إسطنبول (الزمان التركية): تناول الداعية التركي فتح الله كولن موضوع الإستغلال الخطأ للدين والشباب المتدين في حوار أجراه معه أكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة زمان السابق في الحادي والعشرين من مارس أذار 2014.. وفيما يلي ما قاله كولن في هذا الشأن:
س: لماذا، في رأيك، نجد كثيرين من شباب السنة العرب أكثر عرضة لتبني التفاسير المتطرفة للإسلام؟
ج: في كل دين تجد جماعات تنحرف عن الخط العام وتتبنى تفاسير راديكالية. ولعله من الصعب القول: إن أتباع مذهب معين، سواء كانوا من السنة أو الشيعة، أكثر عرضة لمثل هذه الانحرافات. أعتقد أن هذه المشكلة نابعة إلى حد كبير من تقصيرنا في فهم مضمون الدين الحقيقي وهويته وتبنيهما. إن التعامل مع الدين على أنه أيديولوجية سياسية لهو أكبر خيانة تمارس بحق الدين، لأنه في هذه الحالة، يختزل الإسلام في مجموعة من المبادئ البسيطة ويضيق مساحته الرحبة. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن هذا أثر من آثار الاستعمار الذي امتدّ على مدى عقود في المنطقة. وحقا، فإن الميل إلى اختزال الدين بأيديولوجية سياسية واللجوء إلى العنف تجده أكثر انتشارا في البلدان التي عانت من الاستعمار في ماضيها. وما يثير الفزع هو أن عنف هذه الجماعات المتطرّفة يحظى بتغطية إعلامية واسعة تحجب أصوات الغالبية العظمى من المسلمين التي ترفض ممارسة هذا العنف مطلقا. وأحيانا تتعمد بعض الأطراف إبراز هذه الجماعات المتطرفة ودفعها إلى الواجهة بنيات أو غايات سيئة ترمي إلى تشويه صورة الإسلام الناصعة.
الإسلام دين منفتح على الاجتهاد وصالحٌ لكل زمان ومكان. وهذه الميزة تحفظ الإسلام من محاولات ربطه بجغرافية أو عقلية معيّنة، بشرط أن لا تتعارض التفاسير والتأويلات مع جوهره وأصوله الثابتة. وفي هذا الإطار، عبر فترات مختلفة من التاريخ سُوّقت نماذج أبوية وقومية ودولية للإسلام ورُوّجت على أنها الإسلام الصحيح. وإذا كان التفسير الراديكالي للإسلام يعني العنف، فإن ظاهرة وجود مسلمين من السنة والشيعة يستخدمون العنف والإكراه وسيلة لتبليغ الإسلام ليست بجديدة. لقد وجد من نحا هذا النحو بين المسلمين طوال التاريخ، ولئن برز بعض هؤلاء في عالم السنة خلال الفترة الأخيرة فإن هذا لا يغيّر هذه الحقيقة التاريخية. أضف إلى ذلك أن الإعلام يميل إلى التركيز على مثل هؤلاء الناس والجماعات مقابل تهميش 99.5 بالمائة من المسلمين الذين يرفضون هذه الجماعات المتطرّفة، الأمر الذي يشوه الصورة العامة للإسلام.
وبما أن الجماعات التي تتبنّى التفاسير الراديكالية، المتعاملة مع الإسلام كأيديولوجية، تتحمّس لفكرة الاستيلاء على الدولة وإعادة تشكيل المجتمع من أعلى إلى أسفل بأسلوب استبدادي… وبما أن الدولة الإيرانية الشيعية كانت ولا تزال رسميا وبفعالية، توظّف مثل هذا النموذج في الحكم منذ 1979م… فإن أنصار هذا النهج الشيعي، وإن كانوا من السنة، فهم يتصرّفون كـ«مَلِكيِّين أكثرَ من المَلِك». بمعنى أنهم يجدون في الثورة الإيرانية الشيعية تجسيدا لمثلهم العليا. مثل هذه المظاهر المتطرفة قد تتطوّر وتشغل حيزا كبيرا في الظهور في أي مكان، ولا سيما إبان مواجهة الاستعمار والاحتلال.
أعتقد أنه إذا تمكّنت التيارات الإصلاحية الكبرى من أن تتحرّك بطريقة فطرية انسيابية -في جو من الحرّية- في القاعدة الشعبية الكبرى أي في السواد الأعظم دون الوقوع في شباك التسييس، فسوف تشكل محيطًا واسعًا تذوب فيه تلك المطالب الراديكالية مع مرور الوقت. إن قدرة الدين على تحقيق تحوّلات فردية وأخلاقية دائما أكثر تأثيرا واتساعا واستمرارية من التطبيقات السياسية والسلطوية. ولكن عندما لا يستفاد كليا من قدرة الإسلام على إفراز ديناميات التغيير الاجتماعي قد تنحرف مثل هذه الجماعات نحو تبنّي مواقف أكثر تسييسا وتطرفا. إن حركة “الخدمة” لا تهدف إلى تغيير المجتمع من أعلى إلى أسفل، بل تسعى إلى بناء الأفراد. التغيير يجب أن يبدأ من الفرد، فإذا استطعنا أن ننشئ أفرادا ومواطنين صالحين مجبولين على الإيثار والفضيلة فإنهم سينقلون المجتمع إلى مستقبل أكثر سلما واستقرارا وازدهارا. ومع هذا، فإننا لا نعلّق قلوبنا بالنتيجة ولا نتعجل قطف الثمرة بالدرجة الأولى.. فـ«الخدمة» تعمل على إنشاء حدائق وبساتين تنتج أفضل أنواع الثمار، ويأتي الناس بعد ذلك ليجنوا هذه الثمار ويعدّون منها الطعام الذي يحبّونه أو الحلوى التي يشتهونها أو المائدة التي يفضّلونها بمحض اختيارهم