س: كيف ترون العلاقة بين الإسلام والديمقراطية؟ هل ينسجمان؟ وكيف تقيمون الممارسة الديمقراطية في تركيا؟ وما تأثير تلك العلاقة على محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
ج: نظام الحكم القائم في تركيا منذ الخمسينات هو نظام ديمقراطي بالرغم من كل ما يعانيه من تعثّرات، فالديمقراطية هي نظام يتّجه إليه العالم اليوم. لقد بدأت البوادر الأولى نحو نقل بلادنا إلى الديمقراطية منذ أواخر الدولة العثمانية عام 1876م من طرف السلاطين العثمانيين الذين كانوا في الوقت نفسه خلفاء العالم الإسلامي، حيث شكّل النوّاب من غير المسلمين في أوّل برلمانٍ مُنتَخَب ديمقراطيًّا نسبةَ الثلُث تقريبًا. فمن الخطأ أن ننظر إلى الإسلام وكأنه متعارض مع الديمقراطية، والعكس صحيح. ويمكن القول إن الديمقراطية هي النظام الأنسب لمبادئ الحكم في الإسلام لكونها تتيح الفرصة للنّاخبين أن يُحاسِبوا الحكّام المنتخَبين ويسائلوهم، ولكونها نقيضًا للاستبداد الذي يعتبره الإسلام شرًّا وفسادًا في الحكم. فليس للإسلام مشكلة مع الانتخابات الديمقراطية والمساءلة وسيادة القانون وغيرها من المبادئ الديمقراطية الأخرى. وعندما صرّحتُ عام 1994م بأنه «لا ينبغي التراجع عن الديمقراطية»، قُوبلت هذه التصريحات بالاعتراض من بعض الفئات، إلا أن هناك العديد من التطبيقات والأنماط للديمقراطية لا يمكننا القول إنها بلغت حدّ الكمال، بل هي في طريقها إلى الاكتمال.
إن البلد الذي يتم فيه حفظ الدين والنفْس والعقل والنسل والمال، ولا تُقيَّد فيه حقوق الأفراد وحرياتهم إلا في الحالات الاستثنائية القصوى كالحروب مثلًا، وتُعامَل فيه الأقليّات بالتساوي مع باقي المواطنين ولا يتعرضون لأي تمييز، ويُتاح للجميع التعبير عن وجهات نظرهم الشخصية والاجتماعية والسياسية بكل حرية والعمل بها؛ هو بلد متناغم مع روح الإسلام. وإذا كان الناس في بلدٍ كهذا يمكنهم التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بحرّية ويؤدّون واجباتهم وشعائرهم الدينية، ويتمتّعون بحريات مثل الملكية الخاصة وحريات أخرى، فليسوا مطالَبين -مسلمين كانوا أو أتباعَ ديانات أخرى- بتغيير نظام الحكم في ذاك البلد. أمّا البلدان التي لا يتمتّع فيها الناس بهذه الحريات، فعليهم أن يحاولوا الحصول عليها من خلال وسائل ديمقراطية دون اللجوء إلى العنف بتاتًا.
أعتقد أنه بإمكان الإسلام والديمقراطية أن يتعايشا سلميًّا ليس فقط في تركيا، بل أيضًا في البلدان المسلمة، وفي البلدان ذات الأغلبية والكثافة الإسلامية. للأسف يلاحظ أنه في البلدان التي يتم فيها شيطنة الديمقراطية، تكثر انتهاكات حقوق الإنسان، والاضطرابات الأخلاقية والقانونية، والنزاعات والصراعات الدينية والعرقية. إن الديمقراطية حاليًّا تتطور لتصبح -إن جاز التعبير- عرفًا وقيمة مشتركة للجنس البشري بأكمله. ففي البلدان التي تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي، يحق للمسلمين من خلال مؤسسات المجتمع المدني ممارسة دينهم وتطبيقه وتمثيله بل ونشره وتعليمه أيضًا. ومن ثم فإن وظيفتنا الأساسية أن نمارس قيمنا الإسلامية ونتمثلها حيّة سواء أفرادًا كنّا أو مجتمعًا مدنيًّا.
لا يمكن وصف تركيا بأنها دولة ديمقراطية بشكل كامل. فالمتدينون الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد في الماضي، مثل الطالبات اللواتي مُنِعْنَ من ارتداء الحجاب في الجامعات، قد نالوا مؤخَّرًا العديد من حقوقهن نتيجةً لمساعي الانضمام للاتحاد الأوروبي؛ ومن ثم فإن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد عادت بالكثير من الفوائد على تركيا من هذه الجهة، وتم إدخال إصلاحات ديمقراطية جدّية للبلاد في إطار هذه المساعي. وإذا استمرت هذه الإصلاحات واستطاع النظام الديمقراطي في تركيا تحقيق معايير الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات، فباعتقادي لن تقف هوية تركيا المسلمة حجر عثرة أمام عضويتها الكاملة. حتى لو قام متعصبون كارهون للإسلام في أوروبا بمنع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن المكاسب التي حقّقتها تركيا أثناء محاولتها الحصولَ على العضوية تبقى انتصارًا مهمًّا للديمقراطية فيها. إلا أن تركيا -مع الأسف- قد بدأت مؤخّرًا تتراجع عن تحقيق تلك المعايير الديمقراطية للاتحاد الأوروبي.