بقلم: فادى عيد
الكاتب الصحفي والمحلل السياسى المتخصص في شوؤن الشرق الأوسط
” إن الرأى العام مثل الأسماك التائهة فى المحيط نحن نعطيها الضوء وهى تأتى إلينا “
هكذا قال أستاذ الإعلام الأمريكى جورج فيدال ومن هنا استوحى شمعون بيريز فكرتة وقال “يجب أن ننشئ محطات تليفزونية عربية تعمل على إقامة التطبيع كما نريدة نعم محطات عربية ولكن تتكلم بلساننا”
وبعدها طلت علينا قناة تليفزيونية مختلفة فى الشكل والمضمون تضاهى القنوات العالمية فى تغطيتها للأحداث وسرعة نقل الأخبار العاجلة ألا وهى قناة الجزيرة القطرية.
ففى عام 1996م تم إلغاء القسم العربى بقناة BBC البريطانية ليتجه العاملون بها إلى الدوحة للعمل فى القناة الوليدة التى تمتلك إستديوهات وأجهزة علىأعلى مستوى وإمكانيات ضخمة جداً، وهى القناة التى استضافات أكبر المحللين السياسيين على مستوى العالم.
ومن يتابع قناة الجزيرة باهتمام منذ بدايتها سيلاحظ عدة نقاط:
أولاً: عدم ظهور أى إعلانات على شاشة القناة، فمن المعلوم أن مصدر الدخل الرئيسى لأى قناة فضائية هو الإعلانات، إلى أن ظهرت بعض الإعلانات القليلة جدا فى الأونة الأخيرة لبعض شركات الغاز والبترول، فإذا كانت الحكومة القطرية لا تريد الاسثتمار والربح من قناة الجزيرة فماذا تريد إذن ؟ فهل من المعقول أن تنفق الحكومة القطرية مليارات على قناة فضائية دون أى مقابل ؟!
ثانيا: من المفترض أن يكون الوضع الداخلى وشؤون الشعب القطرى هي أولى أولويات برامج قناة الجزيرة، ولكن نحن لا نرى الشعب القطرى تماماً على قناة الجزيرة، ولا يجرؤ أحد الإعلاميين على قناة الجزيرة ذكر حاكم قطر بأي شيء سلبى أبداً.
ثالثا: قناة تلك الإمكانيات المتميزة توقعنا فى بداية انطلاقها أنها ستكون جسراً للتواصل مع الأخر ومخاطبة أوروبا وأمريكا و لكن فوجئنا بأن كل ذلك موجه للمواطن العربى فقط.
رابعا: افترضنا أنها ستكون سبب صحوة الضمير العربى بما أنها تصل لكل بيت فى الوطن العربى وأنها ستكون شبة شرارة ضد المحتل الصهيونى، لكن وجدنا قادة الجيش الإسرائيلي والإعلاميين يتحدثون من تل أبيب لشاشة الجزيرة وهم يبررو اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وهذا على غير باقى قنوات الاعلام العربى التى ترفض كل أشكال التطبيع، وهو الأمر الذى لم يحدث علىأى قناة عربية أخرى، بل وجدنا أن الجزيرة تشعل الشرارة فى أوجة الحكام والشعوب العربية نفسها، فبالطبع لا ننسى دور قناة الجزيرة فى إشعال فتيل الأزمة بين الرئيس الليبى معمر القذافى وولى العهد السعودى، وسوريا ولبنان، وفتح وحماس، ومصر والسلطة الفلسطينية، وأتهام كل هؤلاء بالعمالة … إلخ، وهذا يقول لنا أن الهدف من قناة الجزيرة ليس هو الإستثمار مثل باقى القنوات الفضائية، أو مجرد نشر أخبار مثل غيرها ولكن هناك بتأكيد هدف آخر.
لقد أراد الأمير الأب حمد بن خليفة آل ثانى أن يكون لقطر دور إقليمى وصوت على الساحة الإعلامية، فكيف لدولة تبلغ مساحتها حوالي 11.8 ألف كيلو متر مربع وتعداد سكانها مليون نسمة يكون لها هذا الدور ؟
لكن لما لا، خاصة وأن الدول الإقليمية مثل مصر وسوريا والسعودية تتراجع كل يوم شيئاً فشيئاً، فاعتمد حمد بن خليفة على نظرية أن الدول ليست بالكيلو مترات وإنما بنفوذها وتأثيرها فى صناعة القرار العالمى، فلم يكن أمامة سوى سلاح واحد وهو سلاح الإعلام.
وأثناء حرب العراق تم الاستدعاء المفاجئ لجميع الإعلاميين العرب والأجانب فى بغداد اثناء مؤتمر وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف؛ بغرض تغطية حدث عظيم فى ساحة الفردوس (وهى عبارة عن ساحة بها 10 أعمدة اثرية وتمثال لصدام حسين) ليصور الجميع لحظة سقوط تمثال صدام ويتم تصدير المشهد للعالم، وكأن نظام صدام قد سقط فعليا، وهو المشهد الذى ترتب بسببة حالة فوضى عارمة فى جميع أنحاء العراق وجميع المؤسسات، وأولها الجيش العراقى ألا وهو مشهد إسقاط تمثال صدام حسين ورفع العلم الأمريكي، ومنذ تلك اللحظة ونحن نعيش فى عصر الصورة.
إلى أن جاء تألق قناة الجزيرة مع أحداث الربيع العربي، فوقتما كانت جميع شبكات التليفون المحمول وخدمات الإنترنت فى مصر مغلقة أثناء جمعة الغضب 28 يناير 2011م، كان محمد مرسى الرئيس المعزول المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين يتحدث لقناة الجزيرة لحظة هروبة من السجن، فكيف لمسجون لحظة الهروب يتحدث لقناة تليفزيونية؟ ويملك هاتف الثريا حتى يتمكن من الإتصال فهل كانت تلك الأمور معدة مسبقا إذن؟!
ومن بعدها أصبحت قناة الجزيرة هى نافذة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين عبر العالم، وهى من تسوق لهم فى الداخل والخارج.
وكانت التغطية لحظة بلحظة فى ربيع ليبيا الدامي حتى أصبحت قناة الجزيرة تسبق الأحداث وهى التى ترسمها وتمهد لها، فعلى طريقة سقوط تمثال صدام حسين أذاعة الجزيرة فيديو للثوار وهم يسيطرون على باب العزيزية وإعلان القبض على سيف الإسلام القذافي وهو المشهد الذى كان لها فعل السحر فى مسار الربيع الليبى، إلى أن خرج بعدها سيف الاسلام ليقول أنة حي يرزق، ويسير فى باب العزيزية بكل أمان، قبل أن يعترف مطصفى عبد الجليل بأن تلك المشاهد كانت مفبركة لتحميس الثوار، إلى أن تم مقتل القذافى وانقطعت جميع الأخبار عن ليبيا خاصة وقت نتائج الانتخابات البرلمانية التى لم تأت على هوى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين.
ثم عادت إلينا قناة الجزيرة بأحدث الحصريات وكانت تلك المرة بسوريا، بعدها أصبحت قناة الجزيرة هي صاحبة البث الحصرى، وتنقل جميع تحركات المليشيات والتنظيمات الإرهابية فى سوريا، فمنذ اللحظات الأولى لدخول متشددي دول الناتو إلى الحدود السورية ثم تدريبهم، ووقت صلاتهم وأكلهم وشربهم حتى لحظة مقتلهم، يتم نقل كل ذلك عبر شاشة الجزيرة حصرياً على غرار مباريات الدورى الإسبانى، وأصبح عدنان العرور وأمثالة هم نجوم الدورى السورى الدموى.
يا أحبائى ربما أغلبنا لا يعرف ما معنى كلمة “الأمن الإعلامى” ولكن يكفينا أن نعلم أن إجمالى قنوات الإعلام العربى 783 منها 123 قناة مذهبية، و350 قناة منوعات، لكى نعرف حجم الفراغ العقلى لدى المواطن العربي الذى يمكن اختراقه بكل سهولة من خلال تلك القنوات، وتوجيه المواطن لرغبات وأهداف تلك القناة.
فقد يكون الأمير الابن كالأمير الأب مغرم بالألقاب والحصول على الشهادات الفخرية من الجامعات والأكاديميات الغربية، ولكن يبقى لقب خادم القاعدتين الأمريكتين الذى حصل عليه الأمير الأب ومن ثم الابن هو اللقب الأجدر بمن يحكم إمارة قطر المتآمرة على أشقائها.