بقلم: سلين تانباي
ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً خطاباً شفهياً على مؤيديه دون النظر إلى اللوح الزجاجي أو شاشة التلقين تعليقاً على استشهاد أحد المواطنين ليلة الانقلاب الفاشل وأفلتت من لسانه هذه الجملة: “استعدوا أنتم كذلك للاستشهاد.. وكما تلاحظون أنتم أيضاً فإننا وضعنا فاصلة ولم نضع نقطة بعدُ”.
وما لفت الأنظار وأثار الاستغراب هو أن وكالة الأنباء الواقعة تحت سيطرة أردوغان، مع أنها تحرص دوماً على نقل كل تصريحاته بشكل حرفي، لكنها هذه المرة تجنبت نشر جملة أردوغان المذكورة!
ولم يمض وقت حتى فهمنا أن أردوغان بهذه التصريحات أفلت من لسانه خطته حول إشعال فتيل سيناريو جديد، كما هو الحال في الانقلاب الأول.
وبعده مباشرة شرع الجيش الإلكتروني التابع لقصر أردوغان، والصحفيون والكتاب والأسماء البارزة الموالية في الحديث بصوت واحد في الأيام الأخيرة عن وجود “محاولة انقلاب جديدة”. ركّز بعضهم على الحديث عن كيفية وقوع هذا الانقلاب الجديد، بينما البعض الآخر أشاروا إلى التدابير التي يجب اتخاذها لإحباطه. وطبعاً لا تمتّ هذه التدابير المطروحة بأي صلة إلى دولة القانون لا من قريب ولا من بعيد. إذ ينصحون بإعداد خطط أ ، ب ، ج من أجل قتل عشرات الآلاف من الناس المزعوم انتماؤهم إلى حركة الخدمة.
سيناريو انقلاب جديد
وكما تتذكرون، كان أردوغان وصف محاولة الانقلاب المزيفة ليلة 15 من شهر تموز المنصرم بـ”هدية من الله”، وحوّلها في صبيحة الحدث إلى فرصة لتقوية شوكته وسلطته المطلقة على جميع أجهزة الدولة، ومن ثم راح يقيل ويعتقل عشرات الآلاف من الموظفين والعاملين في القطاع الخاص. وهو الذي قال بشكل صريح: “لقد حصلنا في ظل هذه الأجواء على فرصة تنفيذ الخطوات والإجراءت التي لا يمكننا أن نتخذها في الظروف العادية”.
وهذا الاعتراف يكشف في الحقيقة كيف نجح أردوغان في الخروج من كل الانقلابات المدبرة ضده من قبل “العسكريين” في الفترة الأولى من حكمه، و”العلويين” عبر أحداث متنزه جيزي بإسطنبول في الفترة الثانية من حكمه، و”حركة الخدمة” في الفترة الأخيرة، ظافراً وقوياً أكثر من السابق!
ويبدو أن أردوغان سيحدث طفرة وسينتقل إلى مرحلة جديدة أكثر دموية يخطّط فيها لإبادة كل من صنّفه ضمن “المعارضين”، بعد وضع جميعهم في “السلة الواحدة” تحت مسمى “منظمة فتح الله غولن”، حيث بدأت ملامح هذه المرحلة في التبلور.
العقيد المتقاعد “حسن آتيلا أوغور” أول اسم أشعل فتيل هذه المرحلة الجديدة…
إن العقيد حسن آتيلا أوغور تقدمه كل من صحيفة يني شفق، إحدى الأبواق الإعلامية التابعة لأردوغان، وزعيم حزب الوطن اليساري العلماني المتطرف دوغو برينتشاك الذي بات شريكاً استراتيجياً لأردوغان بعد تورطه في الفساد والرشوة عام 2013، باعتباره شخصاً قد علم وأخبر بوجود محاولة الانقلاب قبل حدوثها بأسبوعين. هذا العقيد نزل إلى الساحة مجدداً وقال: “استعدوا لمحاولة انقلاب ثانية. في وقتٍ قريب جداً. وأقول استناداً إلى معلومات صحيحة جداً: هذه المحاولة الثانية ستكون أكثر دموية من سابقتها”. ويزعم العقيد أن المحاولة الجديدة “ستنطلق خلال مدة أقصاها شهر نوفمبر / تشرين الثاني المقبل”.
أما الطريقة التي يقدمها العقيد لإفشال هذه المحاولة الجديدة فهي “عملية تطهير” شاملة جديدة في أجهزة المخابرات والأمن والجيش وحتى بين الحراس المشرفين على حماية السجون!
في حين أن إبراهيم كاراجول، رئيس تحرير صحيفة يني شفق الموالية يدعو إلى شنّ “معركة قاسية دون رحمة”. ويشير إلى ضرورة “تشكيل جبهات الدفاع فرداً فرداً وبيتا بيتاً وشارعاً شارعاً وحياً حياً” وكأنه يطالب أنصار الحزب الحاكم بتصيّد الناس في الشوارع.
ويضيف: “الواجب الذي يترتب علينا كضرورة وحيدة هو الاستعداد للمعركة الكبرى”، ما يشرح ويفصّل معنى قول أردوغان “استعدوا أنتم أيضاً للاستشهاد! وكما تلاحظون أنتم أيضاً، فإننا لم نضع نقطة بعدُ، بل وضعنا فاصلة”؛ الجملة التي أفلتت من لسان أردوغان دون رغبة منه.
حسناً، فكيف ستوضع النقطة يا تُرى؟
ولكي نحصل على جواب هذا السؤال يجب علينا إلقاء نظرة على ما كتبه عناصر “الجيش الإلكتروني” التابع لأردوغان المسؤول عن تشكيل الرأي العام وتوجيه الناس. فبحسب ما يكتبه أفراد هذا الجيش، فإنهم يخطّطون لاغتيال كل المعتقلين المزعوم انتماؤهم إلى حركة الخدمة، ومن ثم يعتزمون إطلاق “حملة تطهير موسعة” تشمل جماهير عريضة من كل طوائف المجتمع. غير أن الطريقة التي سيتبعونها هذه المرة ليست ثلاثية “التوقيف – الاعتقال – التعذيب” بل يريدون تفعيل آلية القتل بشكل مباشر.
يأتي “فاتح تزجان” الصحفي الشهير بأخباره المفبركة وشتائمه البذيئة في مقدمة المتحدثين عن “خطة القتل والاغتيال” هذه، كما كان تصدَّر الأسماء التي أخبرت محاولة الانقلاب الأولى، حيث يقول: “أقول كأحد أبناء هذا الوطن: قسماً بالله القهار! فإن ما حدث في ليلة الانقلاب الفاشل سيتكرر مجدداً، لكن لن تكون هذه المرة تلك الرحمة التي أبديناها لهم في هذه الليلة”، على حد قوله.
والاسم الآخر الذي يلفت النظر والذي يتراسل مع فاتح تزجان عبر تويتر ويتحدث عن الموضوع نفسه هو أحمد أوستون.. ندرج أدناه أهم التغريدات التي نشرها قبل بضعة أيام:
- إني آخذ تحذيرات العقيد آتيلا أوغور من انقلاب ثانٍ على محمل الجد، حيث أتلقى معلومات مشابهة تؤكد صحة ما قاله في هذا الصدد. وفي هذا السياق أريد أن ألفت انتباه أركان الدولة لأمر مهم.
- وهو: لكي يمكن قتْلُ جميع المعتقلين المنتمين إلى منظمة فتح الله كولن “الإرهابية” فورًا، في أثناء محاولة الانقلاب الثانية، لا بد من اتخاذ التدابير الضرورية.
- قبل كل شيء، يجب عزل المحكومين الآخرين من المعتقلين التابعين لمنظمة فتح الله كولن، ونشر فريق اغتيال من القوات الخاصة في هذه السجون.
- ينبغي أن يعلم المحكومون من هذه المنظمة ومن يحاولون تهريبهم من السجون أنه لن يخرج منها سوى أجسادهم الهامدة.
- يجب عزْلُ حراس السجون من أسلحتهم، وجمعُ كل العسكريين والشرطيين والقضاة من المنظمة في سجنين اثنين، وتزويد قوات الشرطة الخاصة بصلاحية القتل دون قيد أو شرط.
يتحدثون عن القتل والإبادة الجماعية بصورة صارخة
يبدو أن أردوغان لم يشبع على الرغم من التوقيفات الممتدة لشهر كامل واعتقال الآلاف وعمليات التعذيب ومصادرة الممتلكات وإقالة عشرات الآلاف، دون إبراز أي دليل مادي، لذلك بدأ يقول “إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها”، ويستعد لقتل كل المصنفين ضمن المعارضين، اقتداءً بالمستبدين والدكتاتوريين الآخرين على مدى تاريخ الإنسانية.
إنهم يتحدثون بشكل صريح وأمام مرآى ومسمع العالم بأنهم سيكونون “أقسى في التعامل مع أفراد حركة الخدمة الذين سيحاولون الانقلاب مرة ثانينة بشكل حتمي”، وبأنهم سيمارسون إبادة جماعية وقد حددوا عناوين كل المنتمين إلى هذه الحركة.
أجل، إنهم يتجهزون بشكل علني لإبادة جماعية، ويخططون لإحداث انقلاب “مزيف”، كما هو الأمر في الانقلاب الأول، لكي يحصلوا على الذريعة المطلوبة.
ويكشف ما يُنشر من المعلومات أن عمليات التطهير الجديدة لن تقتصر على قتل واغتيال المحبوسين وحسب، وإنما تتطاير في سماء البلاد قوائم تضمّ مئات الآلاف من الأسماء التي ستصنّف ضمن المنتمين إلى حركة الخدمة ليتِمّ تصفيتهم.
يقول عمر توران، أحد أفراد الجيش الإلكتروني التابع لقصر أردوغان: “تشير تقارير المخابرات إلى وجود حوالي 50 ألف شرطي يتلقون التعليمات من منظمة فتح الله كولن، والذين تم إقالتهم من هؤلاء عدد قليل جداً. كما أن هناك نحو 12 أو 13 ألف ضابط من المنظمة. كذلك لم تكتمل عملية التطهير بين العسكريين الحائزين رتبة العقيد. أتسألون لماذا يخططون لانقلاب جديد؟ ذلك لأن أردوغان تحدى العقل المدبر لهذا الكيان في الولايات المتحدة ورفض الاتفاق معه، فهم بدورهم ضغطوا على زناد هذا الانقلاب!”
ليس هناك أي بلد في العالم يتم الحديث فيه عن قتل جميع المعتقلين واغتيال الناس في الشوارع بصورة صارخة على هذا النحو. لكن الأكثر مؤلماً هو أن تنفيذ هذه الخطة أمر سهل جداً بالنسبة لأردوغان حيث لم تعد هناك أي آلية بمقدورها منع ترجمة هذه الخطة المشؤومة إلى أرض الواقع.