أنقرة (الزمان التركية) – وجه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو في مقال مطول نشر في صفحة الجزيرة يضم رسائل للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تتضمن دعوته لاستنباط سياسة جديدة تراعي الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ففي الوقت الذي تحدث فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وطلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عدم استخدام عبارة الإرهاب الإسلامي، نجده في المقابل الأخر يصمت على القرارت التي اتخذها ترامب تجاه دول وبلاد إسلامية بعينها والتي رمى هذه البلاد أيضا بالإرهاب.
وتحدث أوغلو في مقاله عن قرارت ترامب ومدى تأثير هذه القرارت على الوضع في المنطقة.
فقد قال أوغلو إن سياسة ترامب الجديدة ستخدم داعش والجماعات المتطرفة في النهاية حيث قال بدلا من التعددية، عادت الأحادية غير المثمرة مرة أخرى إلى الساحة. اختارت الإدارة الجديدة الأحادية التي ستؤدي إلى نتيجة عكسية: بدءا من الحظر المفروض على مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة ومرورا بقرار بناء جدار على طول حدود الولايات المتحدة مع المكسيك.
وأضاف “في الوقت الذي أمرت فيه الإدارة الأمريكية الجديدة وزارة الدفاع بوضع خطة لتوجيه ضربة قاضية إلى داعش في العراق وسوريا، ها هى تفرض حظرا على المسلمين. لا يمكن تصور هدية أفضل لداعش من مثل هذا الحظر غير المنطقي على المسلمين”.
وتابع “إنه لمن سخرية القدر أن يوقع الرئيس ترامب قرار حظر دخول المسلمين يوم ذكرى المحرقة. لا ينبغي أن يكون إحياء هذه الذكرى بوصم أي شخص أو دين أو مجتمع بشكل جماعي”.
وبالمثل، كانت الفكرة وراء 11 سبتمبر/أيلول هى الوقيعة بين الناس والأديان والمجتمعات والحضارات. لقد هاجم منفذو هجمات 11 سبتمبر/أيلول أولا وقبل كل شيء قيم استيعاب المُهمشين للمجتمعات، وفكرة التعايش، وظاهرة تعدد الثقافات. إذا استمر هذا الحظر – حظر المسلمين – فسيعتبر بمثابة مكافأة لهؤلاء الجناة بهدية لم يكونوا ليتصوروها من قبل. سيكون هذا الحظر بمثابة إضفاء طابع مؤسسي على كراهية الإسلام، كسياسة حكومة دولة عظمى، مما سيؤدي هذا إلى زيادة الاستقطاب في جميع أنحاء العالم، وتعميق الشروخ الاجتماعية والسياسية بين المجتمعات والأديان والحضارات. لا ينبغي استغلال المخاوف لتحقيق مكاسب سياسية.
وقال أوغلو إن سياسة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما بدت صحيحة ومثمرة في البداية إلا أنها انقلبت بعد ذلك خاصة في السنوات الأخيرة وتجاه بعض القضايا المهمة في المنطقة مثل قضية فلسطين وسوريا وغيرها من القضايا الهامة.
كما وجه أحمد داود أغلو عدة رسائل إلى الإدارة الأمريكية الجديدة منها:
احترام حرية الإنسان وكرامته:
أعرب أن المبادئ الجامعة، واحترام كرامة الإنسان والتمسك بالحقوق والحريات ستكون أقوى وسائل مواجهة الأيديولوجية الملتوية لمنفذي هجمات 11 سبتمبر/أيلول وجبن داعش. أما التخلي عن هذه المبادئ والقيم، في المقابل، فسيكون بمثابة بث الروح في الأيديولوجية الميتة والمتحللة لمرتكبي هذه الجرائم.
إن إقصاء الإسلام والمسلمين سيعمق الصدع، ليس فقط بين الولايات المتحدة ومواطنيها المسلمين، ولكن أيضا بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي الكبير ثالثا، يجب أن ترتكز سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط على فهم متطور للمنطقة. وفي هذا الصدد، أعلن ترامب عن نيته لنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، وفي حال تنفيذ هذا، ستكون بداية مأساوية وخطأ فادحا. وسيكون هذا ضد مصالح الولايات المتحدة، وسيسبب التوتر والصراعات الدموية شبه المؤكدة بين فلسطين وإسرائيل، وينسف أي فرصة لتحقيق حل الدولتين.
وكذلك سيشعل دورة من العنف وإراقة الدماء، ويوفر أرضية سياسية خصبة لازدهار كافة أنواع التطرف في المنطقة. فالقدس ليست مجرد مدينة؛ إنها ليست مجرد قضية متنازع عليها بين إسرائيل وفلسطين أو حتى العرب ككل، ولكن مصدرا محتملا للاحتكاك أكبر بكثير.
سيكون التأثير المشترك لهذه النقاط الثلاث مزيدا من تقلص دور الولايات المتحدة ووجودها في المنطقة والعالم. في المقابل، سيوفر هذا المزيد من الفرص للقوى الأخرى، سواء كانت روسيا أو الصين، لاستغلال الفراغ الناجم عن ضعف العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وتهميش دور الولايات المتحدة في المنطقة، بل في العالم كله.
– إذا لم يتراجع ترامب عن التقليل من شأن مشروع التكامل الأوروبي والتقليل من أهمية الناتو، سوف تهتز الروابط بين جانبي الأطلسي، مما سيؤدي مرة أخرى إلى نتائج مضادة للمصالح الوطنية للولايات المتحدة. لا سيما أن ثناءه على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وتشجيع تكراره في سياقات أخرى، فضلا عن مغازلة الحركات الشعبوية في جميع أنحاء القارة، يعد تأجيجا لتحديات أمنية متنوعة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
إن الانعكاس والتراجع عن مشروع التكامل الأوروبي سيكون أحد أخطر الأخطاء منذ الحرب العالمية الثانية، وستكون عواقبه عميقة وبعيدة المدى. هذه العملية قد تؤدي إلى إحياء التساؤل القديم حول ميزان القوى في أوروبا مرة أخرى. لن يكون هذا حدثا مأساويا بالنسبة لأوروبا وحسب، بل سيكون له أثر مباشر وفوري على تقويض مكانة الولايات المتحدة عالميا. لذلك يجب على إدارة ترامب أن تسعى جاهدة إلى استعادة ثقة حلفائها التقليديين، سواء كانوا في الشرق الأوسط أو آسيا أو أوروبا، وترسيخ الروابط القائمة.
ويجب أن يحفز إرث سياسة أوباما الخارجية الباهتة الإدارة الأمريكية الجديدة على استنباط سياسة جديدة، تتوجه نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن تكون سياسة خارجية صديقة للشعوب. ينبغي أن تعزز علاقاتها مع حلفائها الحاليين وتبحث عن حلفاء جدد. على العالم بأسره تحمل عبء منع مزيد من الدمار، ووقف الانجراف العالمي نحو الاستبداد.
إن احتياجات البشرية اليوم واضحة: إنها نظام دولي يميل بصورة أكبر إلى تبني القيم الجامعة، والتعددية والقيم الإنسانية.
ترامب، داود، أوغلو، اوباما