بقلم :محمد حسن عامر
كنت أتحدث بصفتي صحفي مع بعض المصادر من العشائر من داخل مدينة “الموصل” العراقية، وهي المدينة التي تجري فيها القوات الحكومية العراقية عملية عسكرية واسعة تحت غطاء تحريرها من سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي مدعومة بميليشيات “الحشد الشعبي” الطائفية، الموالية لإيران، وحدثتني تلك المصادر عن استعدادات تجري على قدم وساق من قبل تلك الميليشيات، المدانة دوليا بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين السنة، لاقتحام مدينة “تلعفر” الواقعة غرب “الموصل” شمال العراق، أيضا بداعي تحريرها من “داعش”، ما يعني أن تلك المدنية ستكون ولاية جديدة خاضعة للحرس الثوري الإيراني بما أن “الحشد الشعبي” ما هو إلا امتداد لتلك الميليشيات الإيرانية الإجرامية.
لم أكد أكمل سؤالي إلى نفسي ماذا تعني السيطرة على “تلعفر” حتى وجدت الإجابة بديهية منطقية يسيرة ظاهرة في عقلي ووجداني، نعم إنها خطوة جديدة وهامة نحو المشروع الإيراني الكبير “الهلال الصفوي” الذي يعني فعليا ربط إيران، التي تتحرك حاملة لواء الشيعة في العالم الإسلامي، والشيعة وآل البيت براء من هؤلاء، تتحرك إيران الفارسية الصفوية المعادية للعرب والمعادية لمنهج أهل السنة والجماعة لربط نفوذها بمواليها في العراق وسوريا وصولا إلى لبنان ومناطق أخرى في العالم العربي ليطل هذا الهلال على البحر.
إذا نظرنا إلى الطبيعة الجغرافية لمدينة “تلعفر” نجد أنها تبتعد نحو 60 كيلومتر عن الحدود السورية، التي باتت العاصمة “دمشق” فيها عاصمة عربية خاضعة لهذا الهلال كما صرح كبار القادة الإيرانيون، والسيطرة على “تلعفر” تعني فتح الطريق أمام تلك الميليشيات للتوجه نحو مدن الرقة والحسكة ثم التمدد نحو حلب فإدلب في سوريا، لتكون هناك مساحة جغرافية متواصة على خط واحد خاضعة بالكمل لنفوذ الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية له، مساحة جغرافية تسمح لإيران بنقل أسلحة مباشرة إلى سوريا عبر الطريق البري من العراق.
السيطرة على تلك المساحة الجغرافية تعني أنها باتت كلها ولاية واحدة خاضعة للحرس الثوري ممتدة من العراق إلى سوريا تسقط فيها الحدود الجغرافية، والدليل أن ميليشيات الحشد الشعبي أعنلت صراحة أنها مستعدة للذهاب إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات “الأسد”، أيضا تحت غطاء الحرب على الإرهاب و”داعش”، ما يعني أن تلك الميليشيات، التي هي القائد الفعلي للحكومة العراقية، تعتبر تلك المساحة الجغرافية الممتدة بين العراق وسوريا ولاية واحدة يتحرك فيها الحرس الثوري كما شاء عن طريق ذيوله من الميليشيات الموالية له.
الأخطر في الأمر، ان المصادر ذاتها تحدثت معي في نقطة خطيرة وهي أن الميليشيات المدعومة من إيران لديها مخطط لأن تتحول “تلعفر” إلى محافظة عراقية جديدة لتوطين مئات آلاف الإيرانيين الفرس الذين دخلوا إلى العراق تحت غطاء الزيارات المقدسة، وما دخلوا إلا لتنفيذ أجندة إيرانية في غاية الخطورة هدفها التلاعب بالتركيبة الديموجرافية في العراق بما يتيح لها طمس هويته العربية، وفي نظري خطوة أخرى تجعل الهلال الصفوي ليس ممتدا بمن يوالونه من عرب وغيرهم وإنما أن يكون على طوله الجغرافي امتداد سكاني له أصول فارسية يقطن تلك المساحة الجغرافية تضمن الولاء الدائم، لأنه حتى التشيع ليس كفيلا لخضوع أولئك الأقوام للنفوذ الصفوي وانظروا كم الشيعة العراقيين الكارهين لإيران والمحاربين لخططها لكن بلا معين أو سند إلا من الله عز وجل.
“تلعفر” تبعد عن جنوب الحدود العراقية التركية بنحو 38 ميلا، وهي مدينة يقطنها غالبية من التركمان وستكون بلا شك بما تحمله من خليط عرقي ومذهبي مركزا جديدا لصراع النفوذ بين إيران وتركيا، وإذا كانت تركيا “العدالة والتنمية” تصدر نفسها على أنها حاملة لواء السنة في العالم الإسلامي، فأعتقد أنه سيكون عليها أن تمنع سقوط “تلعفر” في الحظيرة الإيرانية، فهل سيفعل ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟ أم أن معركته الوهمية مع حركة الخدمة والأكراد ستكون بالنسبة له أكثر أهمية من هذا المخطط الخطير؟. وبالأولى والأحرى أن أوجه سؤالي إلى حكومات الدول العربية، وخاصة إلى الممكلة العربية السعودية، التي تصدر نفسها باعتبارها حامي حمى العرب السنة، هل سيقف الملك سلمان صامتا تجاه ذلك المخطط الذي يوما ما سيطال أرض وطنه؟ أم أنه منشغل بمشروعات أخرى لا يراد منها إلا زعامة عربية وهمية للمملكة؟. سؤالي الأخير، وإن كنت منه يائسا، إلى الحكومة العراقية، ألا يوجد بينكم من يريد أن يكون رجلا يثور لأرضه وترابه العربي؟ ألا يوجد بينكم من يريد أن يكون رجلا يثور لأجل حدود وطنه المنتهك؟ أم أنكم سعداء بما أنتم عليه إمعات وذيول لإيران وأمريكا؟.. أفيقوا قبل أن يستوطن الفرس “محافظة تلعفر”.