تقرير: محمد عبيد الله
واشنطن (الزمان التركية) – شهد المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الثلاثاء كل من الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب فضيحة من العيار الثقيل، حيث جاءت الترجمة الإنجليزية لتصريحات أردوغان مختلفة عما ورد في النص التركي الأصلي الذي قرأه أردوغان من الورقة المكتوبة، وذلك من أجل خداع ترامب والشارع التركي في آن واحد.
فقد شهدت ترجمة تصريحات أردوغان للصحافة في البيت الأبيض فضيحة كبيرة، حيث غلبت على تصريحات أردوغان باللغة التركية لغة هجومية ضد الإدارة الأمريكية، غير أن هذه اللغة الهجومية ذابت وغابت عند ترجمة تصريحاته إلى اللغة الإنجليزية، بل تحولت إلى لغة انهزامية اعتذارية، بمهارة وحيلة وفد أردوغان الدبلوماسي والمترجمين. وسر ذلك يكمن في أن تصريحات أردوغان باللغة التركية التي كانت مكتوبة على الورقة كانت رسالة موجهة إلى الشارع التركي المحلي، بينما الترجمة الإنجليزية لها والتي قرأها المترجم من الورقة المكتوبة أيضًا، كانت رسالة موجهة إلى الشارع الأمريكي والدولي.
فالرئيس أردوغان قال كما هو مكتوب في الورقة باللغة التركية: “نأمل أن تتواصل الخطوات الأمريكية التي تعوّض عن الأخطاء المرتكبة سابقًا في مسألة المكافحة المبدئية الصارمة ضد كل التنظيمات الإرهابية”، موحيًا بذلك وكأن الإدارة الأمريكية تخطو خطوات تصحح أخطاءها السابقة في مسألة قرار تزويد وحدات حماية الشعب الكردية والحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري اللذيْن تعتبرهما الإدارة التركية امتداد حزب العمال الكردستاني الإرهابي في سوريا. بمعنى أن أردوغان في هذه التصريحات باللغة التركية بعث إلى الشارع التركي رسالة مفادها أنه حذر أمريكا في هذا الصدد، وضغط عليها حتى تتراجع عن خطأ دعم الأكراد في سوريا!
لكن هذه التصريحات الاتهامية بل الهجومية غابت تمامًا في النص الإنجليزي الموجه إلى الشارع الأمريكي والدولي، وتحولت إلى لغة استسلامية تقدم اعتذارًا لأمريكا والعالم بسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أردوغان بشأن التعاطي مع التنظيمات الإرهابية كداعش في سوريا، وتتعهد بعدم تكرارها في المستقبل، ما يكشف عن تدليس دبلوماسي دولي غير مسبوق، حيث جاء النص الإنجليزي لتصريحات أردوغان كما يلي:
“And we know that, in terms of keeping up with the principled and committed fight against the terrorists organizations all around the world, we will not repeat the mistakes of the past, and we will continue down this path together”.
“ونحن نعلم أننا لن نكرّر أخطاء الماضي، وسنواصل العمل سويًّا مع أمريكا والمضي قدمًا في هذا الطريق، في إطار الحرب المبدئية الصارمة ضد الجماعات الإرهابية في كل أنحاء العالم”.
ولذلك نرى ترامب في الدقيقة العاشرة وخمسين من فيديو المؤتمر الصحفي وهو يحرك رأسه تحريكًا يدل على تصديق ما ورد في النص الإنجليزي لتصريحات أردوغان، والذي يعكس اعترافه بأخطائه السابقة في مكافحة التنظيمات الإرهابية ويدل على أنه سعيد بهذا الاعتراف.
وبعد الدقيقة الثامنة من فيديو المؤتمر يصف أردوغان في تصريحاته باللغة التركية كلاً من وحدات حماية الشعب الكردية والحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري بالتنظيمين الإرهابيين، حيث يقول: “مخاطبة وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الإرهابيين، من طرف أي دولة كانت، لا يتوافق إطلاقًا مع مفهوم التحالف الدولي بهذا الصدد”.
غير أن وصف “الإرهاب” زال في النص الإنجليزي لتصريحات أردوغان كذلك، كما أن عبارة “مخاطبة هذين التنظيمين الإرهابيين” لأردوغان تحولت في النص الإنجليزي إلى “أخذ هذين التنظيمين بعين الاعتبار”. وفيما يلي النص الإنجليزي لهذا التصريح:
“Taking YPG and PYD in the region — taking them into consideration in the region, it will never be accepted, and it is going to be against a global agreement that we have reached”
“أخذ وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي بعين الاعتبار في المنطقة غير مقبول أبدًا، كما أنه منافٍ للاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه”.
وعلى الرغم من أن الإعلام الموالي للرئيس أردوغان يزعم أن هذه الفضيحة مصدرها الترجمة، إلا أن الرئيس أردوغان قرأ هذه التصريحات من الورقة المكتوبة، ومن المفترض أن يكون بحوزة المترجم نسخة منها، بمعنى أن تصريحات أردوغان كانت مكتوبة باللغة التركية والإنجليزية على حد سواء، مما يقوي احتمالية التعمد في هذه الفضيحة الدبلوماسية الدولية.
وهذه الفضيحة كشفت مرة أخرى طريقة إدارة أردوغان في التدليس والتشويه والتوجيه وقلب الأمور رأسًا على عقب.
https://youtu.be/uG7Fm3FvJFE