بقلم: محمود علي
أنقرة (الزمان التركية) بات التناقض التركي في الملف السوري واضحًا للعلن، فلم يمر ساعات على تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام داعميه ومؤيديه بأن العملية التركية في شمال سوريا تهدف إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا وتراجع عنها معلنًا أن العملية تقتصر على محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا ولا تستهدف أي دولة، ليضيف السلطان التركي مهزلة جديدة من مهازله التي تعبر عن تناقضه في ملفات المنطقة وخاصة الملف السوري.
أردوغان الذي قال قبل أيام في مؤتمر عن القدس حضرته شخصيات إسلامية إقليمية وعالمية، إن «عملية درع الفرات تهدف إلى إطاحة حكم الرئيس (بشار) الأسد الظالم»، أبرز مؤيديه من سياسيون ووسائل الإعلام الموالية له هذا الحديث وكأنه مناضل يدافع عن الحق، لكن سرعان ما أثبت هو تناقضه والصحف المؤيدة ازدواجيتهما في المعايير.
وتجاهل الإعلام الموالي لأردوغان ردود الفعل الروسية على تصريحاته، خاصة حديث مصادر في الكرملين عن «غضب الرئيس بوتين من هذه التصريحات التي تتناقض مع الإطار العام لاتفاق بوتين مع أردوغان، منذ أن اعتذر الأخير من روسيا بسبب إسقاط الطائرة الروسية في ٢٤ أكتوبر ٢٠١٥»، بعد ذلك، سعى مصدر في الرئاسة التركية إلى التهدئة عبر القول في الإعلام إنه «لا ينبغي تحميل الكلمات معاني أكثر مما تستحق»، لكن يبدو أن بوتين لم يقتنع بهذه المحاولة، ما دفعه إلى تحميل وزير خارجيته رسالة واضحة يطلب فيها من أردوغان أن «يكذّب نفسه بنفسه، بأي أسلوب كان»، كما أعلن دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين عن دهشة حكومة بلاده من هذا التصريح، بحسب قناة “روسيا اليوم”.
كان هذا «التهديد» كافيًا بالنسبة إلى الرئيس التركي ليتراجع عما قاله قبل ساعات ليخرج ويتراجع عن تصريحاته، وبحسب ما أوردته شبكة “سكاي نيوز”، فقد تراجع الرئيس التركي عن تصريحاته، ففي كلمة ألقاها أمام زعماء محليين في أنقرة، الخميس الماضي قال أردوغان فيما يخص عملية “درع الفرات”، بأن “العملية لا تستهدف أي دولة أو شخص، بل تسعى حصرًا لضرب الجماعات الإرهابية”.
ولم يكن التناقض الأردوغاني هو الأول من نوعه في الملف السوري، فبينما يعلم الجميع أن مواقف الرئيس التركي شابها التناقض في كافة الملفات الداخلية والخارجية كانت سياساته المتناقضة واضحة للعلن في الأزمة السورية منذ بدايتها، فبعد أيام من الحراك السوري الذي أعقب ثورات الربيع العربي من مصر إلى تونس، بدأ أول تناقض تركي يظهر بوضوح وتكلل ذلك بانقلاب تركيا على نظريتها الخارجية والتي تتطلب صفر مشاكل مع الجيران في الشرق الأوسط وذلك بانتهاج بعدًا طائفيًا ساهم في تعميق الانقسامات السياسية في المنطقة على أساس طائفي.
وبعد أن مرت العلاقات التركية السورية ما قبل الأزمة السورية بسنوات من الوئام والتعاون الذي وصل إلى حد إقامة مجلس تعاون استراتيجي مشترك بين دمشق وأنقرة، حيث كانت تركيا تراهن على سوريا كجغرافية سياسية في تقوية نفوذها في المنطقة وجسرًا لها للوصول إلى الملفات الساخنة ولاسيما فلسطين ولبنان، انتقلت العلاقات السورية التركية إلى مرحلة شديدة التوتر.
ولكن مع مرور الأزمة عامها الثاني والثالث بدأت السياسة التركية إزاء الملف السوري وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، فلغة التهديدات التي أطلقها أردوغان وحديثه المتكرر عن الفرصة الأخيرة وعدم السماح بتكرار ما يجري في سوريا وصولاً إلى دعوته الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، استنفذت مصداقيتها وبدت عاجزة عن التحرك خصوصاً في ظل صمود النظام السوري الذي انتهج سياسة صارمة تجاه الضغوط التركية.
لكن سرعان ما تحولت السياسة التركية مرة أخرى اتجاه سوريا، في العام الرابع والخامس من الأزمة فبعد وصول ذروة الحماسة الأردوغانية التي كانت تطالب بإسقاط النظام، بدا واضحًا تخوف أنقرة من التمدد الكردي وانعكاسه على المشروع الكردي في تركيا والذي لدية انفصالية وباتت أنقرة تفكر في توازن سياستها في سوريا بين الحفاظ على سوريا موحدة دون تحقيق حلم الأكراد وبين دعم الجماعات المسلحة والمتطرفة والتي تواجه نظام بشار الأسد.
كما أن العلاقات الروسية التركية التي وصلت إلى حد التطابق بعد الاشتباك في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية، أثرت على النظرة التركية في الملف السوري وهو ما ظهر في تقارير وتسريبات بأن الموقف التركي شهد انعطافه جديدة نحو دمشق وباتت تصريحات أردوغان ونظامه تخلو من دعوات تطالب بسقوط النظام السوري وتقتصر على محاربة، حتى وصلنا إلى التناقض التركي الأخير إزاء الملف السوري والذي كان واضحًا للمتابع خاصة وأنه لم يمر بين التصريح وعكسه سوى ساعات.
الباحث محمد حامد المتخصص في الشؤون التركية، يقول إن التناقض التركي أو بالأخص الأردوغاني الظاهر للعلن يرجع إلى حفاظ أنقرة بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع، مشيرًا أن تصريح أردوغان الأخيرة بأن عملياته في سوريا تستهدف الإطاحة بالأسد، ترجع إلى أن الفريق الرئاسي للرئيس التركي على ما يبدو لا يريد أن يخذل المعارضة السورية السياسية والتي تقيم في تركيا ويريد أن يشعرها أن مازال الموقف التركي ثابت من الأزمة.
وأضاف أن الواقع غير ذلك فالنظام السوري أصبح أكثر قوة من الماضي. ووأصبح تحت المظلة الإيرانية الروسية بشكل أقوي من الماضي وهذا يجعل أنقرة تعيد حساباتها دائما فبعد أن قتل النظام السوري 3 جنود أتراك في 24 نوفمبر الماضي توجه وزير خارجية تركيا إلي طهران وأجرى مباحثات هناك، كما أقيمت اتصالات بين بوتين و ردوغان لعدم تكرار هذا الحادث مرة ثانية، خاصة أن سوريا هددت أكثر من مرة أنها سترد على انتهاك تركيا للسيادة السورية وأنها ترفض عملية درع الفرات المستمرة منذ 24 أغسطس الماضي.
المصدر: صوت الأمة