في حواره مع قناة BBC الفضائية يتحدث الأستاذ فتح الله كولن عن فضائح الفساد التي كُشف عنها مع بداية عام 2013.
س: كيف تقيِّمون فضائح الفساد في تركيا والتطوُّرات التي واكبت تلك القضايا؟
ج: لست أدرى من أين أبدأ، لكن يبدو أن فسادًا قد وقع. ، الجميعُ تقريبًا يؤكِّد ذلك ويرى حقيقة المسألة ويعرفها، ولا يمكن لأحد أن يغيِّر الحقيقة. ولكن يبدو أنه كان في باطنهم (أي الحزب الحاكم) انزعاج من هذه الحركة، فتَذَرّعوا بفضائح الفساد للحسم في أمرها. ولكن كان الضحيةَ القضاةُ ووكلاءُ النيابة الذين أجْرَوا هذه التحقيقات، فدفعوا الثمن بأن شُتِّتوا ذات اليمين وذات الشِّمال. وهؤلاء الناس عندما يعودون إلى مواقعهم، سيُفصِحون عن اتجاهاتهم. وسيرى الجميع أن من بين هؤلاء القضاة ووكلاء النيابة والشرطة مَن هو قوميٌّ، ومَن هو علماني. ولكن أرادوا أن يضخِّموا المسألة ويزيدوها غموضًا، فادَّعَوا أن هؤلاء دولة بديلة أو دولة موازية تَسرَّبوا في بعض المواقع ونَفَذُوا إلى بعض الأماكن بالكامل، وادَّعَوا أن هؤلاء (الذين شردوهم) متجانسون فيما بينهم ويحملون نفس الأفكار ونفس العواطف. أعتقد أنهم انتهزوا هذه الفرصة واستغَلُّوا هذه الفضائح للبَتّ في أمرٍ كانوا يُخْفُونه في باطنهم من زمان، فلجَؤوا إلى المبالغة والتضخيم، وأرادوا أن يشحَذُوا قواعدهم الشعبية بمناورة حاسمة من هذا القبيل، وبالأخَصِّ مع ظهور فرصة فريدة كهذه.
ومَن يدري؟ لعلهم يشعرون بالندم يومًا ويبكون على تصرُّفهم هذا ويعبِّرون عن ندمهم وأسفهم، لأننا سبق أن تَعرَّضنا لتجارِب مريرةٍ مماثلة انتهت بالندم، إذ أرسل إلينا مئات من الناس إيميلات قالوا لنا فيها: “سامحونا، فقد ظلمناكم”. حدث هذا في أيام سلطة العسكر وفي عهود أخرى حينما أراد بعض القوى الغاشمة أن يفرض وصايته على الجميع. تَكرَّر ذلك في فترات عديدة من دورة التاريخ، لا سيما في التاريخ القريب. وسيندم بعض من هؤلاء ويسعى لتصحيح ما قاله اليوم. بَيد أن المسألة في هذه الأيام سائرة في الاتجاه المعروف، لا سيما في وجود إعلام منحاز للحزب، وأقلام مناصرة تحرِّف بعض المسائل وتموِّه الحقيقة.
انتهاكات للديمقراطية وانتهاكات للقانون
وقتها كنت هنا (في أمريكا)، وسُمِّيَت بـ«عاصفة حزيران»، كانت سنة 1999م. وسائلُ الإعلام حينئذٍ فعلَت نفس ما تفعله اليوم، والمحاكمة استمرَّت ما يقرب من 8 سنوات، ثم انتهت ببراءتنا. ومحكمة التمييز صدَّقَت على الحكم. وقد ألَّف أحد الباحثين الأكاديميين من هنا (من أمريكا) كتابًا حول مسار تلك القضية والمحكمة، حتى إنه سجّل في كتابه عديدًا من الأحداث التي نسيتها أنا شخصيًّا، أي إننا عشنا مثل هذه المكابدات مِرارًا، واليوم نعيش واحدة من تلك المآسي. ويبدو أنها ستتكرر فيما بعد كذلك، لكن هذه الأحداث -في رأيي- تُعرِّض تركيا لخسائر كبيرة، وستنعكس آثارها على نظرة أمريكا والاتحاد الأوربي إلينا بصورة سلبية، لأن الأخطاء التي تُرتَكَب مناقضة للديمقراطية، ومناقضة للقضاء والقانون، وذلك أمر يتفق عليه الجميع تقريبًا في هذه الأيام.
ولكن هل يمكن تقويم ما اعوَجّ بشكل سريع؟ هل تعود الأمور إلى نصابها من جديد؟ نعم، إذا كان الإنصاف سيد الموقف. هذا الفقير لم أتفوَّه بأي كلمة حتى من باب الدفاع عن النفس، لا سيما وأنني كنت مريضًا بعض الشيء. وأنا مُصِرٌّ على أن لا أقولَ شيئًا في هذا الموضوع. ولعلّ بعض الأصدقاء يكتفي بنشر بعض التوضيحات والتصحيحات والتكذيبات فقط. فالذين يُنظَر إليهم على أنهم جزء من هذا الخير أبدَوْا بعض التصريحات، لكنني لم أُعرِب عن أي فكرة حول الموضوع ولم أعلِّق بشيء، وسوف أبقى كذلك. أجل، لن أقول شيئًا بعد اليوم.