يرد الأستاذ فتح الله كولن في الحديث الذي أجرته معه جريدة “زمان” في الحادي والعشرين من مارس عام 2014 التركيه على الإفتراءت الموجهة لحركة الخدمة غرض تشويهها .
س: في الأيام الأخيرة طَرحت بعض الأوساط عبارةَ «عقل مدبّر أعلى» من أجل تشويه حركة الخدمة، في إشارة منهم إلى التبعية الخارجية.
ج: هذا بهتان عظيم، ووبالُه على صاحبه كبير. أعتقد أن أحدا لم يشهد عبر مراحل التاريخ مثيلًا لمثل هذه الافتراءات والأكاذيب التي عجزنا عن إحصاء عددها. إن كانوا قد عثروا فعلًا على معلومات لا نعرفها، فعليهم أن يتقاسموها مع الرأي العام فورا، وإلا فهو محض افتراء على أهل الإيمان. لقد بلغ التشويه حدا أننا أصبحنا نسمع كل يوم كذبة جديدة وافتراءًا جديدًا… إن طول الأمل مَدعاة لقسوة القلب، وإذا وقعتم في شِباكه تفقدون الإحساسَ بكل شيء جديد وجميل. ثم تتجاهلون الوجدانيات، وتستخفّون بالمحرّمات، وتهزأون منها. وإذا القلب قَسَا، وعانق الدنيا بطول الأمل، يسوقكم إلى الاعتقاد أن كل شيء عبارة عن هذا العالم الفاني. وفجأة ودون تفكير أو روية، ودون خوف من الغرق في بحر من الخطايا والذنوب تجدون أنفسكم تقولون ما يخطر ببالكم مباشرة دون تمحيصه -صدقا كان أو كذبا-. ولكن القرآن يحذرنا من قسوة القلب، ويحثنا على أن تكون قلوبنا حية نابضة، وأن تكون نفوسنا رقيقة ناعمة. ومن ثم فإن القسوة إذا هيمنت على المرء، فلا مانع لديه -عندئذ- من أن يلجأ إلى كل الطرق -مشروعة كانت أو غير مشروعة- من أجل تحقيق غرض دنيوي. وللأسف، فإن قسوة القلوب، هي سبب هذه المأساة التي نعيشها.
ولكن إذا كانوا يلحّون على البحث عن «عقل مدبر أعلى» لهذه الخدمة المباركة، أقول لهم: أجل، إنه الرعاية الربانية والحماية الإلهية اللتان جاءتا منحةً من الله تعالى تكريما لروح الأخوّة وتتويجا لروح الاستشارة. إن هذه الخدمة التي لم تتّكل قط على قوة زائلة، قطعت المسافات بعناية الله ورعايته. وما دامت حمايته جل وعلا تظلل هذه الخدمة، فلن يتمكن أحد من إيقاع الضرر بها مهما حاول. والمؤمن رجل محاسبة ويقظة، لا يسرع إلى اغتياب إخوانه فور سماعه أكاذيب وافتراءات من هنا أو هناك، ولا يسيء الظن بهم، ولا يعمل على نقل الافتراءات التي سمعها من مجلس إلى مجلس آخر.
ولكن ما باليد من حيلة، فحساب الآخرة -مع الأسف- لا يوجد على أجندة أولئك الذين يمجّدون «الدنيا» ويلهثون وراءها أيا كانت الوسائل. وقد يجرهم هذا إلى انحراف عقائدي لا قدّر الله. في أيامنا هذه، سمعناهم يطلقون عبارات خطيرة تناقض صميم العقيدة، من شأنها أن تُوقع صاحبها في أوضاع عقدية حرجة. والمؤسف أنهم أفردوا لها مساحة واسعة في وسائل الإعلام. إنها أقاويل مخالفة للدين والعقيدة، ولكن المؤسف هو سكوت من يجب عليهم أن يتكلموا من أهل الاختصاص.
والحقيقة أنه لا يمكننا تصفيةُ أرواحنا من رواسب الفتنة والفساد المحيط بنا إلا عن طريق تجديد أفكارنا وأرواحنا كل يوم. ولكن إذا انحصر فهمُنا للإسلام وتفاعُلنا معه على المستوى النظري فقط، فسوف يقسو القلب، وسوف يستمر الإنسان -ناسيا نفسه ويوم الحساب معه- في الإساءة إلى أهل الإيمان دائمًا. أنا على يقين بأن المياه التي تعكرت ستستعيد صفاءها يومًا، وسيعاود الأشقاء النظر في وجوه بعضهم البعض، لذا، يجب أن يتجنب أهل الإيمان -مهما كان السبب- من إطلاق كلمات جارحة تُخجِلهم في المستقبل أمام مَن كانوا يشاركونهم التوجه إلى القبلة نفسها أثناء الصلاة