أنقرة (الزمان التركية) – توظيف الجماعات الإسلامية المتطرفة من قبل الدولة التركية ليس بدعة أو أمرًا جديداً، بل هو طريقة تتبعها في إزالة العناصر غير المرغوبة فيها منذ عقود طويلة. فمثلا وظفت الدولة حزب العمال الكردستاني في تشتيت وتصفية الحركات التحررية الكردية سواء كانت يسارية أو إسلامية. ولما بات هذا التنظيم يشكل خطرا بعد خروجه عن الإطار المرسوم له نسبيا، توجهت الدولة هذه المرة لتأسيس وتطوير “حزب الله” التركي الذي تربى وترعرع تحت عباءة الدولة حتى أصبح “غولا” لا يمكن إيقافه، إذ ترك بصماته على عدد من عمليات الاغتيال كما رأينا ذلك في القبور الجماعية التي عثرت عليها في العاصمة أنقرة والتي تعود لمجهولين.
وما تشهد تركيا اليوم هو تكرار هذا الفيلم مجددا، حيث يستخدم أردوغان قوات أسد الله شبه العسكرية ضد الأكراد بعد أن منعوا حزب العدالة والتنمية من الانفراد بالحكومة في انتخابات 7 حزيران لعام 2014 ونقل البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي الذي يحلم به، مما اضطر إلى إعادة الانتخابات ليفوز بالحكومة منفردا مرة أخرى. إلا أن الفرق يكمن في أن أردوغان وضع أفراد هذه المجموعات الراديكالية ضمن كوادر الأمن الرسمية، ولذلك أصبحت الفاتورة باهظة أكثر من السابق حيث شاركوا في اغتيالات شخصيات دولية.
ولا شك أن واقعة اغتيال السفير الروسي بالعاصمة التركية أنقرة ستبقى لحظة سوداء على جبين السلطة الحاكمة في تركيا.
تسلل عنصر إسلامي متطرف أو عناصر التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة والقاعدة إلى صفوف الأجهزة الأمنية في تركيا نتيجة طبيعية لسياسة نفذتها الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان خطوة بخطوة على مدار 15 عاما.
فقد ظهر التيار الديني المتطرف للمرة الأولى داخل أجهزة الأمن التركية خلال العمليات العسكرية في جنوب شرق تركيا، عقب انتخابات 7 يونيو/ حزيران. فبعد أن أجرى أردوغان عملية تصفية وتطهير موسعة طالت حوالي 15 ألفا من رجال الشرطة، عين محلهم رجال شرطة جددا عقب تلقيهم دورات تدريبية لمدة أربعة أشهر فقط، خاصة في وحدات التدخل السريع والعمليات الخاصة وغيرها من الأفرع القيادية في أجهزة الأمن.
وسجلت عدسات الكاميرات ونشرت القنوات التلفزيونية أفرادا من القوات الخاصة المشاركة في العمليات العسكرية، التي أجريت في المدن والمناطق الكردية ودمرت خلالها منازل المواطنين الأكراد بحجة مكافحة الإرهاب (حزب العمال الكردستاني)، وهم يكتبون على الجدران “قوات أسد الله” ويرفعون أصابع شهادتهم برفقة التكبيرات. وعلى الرغم من أن نواب أحزاب المعارضة التركية من حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية الكردي عرضوا قضية “قوات أسد الله” على رئاسة البرلمان للنقاش، إلا أن الحكومة لم تجر أي تحقيقات للكشف عن هوية هؤلاء الشرطيين وكيفية وأسباب تسلل عناصر داعش إلى القوات الخاصة وأجهزة الأمن الأخرى.
كما نقلت الشاشات التلفزيونية لقطات يظهر فيها أحد الشرطيين وهو يرفع إصبع شهادته برفقة التكبير (الله أكبر) ويهتف “يحيا داعش!” في وجه المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع يومي 6-7 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 احتجاجا على الهجمات التي تعرضت لها القوات الكردية في بلدة عين العرب (كوباني) على أيدي مليشيات تنظيم داعش الذي يعتبره كل العالم تنظيما إرهابيا وشكل تحالفا دوليا من أجل محاربته.
وكذلك شهدت بلدة “باش قلعة” التابعة لمدينة فان المتاخمة للحدود الإيرانية حادثة مشابهة، إذ رصدت عدسات الكاميرات هذه المرة شرطيا من قوات الشغب الخاصة يرفع إصبع شهادته ويهتف “يحيا داعش” في وجه المشاركين في المظاهرات الاحتجاجية ذاتها.
ودارت عقارب الساعة ومضت أيام وشهور حتى جاء الشرطي من قوات الشغب الخاصة مولود الطنطاش لينفذ عملية اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، مرددا شعار تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في سوريا، قائلا: “نحن الذين بايعوا محمدا ما بقينا أبدا. لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا… لن يستطيع أحد إخراجي من هنا إلا جثة هامدة. نحن لا نريد شيئا إلا الشهادة”.
وكانت أحد الجامعات في العاصمة أنقرة قد شهدت تظاهرات واسعة، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، اعتراضا على هجمات داعش ضد القوات الكردية في كوباني السورية أيضا، تدخلت فيها قوات فض الشغب والتدخل السريع، وتم اعتقال نحو 20 طالبا. وأثارت الصور الملتقطة أثناء الواقعة جدلا واسعا في الشارع التركي بعد أن لوحظ رفع أحد قوات فض الشغب إصبع الشهادة أمام المتظاهرين كذلك. إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية سرعان ما ادعت أن هذه الإشارة خاصة بقوات التدخل السريع، دون فتح تحقيق حول الواقعة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه المعارضة تنتقد علاقة الحكومة مع هذه المجموعات الراديكالية، ظهرت قوات “أسد الله” وشاركت مع قوات الأمن في العمليات الأمنية والعسكرية المنظمة لمواجهة هجمات حزب العمال الكردستاني في المدن الشرقية، وبدأ الشارع التركي يرى على الشاشات التلفزيونية كتابات على الجدران من قبيل “حتى وإن سالت دماؤنا، فالنصر لله”. وصفت الأحزاب المعارضة في النقاشات التي دارت تحت سقف البرلمان هذه القوات بـ”ذراع داعش في تركيا”، مع ذلك فإن الحكومة لم تقم بأي تحقيق حول الادعاءات، بل إن نائب حزب العدالة والتنمية الحاكم رمضان جان دافع عن هذه القوات في إطار رده على الاستجواب البرلماني الذي قدمه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، حيث قال: “نشاهد كل يوم مقتل الشيوخ والأطفال في هذه المناطق على يد العمال الكردستاني الإرهابي.. لعن الله من يمارس هذا القتل والإبادة”، ثم علق على الادعاءات المتعلقة بقوات أسد الله “كما تدين تدان”، على حد تعبيره.
وكانت القوات الأمنية قد احتفلت بصحبة أصوات التهليل والتكبير عقب الانتصار الذي حققته ضد عناصر العمال الكردستاني بعد قصف عنيف بالأسلحة الثقيلة في مدن ماردين وشيرناق وديار بكر ذات الأغلبية الكردية. ونظرا لأن التكبير والتهليل لم تكن عادة القوات الأمنية، أثارت الحادثة تساؤلات شتى حول طبيعة هذا التغيير الجذري الذي حدث في الأجهزة الأمنية وبات مدار النقاش في الإعلام الاجتماعي ومحط انتقاد الأحزاب المعارضة. ولم يقدم المسئولون حتى اليوم إجابات وافية على هذه التساؤلات.
فضلا عن ذلك فإن المشاركين في تلك العمليات الأمنية التي تراها حكومة العدالة والتنمية “ناجحة” رغم تدمير المدن بمدنييها حصلوا على ترقيات ومكافآت متتالية على يد الحكومة. لقد أحلت الحكومة قوات أسد الله وقادة الأمن الذين دمروا مناطق الأكراد في مواقع ومناصب حساسة جدا داخل أجهزة الأمن.
لقد كتبت شعارات “أسد الله” برش رذاذ الطلاء على جدران ولايات المناطق الكردية، بينما تكتب اليوم تلك الشعارات بدماء الممثلين الدبلوماسيين في قلب أنقرة على يد الجيل الجديد المتطرف من الضباط ورجال الأمن المحسوبين على العدالة والتنمية.
من موقع aktifhaber.com