وهذا هو سبب الهجمة الإسرائيلية الشرسة على المنظمة الدولية، وهى معركة مستمرة تطوع فيها مؤخراً أحد االمشاهير فى مصر للأسف لخدمة إسرائيل، وحان الوقت لاستثمار الفرصة السانحة بتطوير الهجوم وتفنيد المزاعم دفاعا عن حقوقنا فى القدس وفضح الاحتلال وجرائمه.
تاريخ إسرائيل حافل بالتجاوزات ضد المنظمات الدولية وضد القرارات الدولية، لكن لهذه المعركة طابع خاص، حيث نفى القرار أية صلة للحرم القدسى الشريف وحائط المبكى وباب المغاربة باليهود، ووصف القرار إسرائيل 15 مرة بأنها قوة احتلال، وكانت إسرائيل قد نالت ضربة مشابهة العام الماضى، حيث أدانتها اليونسكو بسبب ممارساتها فى القدس، لكن القرار لم يشر آنذاك إلى حائط المبكى.
إن قرار اليونسكو الجديد استند على قرارات دولية بشأن القدس واتفاقات ومعاهدات دولية لم تلتزم بها إسرائيل،وخاضت فيه الدبلوماسية الفلسطينية والمصرية مع بقية الدول العربية معركة حقيقية، حيث اعترضت أمريكا وبريطانيا وألمانيا، وتراجعت دول أوروبية مثل فرنسا عن تأييدها فى السابق للقرار وعدلته بالامتناع عن التصويت. هذا بعد جولات تفاوضية سعت فيها إسرائيل لتخفيف الصياغة أو الإشارة إلى اليهود فى القرار كنوع من التوازن. وجاء القرار فى ذروة مخططات إسرائيلية لضرب أساسات المسجد الأقصى تحت ستار التنقيب تحت أرض الحرم القدسى، ومواكبا لعمليات تدنيس للحرم وصلاة لليهود داخله.. وهو ما يقتضى استدعاء وفد من اليونسكو لرصد الانتهاكات التى تقوم بها إسرائيل ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية أيضا بما يتعارض مع قرار الأمم المتحدة بإعلان قيام إسرائيل ذاتها. الجانب الإسرائيلى لم يقر بالهزيمة فى هذه الجولة وجاءت ردود فعله موحدة وسريعة للغاية فبعد أن جمد وزير التعليم الإسرائيلى المتطرف «نفتالى بينيت» العلاقات مع اليونسكو، اعتبر سفير إسرائيل فى اليونسكو أن حصول إسرائيل فى التصويت على ستة أصوات بعد انجازا بعد أن كانت الولايات المتحدة بمفردها هى التى تصوت ضد الأغلبية المؤيدة للحقوق العربية. كما أعرب عن سعادته بزيادة عدد الممتنعين عن التصويت والغائبين عنه. بينما قال رئيس الكنيست يوئيل ادلتشيان: الن تغير آلاف الاقتراعات على قرارات من الأمم المتحدة فى الأمر شيئا والمثير للسخرية أنه يتجاهل نفس الآلية التى تم بها إعلان قيام دولة إسرائيل، حيث قامت بقرار تم التصويت عليه فى الأمم المتحدة التى تتبعها اليونسكو. وهذا مع ملاحظة ارسال زعيم المعارضة «تسيبى ليفني» خطابا لليونسكو استبق التصويت زعمت فيه أن «مثل هذا القرار يساعد على شن صراع دينى». كما سخر من القرار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو زاعما أن «دليل علاقة اليهود بالقدس موجود فى روما على جدار أحد الآثار مرسوم عليه نقش شمعدان». وهو دليل يدل على إفلاس وضعف الحجة ، وعلى أن المعركة مستمرة، خاصة بعد أن ابتزت إسرائيل مجددا الأمين العام لليونسكو المنتهية ولايتها قريبا ايرنا بوكوفا لكى تكتب لسفير إسرائيل أنها ترى أن المسجد الأقصى مقدس لليهود أيضا، فى ضربة خطيرة للديمقراطية ولأبسط البديهيات والمسئولية الدولية.
إن الاحتلال العسكرى الإسرائيلى الغاصب يناقض بجرائمه وتزويره حتى قانون القدس الموحدة الإسرائيلى وهو ما يجب إبرازه أمام الرأى العام العالمى حيث ورد فى هذا القانون اإنها ستصان من التدنيس أو أى مساس بها من أى شكل، ومن أى شيء من شأنه أن يمس بحرية الوصول لأبناء الديانات إلى الأماكن المقدسة، أو بمشاعرهم نحو هذه الأماكنب. وهو ما لم تلتزم به إسرائيل بالطبع ودير السلطان وما تعرضت له كنيسة القيامة وحريق الأقصى ومنع المصلين من دخوله خير شاهد على هذا.
علينا أن نذكّر العالم بأن تاريخيا ووفقا لكتاب العهد القديم فإن غالبية أسباط بنى إسرائيل (قبائل رعوية ترتحل من مكان آخر) قرروا بعد انفصال الإمارة إلى شمال وجنوب ألا يقيموا أو يحجوا للقدس وأقاموا بدلا منه هيكلا خاصا بهم وهو ما ورد فى سفر الملوك فى الفقرات التى تتحدث عن موت سيدنا سليمان. وبغض النظر عن مبالغات من مفسرين أو مترجمين فإن الثابت أن «المملكة الموحدة» لبنى إسرائيل لم تكن سوى إمارة عابرة فى تاريخ الإنسانية لم تكمل قرنا واحدا واختفت، ولم تترك أية أثار سوى ما ورد عنها فى كتاب العهد القديم، ولم تكن جغرافيا تصل شمالا لعكا حالياً، حيث كانت وما هو تال لها تابعة لمملكة أشور. وبالفعل هرب يربعام قائد الأسباط العشرة إلى مصر حين حاول سليمان قتله، وعاد ليفاوض ابن سليمان رحبعام لمدة ثلاثة أيام، وفى النهاية تم تكريس الانفصال وتم تشييد معبدين فى «دان» و«بيت إيل»، أى فى الحدود الشمالية والجنوبية للرقعة الجغرافية التى يعيش فيها غالبية أسباط اليهود.
علاقة اليهود الواهية بالقدس الشرقية وليس بالحرم ومحيطه فقط مرصودة تاريخيا حتى فى المصادر اليهودية لأن سفر يهوشع ناقض نفسه، عندما اعترف بأن أورشليم ظلت فى أيدى اليبوسيين. ويجب النظر مع هذا التطور فى اطاره التاريخى فبن جوريون ومن قبله الرئيس الشرفى للهستدروت البارون ا ليونل روتشيلدب الذى حصل على وعد بلفور لم يسعيا إلى الحصول على أى اشارة إلى القدس فى مطالبهما.
من موقع الأهرام