إسطنبول (الزمان التركية): في درسه الأخير أجاب الداعية التركي فتح الله كولن على سؤال حول ما يوجه إليه وإلى حركة الخدمة من افتراءات تصل إلى حد الاتهام بأنها فرقة ضالة وبأن أتباعه يدعون أنه المسيح وأنه المهدي المنتظر وإمام الكون. ولفت إلى أن من يكيلون الأكاذيب والافتراءات بحقه اليوم هم أنفسهم من سبق أن رفعوه وحركة الخدمة إلى عنان السماء وكالوا لهما المديح، معتبرًا أن هذا ينم عن خلل نفسي يحتاج إلى علاج.. وفيما يلي السؤال الذي وجه إلى كولن وإجابته عنه:
سؤال: سيدي المحترم! طالما أن الحديث قد وصل بنا إلى هذه النقطة فإنني أريد أن أسألك: يدّعون أنَّ بعضًا ممن ينتسبون إلى الخدمة يصفونك بــ”المهدي” بل وحتى “بالمسيح”، وأنك تسكت عن هذا قصدًا، وقد تزايدت مؤخرًا وتيرة هذه الادعاءات، وصاروا يروجون لها في كل وسيلة إعلامية. لقد عقدتَ جلسات خاصة وكتبتَ مقالات تنفي كل هذه الأكاذيب، ووجهتَ إلى إعداد كتابٍ خاص بهذا الموضوع، علما بأن أي متابع لما تقولون أو تكتبون يدرك منذ اللحظة الأولى مدى تَهَافُتِه. ومؤخرًا يعملون على ترويج وصفكم بإمام الكون، يقولون إننا نصفك بهذا الوصف، وهذا لم يخطر على بال أحد منا قط، لكن حملات التشويه وتشكيل الصورة الذهنية الخاطئة تعمل على هذا منذ 3 أو 4 سنوات، فماذا تقولون في هذا الموضوع؟
إنهم يحرفون الكلم
إنهم يقتطعون أكثر الكلمات براءة من سياقها، يقتطعونها، ويعيدون تشكيلها كما يحلو لهم، يصبّونها في قوالب قبيحة مَشينة لكي يشوّهوا حركة الخدمة وأبناءها.
إنَّ كلَّ كلمة نقولها إنما تصدُرُ بعد بذلِ جهدٍ مُميتٍ ومُضنٍ، نتحرى فيها أن تكون موافقة لروح القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والسلف الصالح وأئمة المذاهب وأقوال المجتهدين. لكنهم يستنبطون من كل مقالة ودرس وحديث معاني تافهة لا دلالة لها!… إنهم ينتزعونها من السابق واللاحق لها..يتجاهلون ما تستتبعه التراكيب.. يتجاهلون السياقَ والسباق.. ليس إلَّا سعيًا إلى “التشويه والإساءة”..تشويه أبرياء أطهارٍ لا يتوانون أبدًا عن خدمة الدين وإعلاء كلمة الله، والعمل على أن ترفرف راية الحقيقة في كل مكان، وأن يُدوّي نشيد الأمل هنا وهناك، وتتردد رسالة أمتنا النبيلة في كل أرجاء العالم.
لبّ الخدمة “الإيثار” و”خدمة العيش من أجل الإحياء”
ولو كان هؤلاء المبادرون من أبناء الخدمة يطمحون إلى شيء آخر من عرض الدنيا الزائل، لكان لكل واحد منهم عقار، أو منزل.. لكان لكل منهم فيلات، لأصبحوا أعضاء في البرلمان، أو لطمحوا في اقتناء القصور أو تولي الوزارات. بيدَ أنهم لم يفعلوا، وإن كان بينهم من هو كذلك وكان لي -وأنا العبد الذليل- حق ولو كان بسيطًا عليه فسأمسك بتلابيبه وأحاسبه أمام الله تعالى. فهذه الخدمة، هذا الواجب، يعتمد تمامًا على مبدأ “الإيثار”، إنها “خدمة العيش من أجل الإحياء”، إنها خدمة التنازل عن جميع الحظوظ الشخصية ووضعها تحت الأقدام والدوس عليها، بإذن الله وعنايته.
“ركزوا على مهمتكم ولا تلقوا بالًا للافتراءات”
قد تقولون: إن هناك بعضَ المغرضين يرددون بعض الترهات هنا وهناك، ويسعون لترويجها في مختلف أرجاء العالم. أقول لكم لا تكترثوا بهم، ولا تلقوا لهم بالًا؛ لا تلقوا بالا لمن يحشدونهم من أشباه العلماء لإضلال الناس، لا تلقوا بالًا لتلك التصرفات والسلوكيات والخطط التي يُعدّونها لإفساد العقول. وعلى حد قول ابن حجر: ولو أن كلّ كلب عوى… أو كما يقول العوام بالزَنّ يأتي وبالهشّ يمضي. دعكم منه ولا تقفوا عنده. ليقولوا ما يريدون، فلن يؤثر هذا فيكم ما دمتم تؤمنون بأن الطريق الذي تسلكونه هو “طريق النبي عليه الصلاة والسلام”…
“تدريس أمهات الكتب الإسلامية”
فمثلًا نحن طالعنا هنا كتب الحديث الموسوعية، وعندما قرأنا صحيح البخاري كنا نتناول معه حوالي ثلاثين مصدرًا حديثيًا غيره ونطالعها. ورغم هذا فإن كانوا لا زالوا يُضلون الناس ويخدعونهم بقولهم: “هذا تيار باطل، هذا تيار ضال، وغير ذلك من الملاحظات!” فمثل تلك الكلمات تُسمى –سامحوني- “نباحا”، إننا على هذا النحو نظمنا حياتنا، ففي التفسير أيضًا اتخذنا من تفسير العلامة الشهير محمد حمدي يازر مصدرًا أساسيًا للدراسة. كنا نطالعه وندقق مباحثه بتأنٍ ورويةٍ. وكنا نقارن ما فيه من نفائسَ بثلاثين مرجعًا تفسيريًا من تفاسير التراث الإسلامي القديم والحديث -بما في ذلك تفسير الشؤون الدينية التركية أيضًا- لمعرفة ما قيل وما لم يُقل فيها. فهل توصف مجموعة على هذا النحو من المثابرة في الدراسة والاطلاع بأنها على ضلال؟ إن جاز في الأفهام ذلك، فهذا يعني أنه لا أحد مستقيم على الأرض! ولكنَّ الله حليم، كما يقول سيدنا أبو بكر: “إِلَهَنَا مَا أَحْلَمَكَ أَنْتَ مَلِيكٌ بِلاَ شَكّ”، تتيح الفرصة للظالمين؛ فما أحلمك! تمهل الطيالسة الخراسانيين، وتُمهل عملاءهم، إمهالًا إثر إمهالٍ… غير أنك يومًا ما ستُرديهم في مهاوي “الغيّ”. وكما لطخوا سمعة الناس بالباطل عبر صحفهم ومجلاتهم الصادرة من وادي الضلال و”الغيّ” فستقذف الملائكةُ في وجوههم القطران جزاءً وفاقًا لما ارتكبوه في حق الأبرياء. إنكم حين تنظرون إلى أولئك الناس بنظرتكم الإنسانية ووجدانكم الرحب سوف ينفطر فؤادكم شفقة بهم، وأسفًا على حالهم.
“استغلوا قيم الإسلام لتحقيق مطامعهم”
لقد زعموا أنهم على “الطريق المستقيم”، استغلوا قيم الإسلام لتحقيق مطامعهم ورعاية حظوظهم الدنيوية، شوهوا صورة الإسلام في بلادنا الحبيبة، وحولوا قيمه النفيسة وجواهره الثمينة إلى سلعة تباع في سوق النحاسين. أغواهم الطمع وأعماهم زخرف الدنيا، نسوا “الآخرة” ونسوا “الله” وغاب عنهم “الرضا”، لم يفكروا في “الإخلاص”، تظاهروا بالصلاة والصيام، وتشدقوا قائلين: “الإسلام… السياسة الإسلامية!”، لكنهم أساؤوا إلى وجه الإسلام النقي أيما إساءة؛ لطخوه بالقار ودنّسوه تدنيسا يحتاج ربعَ قرن من الزمان لتطهيره مما أحدثوه فيه، وأنتم ستَنذُرون أنفسَكم للقيام بهذه المهمة بإذن الله تعالى وعنايته.
ستَحمَدون اللهَ وتُثنون عليه آلاف المرات لأنكم مسلمون، وتقولون كما قال الإمام آلوارلي: “الحمد لله، فمن فضله الأكبر أنني من أهل الإيمان من أمة الحبيب المصطفى (ص)، من أتباع القرآن المبين”، اللهم احشرني مع أمة المصطفى، مع الصحابة الكرام، وساداتنا التابعين الفخام، والمجتهدين العظام. إنني حين أتذكرهم أقول -وكثيرًا ما سمعتم ذلك مني أنا القطمير- كما قال موللا جامي:
يا رسول الله! كلب أصحاب الكهف سيدخل الجنة معهم، ماذا لو أدخلُ الجنة أنا أيضًا بين أصحابك، مثل كلب أصحاب الكهف؟ ربَّاه! كيف يدخل هو الجنة وأنا أدخل النار؟ إن كان هو كلبَ أصحاب الكهف؛ فأنا كلب أصحابك!” وبين قوسين أقول: لقد كنت أوقّع على بعض الكتب لي باسم “القطمير” ولم أكن أوقّع باسمي، كنت أعتبر نفسي غير لائق بحمل هذا الاسم.
هناك مواقع إلكترونية تزعم أمورًا مروّعة بين الحين والآخر في هذا الموضوع. لقد طردتُ بعض هؤلاء الخونة من عندي بسبب ما تقوّلوه وافتروه. وقبل مدة كان بعض هؤلاء الذين يفترون علينا الآن، يرسلون إلى العبد الضعيف رسائل مصدرة بقولهم: “عزيزي، مرشدي، شيخي، سيدي، شمعتُنا الوضاءة، لقد اسود وجه تركيا منذ أن ذهبت!” اليوم هم يثرثرون هنا وهناك ويتقولون ويفترون علينا.
“المبالغون في مدحنا أمس هم المبالغون في ذمّنا اليوم”
نعم كان هؤلاء المتقلّبون من المبالغين في مدحكم بالأمس، حتى رفعوكم إلى عنان السماء. وهم اليوم أنفسهم من المبالغين في الذم، يخسفون بكم الأرض. يحاولون تشويه أناس نذروا أنفسهم لله، حملوا مهمة عظيمة في خدمة الإنسانية، استمدوا مبادئهم من العلامة بديع الزمان سعيد النورسي، في سلسلة نورانية ممتدة إلى سيد الأنام صلى الله عليه وسلم. هؤلاء المخلصون همهم نشر الإسلام بماهيته الحقيقية في العالم، لا همَّ لهم سوى ذلك. لا يفكرون في امتلاك القصور ولا الفلل ولا الأساطيل، لا يُباعون ولا يُشترون، لا يبدّلون صفوفهم ولا يغيرون منهجهم حين تُعرض عليهم الأموال، في المجلات وقنوات التلفاز. هم ثابتون راسخون كقمة جبل إفرست، لا يحيدون عن مبادئهم أبدا، فهم لا يبغون شيئًا سوي خدمة دينهم.
قبل ثلاثين سنة كان هؤلاء المعادون للخدمة اليوم يرددون في كل مناسبة: “لقد أعلت الخدمة الراية الوطنية لبلادنا في كل أنحاء العالم، وعزف العالم كله نشيدنا الوطني بفضل أبنائها، وتردد الاسم الجليل المحمدي المبارك، وذاعت القيم الإنسانية في كل مكان بسببهم”.
“يتلونون تلون الحرباء حسب الظروف”
إن كان هؤلاء الذين رددوا هذا الكلام يتصرفون هكذا اليوم، ويتلونون تلون الحرباء حسب الظروف. فماذا يمكن أن نفعل معهم؟ لقد خدعوا قسمًا كبيرًا من شعبنا، خدعوهم اليوم، لكن هذا الشعب ليس ساذجًا كما يتصورون. شعب الأناضول شعب مبارك طيب لا يمكن الاستهانة به وازدرائه على هذا النحو. نحن نعلم قيمة هذا الشعب، نحبه ونحترمه لدرجة العشق، بذلنا ما في وسعنا لنطلع العالم على غيرته في الحق وبلائه في سبيل الله، عملنا على أن يحب العالم شعب الأناضول بعد محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل الأناضول عشاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
“أنصحهم ببناء مصحات عقلية بدلا من السجون”
يقولون عني: إنه يتعامل مع الجن، وسوف يأمر الجن بإحداث زلزال عظيم في البلاد، ويقولون: إن تحت إمرته ثلاثة ملايين جنّي يعملون بأمره، بالله عليكم هل هذا كلام عقلاء؟
لو كان في تركيا مجموعة من المحللين النفسيين المحترمين، لطالبوا بالقبض على هؤلاء، وإيداعهم مستشفى الأمراض العقلية. إنهم الآن يخططون لبناء عدد من السجون يصل إلى سبعين سجنًا. وحسب مصادر إخبارية بنوا 174 سجنًا خلال خمس سنوات. أنصحهم ببناء مصحات عقلية بدلا منها لتجمع داخلها كل هؤلاء الذين يهذون بهذا الهذيان. وأنصحهم أيضا بالعمل على تأهيل عدد مناسب من الأخصائيين النفسيين ليعالجوا هؤلاء المرضى. أخصائيون نفسيون ليسوا فرويديين، بل ينظرون بنظر السيرة النبوة، يأخذون هؤلاء كلهم، القادة ومن ينفذون أوامرهم، والمستبدين والمتسلطين والمغتصبين وناهبي أموال الناس، يضعونهم تحت المجهر النفسي، ويزنون أفعالهم وسلوكياتهم بمنظور الطب النفسي.
“أعتبر من يدعي نفسه “المسيح” كفرًا، ومن يزعم المهدية ضلالًا”
أظن أنه لن تكفي حتى سبعين مصحة نفسية أخرى، وهذا ما سيقوله التاريخ القريب. وسوف يرى ذلك كل من يقيّم الأمور بنظرة شمولية، وينظرون بعين البصيرة لا البصر. هؤلاء سوف يسجلهم التاريخ في أسوأ صفحاته. إنني أعتبر من يدعي نفسه “المسيح” كفرًا، ومن يزعم المهدية ضلالًا.
لقد قلت ذات مرة: “إنَّ زعمَ شيءٍ كهذا كفرٌ”. لقد ردد بعض هؤلاء المذبذبين قولًا كهذا في أحد مجالسنا، تكلم به ليجس نبضنا، فذكرت له أن ترديد قول كهذا قريب من الكفر، ارتبك وغير كلامه وحاول تمويه الموضوع. إن عيسى عليه السلام نبي مرسل من عند الله، فكيف أدعي أنني المسيح؟ إنني أعتبر من يقول عن نفسه إنه “حواري” ضالًا منحرفًا، فكيف بمن يدعي نفسه المسيح؟
أما المهدي، فكثيرون في عصرنا ادعوا المهدوية، إنني لم أعتبر نفسي يوما ما ولو حتى “قطميره”، وليس أحدًا من تلاميذه، فكيف أظن نفسي أو أدعي أنني مهدي؟ لو جاء المهدي بنفسه، وربط في عنقي حبلًا وقادني خلفه وقال لي: أنت قطميري، كنت سأعتبر ذلك شرفًا عظيمًا ومكانة عالية. هل عثروا على ادعاء مثل هذا في كلامي؟ محاضراتي مصورة ودروسي وخطبي التي ألقيتها بعجزي منشورة. هل عثروا فيها على شيء من ذلك؟ هل بدر مني ولو تلميح حول ذلك؟ نسأل الله السلامة! إنني أعتبر ذلك انحرافًا وضلالًا. البينة على من ادعى، هذا هو المنطق الأساس في الشريعة الإسلامية، وفي القوانين الوضعية أيضًا.