بقلم: محسن عقيلان، باحث فى العلاقات الدولية
المقابلة الصحفية لأردوغان مع القناة الثانية الإسرائيلية وصفقة الصواريخ الروسية اس400 هما حدثان هامان لا يمكن تجاهلهما ولم أجد لهم تصنيف إلا تحت بند المناورات السياسية. ولنعرف أكثر عن هاتين المناورتين وأبعادهما ومخاطرهما ومنافعهما أيضًا سوف نقوم بتحليل كل على حدة
أولا : المقابلة الصحفية
- المقابلة في حد ذاتها إرضاء لإسرائيل؛ لأنه على عتبات عقد صفقة ضخمة لتوريد الغاز الإسرائيلى إلى تركيا.
- تراجعه عن تشبيه إسرائيل وأعمالها الوحشية بهتلر رسالة اعتذار مبطنة.
- تخليه عن إسلامية القدس رسالة لإسرائيل أننى وسيط نزيه وتصريحه أن القدس ليست مدينة إسلامية خالصة اعتراف صريح بحق اليهود في القدس وهو يعارض بذلك قرار منظمة اليونسكو بأن القدس مدينة خاصة بالمسلمين.
- وأخيرًا قوله إننا في مرحلة التطبيع الشاملة مع إسرائيل، ذلك لفتح شهية قطاع رجال الأعمال في كلا الجانبين بأن التبادل التجاري والعسكري سوف يصبح علنًا وبمباركة حكومية.
بعد كل هذه المغازلات والإشارات الضمنية والعلنية إلا أن تصريحات أردوعان وجدت معارضة شديدة من قطاع كبير من الجانب الإسرائيلى بسبب
- رفضه وصف حركة حماس بالإرهابية
- رفضه التراجع عن وصف هجمات الكيان الصهيوني بشكل واضح بأنها لا تقل همجية عما فعله هتلر على الرغم من أنه تجاوز هذه النقطة وقال نحن الآن لسنا بوارد المقارنة
- اتهام الجانب الإسرائيلى للسيطرة على المسجد الأقصى من خلال الحفريات والتنقيب تحته
أما من جانب حركة حماس فقد عبرت عن رضاها على لسان عضو مكتبها السياسى خليل الحية باستعداد تركيا للدخول كوسيط بين الحركة وإسرائيل لأن ذلك يفعل ملف الأسرى ومدخل لفك العزلة الدولية المفروضة عليها.
إذن هذه المناورة أو المقابلة أخذت بعدين
أ : البعد السياسي
بعيدا عن المبادئ والشعارات التي يطلقها أردوغان لنصرة القضية الفلسطينية وعدالة القضية إلا أنه يريد أن يرفع أسهمه عاليًا بركوب موجة السلام وعودة هذا الملف إلى تركيا كمرحلة أولية من خلال الوساطة في ملف الأسرى، وبعد ذلك يدخل على ملف التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وزيارة الرئيس محمد عباس لتركيا أكثر من مرة في الآونة الأخيرة تدلل على ذلك. وهذا يتماشى مع النهج الجديد للرئيس الأمريكى المنتخب حديثًا دونالد ترامب الذى قال إن في عصره سيتم السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ب : البعد الاقتصادي
تركيا تسابق الزمن لكي تصبح محطة غاز مركزية من خلالها يتم نقل الغاز لأوروبا وقد تحدثنا في مقالة سابقة بعنوان (حلم محطة غاز الشرق الأوسط يفقد تركيا توازنها) وذكرنا أن هناك خمس مصادر تحاول تركيا تجميعها ولا مانع من الاعتذار لروسيا وقد تم، والتطبيع مع إسرائيل وقد تم أيضًا، وفى المستقبل القريب إرجاع العلاقات مع مصر لم تتم بعد. وإن كان هناك بعض المحاولات والملاطفة كل ذلك لاستكمال المشروع.
إذن لماذ التعجب والاستغراب عندما يقوم أردوغان بعمل مقابلة مع قناة إسرائيلية ستكون بوابة لعودته للمنطقة وتعويض ما فقده على الساحة السورية والعراقية بسبب التدخل الروسي العسكري وتحقيق أحلامه.
ثانيا : صفقة الصواريخ الروسية اس 400
القفز على المحور الروسى اتى بحنكة عندما استخدم صفقة اس 400 لإرباك الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، كما استخدم بالسابق صفقة الصواريخ الصينية التي استخدمها لابتزاز حلف الناتو، رغم أننا ذكرنا سابقا في مقالة (صفقة الصواريخ الصينية تكتيك تركي مكشوف) إلا أن نفس التكتيك يعاد مع روسيا من خلال مشاورات وزير الدفاع التركي فكري إيشيك على شراء منظومة اس400 أتت في وقت جمد الاتحاد الأوروبى مفاوضات الانضمام التركى إليه، فقفز أردوغان على المحور الروسى كمناورة وورقة ضغط على الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو.
في اعتقاد أردوغان أن المناورة سوف تؤتى أكلها وهو لايعرف أن الدب الروسى مستفيد، لأنه مجرد اتجاه تركيا لشراء المنظومة الروسية، فهذا اعتراف من دولة في حلف الناتو أن المنظومة الروسية إن لم تكن أفضل فهى متطورة ومفضلة لديهم، ومناورة تركيا أنها تنتظر رد الناتو على مدى مطابقة المنظومة لمتطلبات الحلف لا تنطلي عليها وروسيا في نفس الوقت على الرغم من أنها تعرف أنها مناورة سياسية ووسيلة ضغط إلا أنها في حالة التهور التركى والانزلاق في إجراءات الابتعاد عنهم ما هي الضمانات في عدم استخدام هذه المنظومة ضد الطائرات الروسية فوق الأراضى السورية.
إذن أردوغان على الرغم من أنه بارع في المناورة إلا أن الطرف المقابل يناور مثله للخروج بمكاسب سواء سياسية أم اقتصادية أم ترويجية. لذلك روسيا فتحت الأبواب أمام أردوغان وخفضت مستوى سور حديقتها لكي يقفز بسهولة لأنها بحاجة إلى تركيا في محورها وعلى استعداد لتوريد هذه المنظومة في حال صدقت نوايا تركيا على الرغم من أنها في سلم أولوياتها ستوردها لشريكين استراتيجيين فقط هما الصين والهند.
أردوغان إلى هذه اللحظة لم يحسم أمره؛ لأن حلف الناتو يعتبر تركيا قوة إسلامية دخيلة على الحلف، لكن مكانتها وموقعها الهام والاستراتيجي يفرض عليهم التمسك بها على مضض، وروسيا بوتين تحاول استعادة مجدها القديم من خلال التمدد واختراق دول محورية مثل تركيا. من أجل ذلك روسيا سوف تزيل سور حديقتها على أمل أن يعجبها الحال أكثر من حديقة الناتو المليئة بالأفخاخ والنوايا المبطنة والسيئة. وأردوغان يناور من أجل المكاسب والابتزاز والضغط السياسى. وآخر قفزة يحضر لها أردوغان هي الانضمام (لمنظمة شنغهاى للتعاون). لكن غاب عن بال أردوغان أن تركيا أيضًا مطموع بها ويفرش لها الحرير لجذبها وهي لا تعرف أسفله مليئ بالأشواك، لذلك قبل أن تقفز إلى أى محور عليها أن تقدر جيدًا المسافات حتى لا تقع أثناء القفز وتخسر جميع المحاور. وحينها سيتم القفز عليها وبعثرة أوراقها التي تعاني من عدم تماسكها.