أنقرة (الزمان التركية) – تتبع وسائل الإعلام التابعة للحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان طرقا لإلقاء جريمة اغتيال السفير الروسي على حركة الخدمة، حيث زعمت أنها نشرت فيلما على إحدى قنواتها قبل عامين تضمن مشهدا مشابها لعملية الاغتيال، متجاهلة أن التلفزيون الرسمي تي آر تي (TRT) تعرض في أحد مسلسلاته لاغتيال السفير الروسي أيضا قبل 25 يوما وليس قبل عامين. على خطى إعلام أردوغان ننشر فيلمًا لـ”تي أر تي” يتعرض لاغتيال سفير روسيا!
على طريقة إعلام أردوغان ننشر فيلمًا لـ”تي أر تي” يتعرض لاغتيال سفير روسيا!
فقد نشر موقع “تركيا بوست” خبرا زعم فيه أن قناة “STV” “عرضت مشهدا مشابها جدا لعملية الاغتيال في الحلقة رقم 89 من الفيلم “Nizami adanmış Ruhlar Ekibi” الذي عرض بشهر ديسمبر عام 2014. ويبين المشهد أن رساما خطط لعملية اغتيال، وقام بدعوة السفير إلى معرضه، الذي يجتمع فيه القاتل مع فريقه ويقول لهم: “لا نقبل خروج السفير حيا من هنا، سنقتله حتى لو نحن أيضا قتلنا”.
لو طبقنا طريقة إعلام أردوغان على التلفزيون الرسمي!
ولو افترضنا صحة هذه الطريقة التي تتبعها وسائل إعلام أردوغان فإنه لن يسلم أحد من الاتهامات، حتى قناة تي أر تي الحكومية، حيث إن منفذ الاغتيال في المسلسل المعروض على شاشتها الفضية قبل 25 يوما من الحادثة يختار حفل استقبال مسائي لتنفيذ عملية الاغتيال، تماما مثلما حدث مع السفير الروسي لدى أنقرة، وتعاني السيدة المهندمة التي نفذت عملية الاغتيال خلال المسلسل من حالة تردد قصيرة، تماما مثلما حدث مع منفذ عملية اغتيال السفير الروسي مولود الطنطاش، فأثناء وقوفها خلف السفير بمفردها قامت منفذة الاغتيال بإخراج سلاحها فجأة ووجهته صوب السفير. في الوهلة الأولى تظهر الكاميرا السلاح وهو موجه تماما صوب السفير الروسي، غير أن منفذة الاغتيال أظهرت شيئا من التردد، مما مكن الحضور من تأمين السفير. وفي تلك الأثناء يدخل البطل يافوز بينجول في مرمى السلاح ليتم بعدها قتل منفذة الاغتيال، ما يعني أن تردد منفذة الاغتيال للحظة أنقذ السفير الروسي من الموت.
ما سبب اللجوء إلى السيناريوهات الوهمية بدلا من الحقائق الناصعة
يبدو أن الحكومة وإعلامها لم تجد طريقة نافعة تمكنها من إلصاق جريمة اغتيال السفير الروسي بحركة الخدمة فتلجأ إلى الاستمداد بمثل سيناريهات الأفلام والمسلسلات هذه، مع أن الحقائق المتعلقة بالاغتيال ومنفذه ظاهرة ومعلومة للجميع، بعد أن أسقطت “سحر”؛ الشقيقة الكبرى لمولود الطنطاش؛ قاتل السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف، جميع مزاعم الرئيس أردوغان والحكومة حول تورط حركة الخدمة في هذه العملية البغيضة من جانب، وأشارت إلى بعض البؤر التي تختفي في أعماق الدولة وتشكل مجرمين محتملين خططوا وحرضوا على هذه الجريمة عبر استغلال سذاجة شقيقها. إذ نفت في لقاء أجرته معها صحيفة “حريت” التي أصبحت خاضعة تماما للحكومة بعد ما سمى بالانقلاب الفاشل، صحة ادعاءات الرئيس أردوغان وإعلامه حول تلقي شقيقها الدروس في أحد المراكز التعليمية التابعة لحركة الخدمة وحصوله على منحة دراسية من أحد رجال الأعمال المقربين منها، بشكل قاطع، وأكدت أن شقيقها درس على نفقة والدتها الخاصة، داعية أصحاب مثل هذه الادعاءات إلى تقديم الأدلة والوثائق التي تثبت غير ذلك.
https://youtu.be/EC6nfx2sXw4
كما تساءلت السيدة سحر “لو كانت مزاعم علاقة شقيقي مع حركة الخدمة صحيحة فكيف تمكن من اجتياز الامتحانات وأنقذ نفسه من التصفيات، بل وصل إلى مستويات الدخول إلى حراسة الموكب الرئاسي في الوقت الذي تعرض فيه عشرات الآلاف من الذين لهم أدنى صلة بهذه الحركة للاعتقال؟”، ووجهت أصابع الاتهام إلى بعض البؤر المتسترة في أجهزة الدولة الأمنية التي قلبها الرئيس أردوغان رأسا على عقب مرتين، بعد تحقيقات الفساد، ثم بعد ما سمى بالانقلاب الفاشل، ثم شكل أجهزة أمنية جديدة عين فيها أنصاره المنتمين إلى التيار الإسلامي الراديكالي إذ قالت: “لم يكن شقيقي من هذا النوع الذي يمكنه أن يرتكب مثل هذه الجريمة. فنحن تربينا على المبادئ والعادات التي نتبناها. لكنه عندما بدأ الدراسة في أكاديمية الشرطة سلمناه للدولة ومن ثم حصل لديه عديد من التغييرات في سلوكه. لا يمكن لنا أن نتابع كل حركاته وسكناته بعد انتقاله إلى جهاز الشرطة”.
علاقات القاتل ورفيقه مع المسئولين الحكوميين
فضلا عن ذلك، فإنه ظهرت صور لشريك المحامي رفيق قاتل السفير في السكن، برفقة مسئولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم. إذ ذكرت صحيفة حريت أيضا، أن الطنطاش بدأ يبيت مع المحامي سركان أوزجان في السكن ذاته عقب انتقال رفيقه الشرطي سرجان إلى منزل آخر بعد زواجه. ومن ثم تبين أن المحامي شخصية مقربة جدا لأوساط العدالة والتنمية، وقرابته معهم قرابة أيدولوجية وعضوية على حد سواء. فعلى سبيل المثال شريكه؛ مالك المكتب الحقوقي (PGS)، عبد الله بولاط، تحدث مفتخرا خلال برنامج تلفزيوني عما فعلوه في ليلة محاولة انقلاب 15 يوليو المنصرم في سبيل التصدي للمحاولة مع زملائه استجابة لدعوات أردوغان. وهذا الجانب يشكل القرابة الإيدولوجية لكل من المحامي رفيق القاتل في السكن وعبد الله بولاط مع الحزب الحاكم. أما الجزء العضوي فيتمثل في الصورة التي التقطها عبد الله بولاط؛ شريك المحامي الذي هو رفيق القاتل، مع كل من كبير مستشاري أردوغان حمزة يرلي كايا ووزير الداخلية سليمان سويلو ونائب رئيس مجموعة نواب حزب العدالة والتنمية بالبرلمان مصطفى الطنطاش.
وفي الوقت الذي تحولت فيه هذه الحقائق إلى حديث الشارع التركي، شهدت البلاد تطورا غريبا، حيث تقدم مكتب التحقيقات في الجرائم الدستورية التابع للنيابة العامة في أنقرة بطلب فرض حظر نشر على تداول الأخبار بشأن التحقيقات المتعلقة بواقعة اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، لتقوم الدائرة السابعة لمحكمة الصلح والجزاء في أنقرة بقبول الطلب.
يبدو أن إزاحة الستار عن هذا القدر من العلاقات المشبوهة مع قاتل سفير روسيا ورفقائه كفت لدفع السلطات التركية لاتخاذ قرار حظر نشر على تداول الأخبار الخاصة بعملية الاغتيال بعد أسبوع كامل من وقوعها وبعد سقوط مزاعم السلطة الحاكمة حول تورط حركة الخدمة في هذه الجريمة.