بقلم الدكتور غنسو ريمعاني
أستاذ التفسير وعلوم القرآن والإمام والداعية الإسلامي في بوركينافاسو .
إن ديننا الإسلامي الحنيف دين إنصاف وصدق وإخلاص. وهو في ذات الوقت دين محن وابتلاء واختبار .
فهو دين بعد عسره يسر وارتياح. وبعد همه فرج وفرح. وبعد خوفه أمن وأمان. فهو الدين الخالص الذي أنقذ واحتضن كل إنسان نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاهما ومات على ذلك . وبهذا فإن ما تتعرض له جماعة الخدمة اليوم على أرض بلادها في تركيا من الأذى بالقول والفعل حتى بلغ الأمر مبلغ إلصاق اتهامات الضلال والاضلال حينا، والردة والكفر حينا آخر هو من باب الابتلاء والاختبار .
فالضلال مرض خبيث يستعيذ بالله منه كل مسلم من أهل القبلة في مشارق الأرض ومغاربها مرات عديدة في اليوم وليلة في صلواته في أثناء قراءته لسورة الفاتحة حين يناجي ربه فيقول: ( إهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ).
فلما كان العلم هو مصباح الهداية للبشرية. وكانت الهداية هي الماحية للضلال من جذوره فإن حركة الخدمة قد امتلكت هذا المصباح بقوة لمحاربة الجهل بكل صوره في دنيا الناس عامة، سعيا وراء استئصال الضلال والأنانية من بين صفوف المسلمين خاصة، وذلك من خلال مدارسها ومراكزها وجامعاتها التعليمية المنتشرة عبر العالم في أقاصي البلاد وفي المدن والأمصار في قارات العالم كلها.
حتى أصبحت الخدمة لا تحتاج إلى من ينتمى إليها ليثني على جهودها العلمية التي أثبتتها ميادين أعمالها في أماكن تواجدها.
فقد علموا الانسانية – بمختلف الأعمار والأجناس والألسنة والألوان- شتى العلوم في الدين والدنيا. في القرآن والسنة والتوحيد والفقه والأصول والسيرة. بمنهجية مشوقة مغايرة للمعتاد. وعلموا علوم الاقتصاد والهندسة والطب.وكذا علم الفنون والإعلام والحاسوب والتقنيات الحديثة وهلم جرا.
ثم طبقوا مقاصد هذه العلوم بجدارة على أرض الواقع. فعالجوا المرضى، وحفروا الآبار، وأطعموا الجياع، وتضامنوا مع المحرومين من بني الانسانية بلا تفريق وبلا تمييز .
فهل تقدر فئة ضالة ضارة مرتدة على القيام بهذا الجهد العلمي بهذا المستوى الراقي وتقديم هذه الخدمات الانسانية العملاقة العابرة للقارات، والتي عجزت بعض الدول عن القيام بها لشعوبها ؟!.
الجواب باختصار هو: أن ما يحدث لحركة الخدمة والداعية فتح الله كولن اليوم ليس سوى محنة بعدها منحة ومنة. وعسر بعده يسر وارتياح بفضل من الله تبارك وتعالى.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء وإن العلماء والمجتهدين والمفكرين من أفراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين اصطفاهم الله وأورثهم كتابه المبين وسنة نبيه الكريم.
فإذا ما وقع خطأ ما في أقوال وأفعال علم من أعلام الأمة أو مفكر وعالم من علمائها فإن ذلك لخير دليل على كونه بشر يجتهد للوصول إلى الصواب النافع. وإن ذلك أكبر دليل بأنه ليس برسول مرسل ولا بنبي معصوم، ولا هو بملك من الملائكة.
فالمجهد بطبعه كبشر يخطئ تارة ويصيب تارة أخرى.ومع كل ذلك هو مأجور في حالة خطإه وصوابه على حد سواء كما ثبت في الأثر .
فبموجب ذلك فإنه في حالة الخطأ لايجوز اتهام المخطئ من علماء الأمة ولا نفر من مجتهديها بالضلال والردة والكفر إطلاقا كما فعلت مؤسسة الشؤون الدينية التركية مع حركة الخدمة؛ لأن الله تعالى قد اصطفاه وأورثه الكتاب والسنة، ورضي عن عمله ووعده الجنة والحسنى.
حين قال الحق تبارك وتعالى في آيتي سورة فاطر٣٢ – ٣٣ قال: ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) . ففي كل الحالات فإن العالم المفكر المجتهد من أفراد امة محمد صلى الله عليه وسلم له جزاء الحسنى والأوفى من الله تعالى.
أما في حالة اتهام المجهد أو المفكر بدون ذنب أو خطأ وقع فيه، ولا بجرم ارتكبه، فالإثم في ذلك أكبر وأعظم. لأن الحق تبارك وتعالى يقول في كتابه المبين في سورة النساء آية 58 ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا).
وفي حالة اتهام كاتب من الكتاب و مجتهد من مجتهدي الأمة ممن يعمل في دائرة الكتاب والسنة ممن شهدت عليه مؤلفاته بالإستقامة والانصاف مثل الداعية فتح الله كولن. ثم اتهام كل من يحب ذلك المؤلف ويقرأ كتبه للعلم والمعرفة، واتهام كل من ينتمي إليه، ثم المبالغة في اتهام من ينتمي إلى من ينتمي إليه. بلا أدنى ذنب أو بينة إلا لمجرد الانتماء لفكر شخص مظلوم من أهل القبلة. ويعمل لرقي الفكر ولخير التعليم وحسن مصير الانسانية فحسب. فالظلم في ذلك أبلغ. لقوله تعالى في سورة الأنعام في آية ١٦٤ ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولاتزر وازرة وز أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).
سادة العلماء…أعضاء المؤسسات الاسلامية والمجتمع المدني في العالم الاسلامي أجمع. آن الأوان أن نطبق مقاصد آية واحدة في القرآن الكريم في القضية المشار إليها أعلاه. وهي قوله تبارك وتعالى حين قال في الحجرات آية ١٠ ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون). صدق الله العظيم.