بقلم: عبد المجيد بوشبكة
وأنا أتأمل فيما كُتب ويُكتب حول حركة الخدمة والأستاذ فتح الله كولن في كل أرجاء العالم، أمام سيل من الاتهامات التي تطرحها بعض الجهات الرسمية في تركيا تذكرت قول الشاعر العربي الكبير المتنبي حين قال: الخيل والليل والبيداء تعرفني.. والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
نعم إذا كان القريب والبعيد والعالِم والجاهل في كل الدنيا يعرفون قيمة الأستاذ فتح الله كولن ويقدرونه ويدعون له بالليل قبل النهار، فلا تضره اتهامات حفنة من الناس الفاشلين فكريا وإيمانيا وتربويا وسياسيا. إن الدراسات التي يتزاحم أصحابها عبر العالم للبحث في فكر الأستاذ كولن وموضوع الخدمة ونجاحاتها لا تعد ولا تحصى. ففكر الأستاذ كولن اليوم حيّر الباحثين، إذ كيف استطاع هذا الرجل النجاح في واقع مليء بالمحن، نتيجة كثرة الأعداء و الجاهلين والمتسيبين والمنافقين، ويخلق من الأزمات فرصا غير مسبوقة في النهضة المعاصرة. بل السؤال المنطقي ليس كيف نجح، بل كيف استطاع الصمود ولم يسقط، وكيف تحولت المحن بين يديه إلى منح مليئة بالدروس والعبر لمن أراد أن يعتبر؟
لأجل ما سلف قدرت أن سياحة سريعة بين الموضوعات التي كتبت في هذا الصدد قد تذكر بدرس بليغ في الحياة عنوانه “الابتلاء سنة الأنبياء والصالحين” وأن المنح تكمن في رحم المحن. إن الرجال كُثُر لكن من يحمل هموم الأمة قبل همه مثل هذه الرجل قليل. فهو يُحلق في الآفاق باحثا عن الحلول ولسان حاله يردد قول النبي محمد، صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) ولسان حاله أيضا يردد قول العابد الزاهد المصلح جلال الدين الرومي الذي هرب بالإنسان إلى أقاصي الروح وحلق إلى أعالي القمم، وجعل منه غبارا أمام الطبيعة التي لا تُغنّي إلا لله، فغنى معها ورحل في رحلة عشق إلى خالق الكون. وبهذا العمل أطرب الأستاذ كولن الصغار قبل الكبار. أطرب التلاميذ والطلبة قبل أن ينشد الأساتذة والباحثون أنغام في فلسفة الحياة للإنسان الجديد، وتؤسس لمناهج تعذر على كثيرين مجاراتها، ثم أتى بدروس في شتى مجالات الحياة لم يستوعبها إلا المخلصون والطيبون من بني الإنسانية.
بالرغم من كل التهم ومحاولات التشويش والتشويه والتزوير والإغراء والتهديد، أصبحت هذه الفلسفة والمناهج والدروس في أيامنا مجالا خصبا للدراسة والبحث بكل أرجاء العالم، أحبّ ذلك من أحبه وكرهه من كرهه. و في هذا الصدد سأعرض فكرة عن بعض القضايا والبحوث التي تناولت رؤية الأستاذ كولن للإنسان في بعده الكوني مفتتحا بالإشارة إلى هندسة البحث الذي جعلته صاحبته فصولا ثلاثة قسمتها إلى مباحث ومطالب. و هذه الفصول هي:
الفصل الأول ومضات من سيرة حياة المفكر والداعية محمد فتح الله كولن.
الفصل الثاني الإنسان في فكر محمد فتح الله كولن.
الفصل الثالث البعد الإنساني في فكر فتح الله كولن أسسه الفكرية وتجلياته العملية. بعد ذلك خُتم البحث بخلاصات وخاتمة ومما جاء فيها قول صاحبة البحث:
” من أهم الثنائيات التي عرفت في منهج الأستاذ فتح الله كولن، كانت ثنائية الفكر والحركية، فهو يفكر ليعمل، ويتحرك وينظر ليطبق، ويؤسس ليبني، فأسس للقواعد والركائز الأساسية لتقييم الإنسان وتطرق لأهم خصائصه ومؤهلاته وانطلق بعدها بعيدا يضع الخطوات الأساسية، والنقاط الرئيسية في صناعة وبناء إنسان كامل ومتكامل، صالح وسوي وطموح للبناء والإصلاح. واتجه بعدها لتفعيل هذه الرؤى على أرض الواقع فحرك الحركة لتسير وفق هذا الاتجاه وتعمل لأجل هذا البناء الإنساني والذي رأى فيه مخايل الصلاح للإنسانية، وعوامل التقدم والرقي للشعوب والأمم وسبل العيش في أمن وسلام …”
هذا الموضوع واحد من مئات المواضيع التي يبحثها الدارسون عبر العالم، والتي تعكس رؤية الأستاذ الجديدة للإسلام بصفته دينا للإنسانية جمعاء. وهذا الفهم الجديد للدين هو بيت القصيد في العالم المعاصر. لأن الرؤية القاصرة والضيقة لهذا الدين العظيم، هي التي أنتجت للعالمين اليوم دينا مشوها ومتعارضا مع مقاصد الشرع الحنيف. لذلك يُعد الأستاذ فتح الله كولن على رأس قائمة العلماء المصلحين المجددين، الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام الله عن كل ما يصيب الإنسانية اليوم. فكيف للذين يدعون الإسلام و المهووسين بالدنيا ومتعها، والسلطة وقوتها، أن يفهموا هذه المعاني الكبيرة فضلا عن تطبيقها. وهل الأستاذ كولن في حاجة إلى اعتراف ولاة الأمر من الأتراك بمكانته المتميزة لدى الخاص والعام من الناس، أم أنه في غنى عن ذلك، بل يصدق فيه قول الشاعر: “سيذكرني قومي إذا جد جدهم..وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر”. (يتبع)