلمون لا نحتفل بابا نويل” ورسم فيها شاب يرتدي الطربوش العثماني يوجه لكمة لبابا نويل، فأنصار الحزب الحاكم نظمو حملة كبيرة بتركيا مؤخرا بعنوان “لا تحتفلو ببابا نويل”، وأعتقد أن ما حدث بملهى “رينا” الليلي الذي افتتح في 2002م، والواقع على البوسفور في الشطر الأوروبي من إسطنبول، ويذهب إليه نجوم كرة القدم والأثرياء والمشاهير من تركيا وخارجها بالساعات الأولى من العام الجديد، يؤكد نجاح تلك الحملة، بعد أن راح ضحية الحادث الإرهابي ما يقرب من 39قتيلاً و 65جريحاً.
والآن ننتظر هل سيطل علينا الخليفة العثماني رجب طيب أردوغان كي يتهم حركة الخدمة مجدداً بأنها من تقف وراء حادثة ملهى “رينا” الليلي، أم سيتعظ من تسرعه فى اتهام الحركة بمقتل السفير الروسي، وهو الأمر الذى جعله فى موقف لا يحسد عليه أمام الرئيس الروسي والرأي العام العالمي، بعد أن أنكشف للجميع أن الشرطى القاتل للسفير الروسي تلقّى أكثر من 30 جائزة نقدية من حزب العدالة والتنمية الحاكم، منذ عام 2014 وهو العام الذي باشر فيه مهامه، فقد أصابت تصريحات أردوغان المتناقضة تجاه كافة الأحداث الداخلية والخارجية أنصاره بالإزدواجية والفصام والحول الفكري، ففى اليوم الواحد أردوغان يمدح اوباما وبوتين وروحاني ويلعنهم، ويصف إسرائيل صباحا بالمعتدية، وليلا ًيقول إن تركيا وإسرائيل فى خندق واحد، وبالصحف التركية يقول لا مكان لبشار الاسد، وبالاجنبية يصرح بأن بقاء بشار يحدده الشعب السوري وحده.
إن ما حدث بملهي “رينا” الليلي بالساعات الأولى من العام الجديد هو أستكمال لما أسميناه بـ “المسار الجديد للارهاب فى تركيا” والذى بدأ فى بيشكتاش ثم قيصري ثم مقتل السفير الروسي.
حقيقة الأمر بعد أن عمل أردوغان على تغيير الهوية والعقلية التركية منذ أن تولى الحكم فى 2003م واستبدال العقلية التركية التى نعرفها منذ مئة عام تقريبا بعد تأسيس تركيا الأتاتوركية الحديثة بعقلية أصولية لا تقبل الآخر، كان من الطبيعي أن نرى فى تركيا مثل تلك المشاهد الدموية والعمليات الإرهابية التى يقوم بها مواطنين أتراك وليسوا أجانب، وبعد التحول للنظام الرئاسي وتأسيس دولة الرجل الأوحد، بذلك سيكون قد غير أردوغان أخر ما تبقى من ملامح الدولة الأتاتوركية، ولكن كيف ستكون ملامح أردوغان نفسه نهاية العام الجديد، بعد أن ترك واشنطن متجها لموسكو وهو يعلم أن موسكو لن تكون أكثر دفئاً من واشنطن، وكيف ستكون ملامح تركيا نفسها.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط