التقرير: كمال آي
أنقرة (الزمان التركية) – انتهت على عجلة عملية درع الفرات التركية التي انطلقت أيضا على عجلة بعد محاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو/تموز، لدرجة أن السلطة الحاكمة اضطرت إلى الاستعانة حتى بطيارين عسكريين متهمين بالمشاركة في هذه المحاولة.
وأثار إعلان مجلس الأمن القومي انتهاء العملية بنجاح تساؤلات حول ما حققته العملية نظير استشهاد 71 جنديا. إنهاء الجيش التركي الذي كان يُعتقد أنه سيواصل التقدم حتى منبج والرقة لعملية درع الفرات قبيل عملية الولايات المتحدة الأمريكية في الرقة وعدم رغبة روسيا في الوجود التركي داخل سوريا، يدفع إلى الاعتقاد بأن تركيا بلغت نهاية مغامرة أخرى. وتبقت نظرات ذلك الأب الملكوم الذي تلقى نبأ استشهاد نجله والتصريح الذي لم تدْلِ به السلطات التركية بشأن الجنديين التركيين الذين زعم تنظيم داعش الإرهابي حرقهما.
تراوحت مبررات انطلاق عملية درع الفرات في وسائل الإعلام بين:
– حماية أمن الحدود (تذكّروا أن الصواريخ كانت تتساقط واحدة تلو الأخرى على مدينة كيليس من الجانب السوري للحدود).
– التصدي لتنظيم داعش الإرهابي.
– إعادة بلدة الباب لسكانها الأصليين: تطهير المنطقة الآمنة التي سيتم تشكيلها في شمال سوريا من الجيش السوري والدواعش ووحدات حماية الشعب الكردية وتسكين المعارضة السورية المعتدلة هناك.
– منع مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية (الثوار الأكراد في سوريا) من توحيد المناطق التي استولوا عليها وإنشاء دولة كردية هناك.
– استعادة الباب ومن بعدها منبج من ثم التقدم حتى الرقة.
ما الذي نجحنا في تحقيقه؟
من بين القضايا التي وصفها بيان مجلس الأمن القومي بـ”النجاحات” “تأمين الحدود” و”منع هجمات تنظيم داعش الإرهابي ضد تركيا” و” عودة السوريين لأراضيهم” ولم يرد ذكر للجيش السوري أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. ولعل أكثر ما يثير التساؤلات فيما يتعلق بعملية درع الفرات هو من سيتولى تأمين هذه الأراضي في المنطقة بعد مغاردة الجيش التركي الذي فتح المجال للمعارضة المعتدلة بحمايته الجيش السوري الحر، إذ إن الأرقام الواردة في بعض التقارير تشير إلى أن القدرة القتالية للجيش السوري الحر منخفضة، كما أنه تعرض لخسائر كبيرة خلال عملية درع الفرات. (في الواقع تقديم تركيا 71 شهيدًا أمر يستحق التأمل).
ريكس تيلرسون جاء للتبليغ
خلال الساعات التي تم خلالها مناقشة الموضوع في مجلس الأمن القومي كان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في أنقرة والتقى مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدرم ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو. (لكن تعدد المخاطبين أمر مزعج، لذلك سيتم الاجتماع مع شخص واحد (أردوغان” عقب استفتاء السادس عشر من أبريل/ نيسان لتحلّ كل هذه القضايا)
المعلومات التي نشرها أحمد ك. هان من جامعة “قدير هاس” عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر قدمت دلائل على كيفية انقضاء اللقاءات مع تيلرسون، حيث يدعي هان أن تيلرسون وزير خارجية غير مؤثر، ما يعني أن تيلرسون لم يأتي إلى أنقرة بوصفه “مفاوضاً” بل بصفته “مبلّغًا”. وربما أنه زود تركيا “لحليفة” بالمعلومات الخاصة بتفاصيل عملية الرقة. (لا نستطيع أن نعلم كم المعلومات التي قدمها لتركيا)
إدارة عملية الرقة التي يرغب ترامب في بدئها فورا لتحسين صورته في الرأي العام الأمريكي بالتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية كان أسوأ السيناريوهات بالنسبة لتركيا، لكن عجزها أمام الولايات المتحدة الأمريكية تكشّف مرة أخرى باعتقال السلطات الأمريكية نائب رئيس بنك “خلق” التركي بتهمة مساعدة إيران في خرقها العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. (في تلك الأثناء تصريحات وكالات الاستخبارات الغربية المتعاقبة بشأن عدم اقتناعهم بتدبير فتح الله غولن للمحاولة الانقلابية كشفت أن العدالة والتنمية يائس فيما يتعلق بمسألة إعادة غولن إلى تركيا)
وفي خطوة غير مفاجئة ظل جاويش أوغلو يوجه الإهانات إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في حضور نظيره الأمريكي. من المحتمل أنه كان يحاول إيصال الرسالة بطريقة غير مباشرة، لكن على الرغم من كون تيلرسون وزير خارجية غير مؤثر لكنه إداري متمرس تولّى المفاوضات مع مسؤولي الدول التي تتمتع بسلطة مثل تركيا في قضايا حساسة كقضية النفط.
روسيا طوت صفحة تركيا في سوريا
وعلى الصعيد الآخر تتراجع العلاقات مع الحليف الجديد روسيا، فعدم عودة العقوبات التي فرضتها روسيا على تركيا إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وتحوُّل تركيا إلى دولة غير مرغوب فيها داخل سوريا، وبدء روسيا العمل مع وحدات حماية الشعب الكردية علانية، بات ضربة ثانية لتركيا، كما أن السياسة الخارجية لتركيا التي لم تعد قادرة على تنفيذ حملة أخرى قد تعجز عن تنفيذ مهمة غرامية كحماية الجيش السوري الحر، إذ إن كافة الدلائل تشير إلى التصالح مع بشار آجلا أو عاجلا.
تركيز السعودية على اليمن (وعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة)، وبقاء قطر في الخلفية منذ البداية، ينذر بأن كافة الاتهامات التي ستُثار لاحقا فيما يتعلق بسوريا ستوجّه إلى تركيا. وفي تلك الحالة من الممكن أن تذكر عملية درع الفرات محاولة لنصب فخ للجانب الكردي فقط.
وبدون شك لا تمنح الولايات المتحدة وروسيا شيكا على بياض لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، حتى ‘ن مسؤولا أمريكيا أكد أن السكان الأكراد في المنطقة أقلية، ومن الصعب بقاء السلطة في يد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. ومن الواضح أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري يعي قوته جيدا، لهذا يسعى إلى تحقيق التوازن في المنطقة بتقديم كافة الدعم إلى الولايات المتحدة الأمريكية والإبقاء على علاقته مع روسيا جيدة.
على الرغم من أن تحقيق نموذج كردستان العراق في سوريا أمر صعب على المدى القصير، لكن يبدو أن سوريا ستشهد على المدى الطويل منطقة حكم ذات كردية بمساعدة القوى الكبرى. وفي الفترة الحالية التي تفقد فيها حكومة العدالة والتنمية في تركيا احترامه في السياسة الخارجية سينكشف على المدى البعيد ما الذي حققته عملية درع الفرات وما إن كانت قد حققت شيئا فعليا أم لا.
حاليا يمكن شرح الحقائق البديلة للشعب من خلال مشروع فيلم يروي عملية درع الفرات وما شابه. وبالتأكيد لايمكنكم وضع صور ذلك الأب الملكوم الذي فقد نجله ولقطات الجنديين الذين أحرقهما تنظيم داعش الإرهابي وهم أحياء.
درع الفرات، الانقلاب، التعديلات الدستورية