كرم سعيد (*)
أنقرة (الزمان التركية) – بعد فشل الحكومة التركية في تحقيق تقدم في الملفات المطلوبة ضمن مفاوضات حصولها على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي.. جمد الاتحاد المساعدات المالية المقدمة للحكومة التركية.
ويتصاعد التوتر بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبى أمثال ألمانيا وهولندا بسبب مشاركة بعض الوزراء الأتراك في فعاليات سياسية خاصة بالاستفتاء في تركيا المقرر في 16 أبريل المقبل على أراض أوروبية.
وفي هذا الصدد .. كتب كرم سعيد تحت عنوان “أوروبا تركيا: أزمة أبعد من تجمع انتخابي!
“يظل الإطار الدستوري أحد المحددات الأساسية للتطور الديمقراطي، لاسيما وأنه لا ينصرف إلى النصوص فحسب، ولكنه إفراز لواقع سياسي معين، كما أنه ينعكس مباشرة على تطور ذلك الواقع. والأرجح أن سلسلة الإصلاحات الدستورية التي مررتها حكومة العدالة والتنمية منذ وصولها للسلطة عام 2002، ووصلت في مجموعها إلى أكثر من 20 تعديلا أدخلت على دستور 1982 على مدى الثلاثة عقود ونصف العقد المنقضية، بهدف الانسجام مع البنية التشريعية الأوروبية، والأهم تقليص نفوذ المؤسسات الفاعلة في الحياة السياسية التركية، وفي الصدارة منها المؤسسة العسكرية، والجماعات الدينية ذات التأثير المجتمعي.
وزادت مطالب تعديل الدستور وقطعت شوطا على صعيد تقدمها، ولكنها سرعان ما اتخذت بعدا مصلحيا مؤدلجا، كشف عنه دعوة رئيس البرلمان التركي في أبريل 2016 إسماعيل كهرمان إلى وضع دستور إسلامي باعتبار تركيا دولة مسلمة وليست علمانية ناهيك عن رغبة الرئيس أردوغان في البقاء في منصبه عشر سنوات إضافية حتى موعد مئوية الجمهورية التركية.
وأتم حزب العدالة والتنمية مشروع التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي تهدف إلى تحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي. وسيمنح هذا التعديل الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات تنفيذية سعى طويلا من أجلها. وقدم الحزب مقترح التعديل الدستوري للبرلمان في 10 ديسمبر 2016، وتم تمريره في 21 يناير 2017 بموافقة 339 نائبا، بينما عارضه142، فيما صوت 5 بورقة بيضاء. ويتضمن مشروع التعديلات المدعوم من حزب الحركة القومية تخويل الرئيس صلاحيات واسعة.
المواد الدستورية المعدلة
1 | يتغير النظام من برلماني إلى رئاسي |
2 | إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معا في يوم واحد كل 5 سنوات |
3 | في حال لم يحصل أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية على الأصوات المطلوبة تجرى جولة ثانية. |
4 | يكون سن المرشح لرئاسة الجمهورية 40 عاما، ويكون المرشح من المواطنين الأتراك الحائزين على درجة في التعليم العالي. |
5 | يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب التركي، لمدة خمسة أعوام، ولدورتين فقط. |
6 | إلغاء القانون الذي يقضي بقطع صلة رئيس الجمهورية المنتخب عن الحزب السياسي الذي ينتمى إليه. |
7 | يلغي مجلس الوزراء، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع الدستور. |
8 | يتمكن الرئيس من تعيين أكثر من نائب له، وتعيين نوابه والوزراء ويمكنه إقالتهم. |
9 | يتمكن الرئيس من إصدار المراسيم بقوانين وإعلان الطوارئ |
10 | رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية وقيادة الجيش |
11 | رئيس الدولة يعرض الميزانية على البرلمان |
12 | يعرض الرئيس القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رأها ضرورية. |
13 | تجرى الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة في 3 نوفمبر 2019 |
14 | زيادة إجمالي عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب. |
15 | خفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18 عاما ويستثنى الذين على صلة بالخدمة العسكرية. |
16 | تستخدم صلاحية القضاء في البلاد من قبل محاكم مستقلة وحيادية، بدلا من قبل محاكم مستقلة باسم الشعب التركي. |
17 | يحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية |
18 | يستخدم البرلمان صلاحيته في الرقابة والتفتيش والحصول على معلومات عبر “تقص برلماني”. |
ومن شأن التعديلات الجديدة أن تفتح الباب أمام الرئيس التركي للبقاء في منصبه حتى عام 2029. كما سيمكن إقرار الإصلاحات الرئيس من الاحتفاظ بصلات بحزبه السياسي، وهو ما يمكن أن يسمح لأردوغان برئاسة حزب العدالة والتنمية من جديد. كما يعين الرئيس الوزراء الذين سيؤدون اليمين القانونية أمام البرلمان.
وإذا كان الدستور التركي الحالي، الذي أقر في 1982 بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في 1980، كفل استقلال القضاء بعيدا عن هيمنة السلطة التنفيذية، فالتعديلات الجديدة تسمح للرئيس بالتدخل مباشرة في تعيينات القضاء الذي يتهمه أردوغان بالتأثر بأنصار الداعية فتح الله جولن. كما سيكون بموجب التعديل الدستوري لرئيس الدولة الحق في تعيين 12 من أعضاء الهيئة القضائية العالية التي تضم 15 عضوا.
غير أن ثمة رفضا داخل الشارع السياسي التركي لمشروع التعديلات، باعتبار أنها لا تطاول التفاصيل والتوازنات التي كرسها دستور الثمانينيات، بل ستغير هوية السلطة وجوهر العلاقة بين مؤسسات الدولة. فهى ستحجم سلطة البرلمان ودوره لأدنى قدر ممكن، البرلمان الذي كان دائما أداة لتمثيل كل الكتل المجتمعية والهوياتية التركية في مركز السلطة الفعلية والرمزية.
والواقع أن هذه التعديلات وسعت من رقعة الاستقطاب المجتمعي والسياسي، وتجلى ذلك في رفض أحزاب المعارضة لهذه التعديلات، وفي الصدارة منها حزب الشعب الجمهوري إضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، رغم استبعاده من البرلمان، وخضوعه لعمليات ملاحقة أمنية بتهمة دعم الإرهاب، وترى هذه القوى أن النظام المطروح يكرس لنوع من الديكتاتورية.
ونجحت حكومة العدالة والتنمية في تأمين الأكثرية لمصلحة التصويت على التعديلات الدستورية بعد تحالفها مع حزب “الحركة القومية”، ويمتلك الحزب الحاكم 317 مقعدا فقط بينما يحوز حزب الحركة القومية 39 مقعدا، وهو ما سهل تأمين الغالبية المطلوبة في البرلمان 330 صوتا من بين 550 عضوا لضمان الذهاب للاستفتاء الشعبي، بعد تعثر الحصول على موافقة ثلثي الأعضاء 367 عضوا بالنظر إلى معارضة باقي أحزاب المعارضة.
والواقع أن تلك التعديلات الدستورية على أرض الواقع، لم تنشىء وضعا سياسيا جديدا في النظام السياسي التركي، خصوصا فيما يتصل بالانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، بقدر ما قامت بشرعنة وتقنين حالة سياسية كانت قائمة بالفعل، تتمثل في ممارسة أردوغان للاختصاصات والصلاحيات الكاملة لرئيس قوي تحت مظلة نظام رئاسي منذ انتخابه رئيسا في أغسطس 2014، حيث عمد أردوغان فور انتخابه إلى توسيع صلاحياته على حساب رئيس الوزراء، الذي أصبح أقرب إلى وجاهة، إذ بدا يلدريم منذ مجيئه إلى سدة الحكومة يتلقى تعليماته من أردوغان سواء مباشرة أو عبر القنوات الداخلية للحزب. لكن أردوغان الذي ينفرد بالسلطة عمليا، ويصر على التحول لجهة النظام الرئاسي، يسعى الآن إلى بلورة التكييف الدستوري الداعم لصلاحياته، كما أنه لم يتردد في إقالة أحمد داود أوغلو في مايو 2016، الذي لم يكن متحمسا ولا مقتنعا بالدستور الجديد، وقال خلال فترة وجوده في موقع رئاسة الوزراء ” النظام الرئاسي أولوية.. لكن إذا لم يكن فرضه ممكنا في البرلمان فلا مجال للإصرار عليه”.
في سياق الحرص على جذب الحلفاء لمصلحة التعديل الدستوري، تبنى أردوغان سياسة تصالحيه تجاه رئيس حزب “الحركة القومية” دولت باهشلي، بلغت حد تسمية أطول جسر معلق في تركيا باسمه، ربما في محاولة لإرضائه بغية التصويت لمصلحة الدستور الجديد.
الجزرة لم تكن وحدها مسلك أردوغان للضغط على تمرير التعديلات الدستورية، فقد رفع العصا الغليظة في مواجهة ممانعي المشروع، فعلى سبيل المثال .. أقر البرلمان في 20 مايو 2016 تعديلا دستوريا يرفع الحصانة عن النواب المرفوعة بحقهم دعاوي قضائية وبلغ عدد القضايا المرفوعة ضد النواب 682 قضية، منها 216 حول قضايا متعلقة بالترويج ودعم منظمات إرهابية مقابل 201 قضية بتهمة إهانة الرئيس.
ويراهن الرئيس التركي في تمرير التعديلات الدستورية على عدة اعتبارات أولها تراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطية الكردي على خلفية الحرب الدائرة جنوب شرق تركيا، وتصاعد التفجيرات التي ارتكبتها منظمة صقور كردستان ومنظمة حزب العمال الكردستاني واستهدفت مناطق سياحية وأمنية في قلب البلاد. وثانيهما تشويه الصورة الذهنية لحزب الشعب الجمهوري عبر محاصرته إعلاميا وتقييد تحركاته في الشارع، فضلا عن مصادرة الحكومة عدد معتبر من وسائل الإعلام وصحف المعارضة عشية الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 بذريعة حماية الأمن القومي. خلف ما سبق يدرك أردوغان حاجة رئيس حزب الحركة القومية لدوره في لجم جبهة المعارضة في الحزب التي تسعى للإطاحة به، ويمكن لأردوغان الذي يمسك بجزء معتبر من مفاصل المشهد القضائي تعطيل أحكام قضائية تطيح به وتؤول بالحزب إلى مناوئ باهشيلي.
الواقع أن ثمة قناعة لـ(حزب العدالة والتنمية) بأن معركة التعديل الدستوري تأخذ مكانة خاصة في مسيرته السياسية وتطلعاته المستقبلية, لذلك لم تكن تصريحات إسماعيل كهرمان رئيس البرلمان التركي في أبريل 2016 عن حاجة بلاده إلى دستور إسلامي لا مكان فيه للعلمانية عفوية، أو من دون قصد، وإنما هدفت إلى إحماء جبهة الداخل ومساومته لتمرير التعديلات الدستورية المطروحة، والتي تبقى العلمانية مقابل تكريس سلطات رئيس الدولة.
ورغم أن تركيا تدار بدستور 1982 الذي تم وضعه عشية انقلاب كنعان أفرين عام 1980، وتم إدخال ما يقرب من 20 تعديلا عليه، إلا أن حزب العدالة والتنمية يراه لم يعد يلبي حاجات تركيا وتطوره. ويحاول أردوغان وجناح الموالاة في الحزب الحاكم منذ سنوات تبرير رغبتهم في تعديل الدستور بأنها من أجل استقرار الدولة وحماية المواطن التركي وحقوقه.
ففي الوقت الذي طالب فيه الرئيس التركي في نوفمبر 2015 خلال كلمة له أمام البرلمان، القوى السياسية بالتفاهم لإعداد دستور جديد، وحذر “إنه في حال فشلت المفاوضات بين الأحزاب لإعداد الدستور الجديد فسيتم اللجوء إلى استفتاء شعبي لأخذ رأي المواطنين في المسألة”، ومن جهته دافع محمد علي شاهين عن مشروع التعديلات، واعتبر أن دستور 1980 عمل على حماية الدولة، لكن الدستور الجديد “سوف يبني الإنسان المواطن ويسلط الضوء عليه ويعمل على خدمته”.
القصد أن الجدل يبقى مرشحا للتصاعد في تركيا مع طرح قضية التعديل الدستوري التي تستهدف إنتاج نظام رئاسي يدعي أردوغان أفضليته، ويراها ثورة تشريعية لضمان الاستقرار والأمن وتحصين وحدة الدولة مقابل المعارضة التي تسعى إلى إحباطه لمنع تحول نظام الحكم.
إضافة لما سبق فان قضية التعديلات الدستورية انعكست سلبا بتسخين جبهة الداخل في ظل تعديلات منحت الرئيس حق تعيين قادة الجيش والمخابرات والهيئات القضائية، وأيضا تعيين رؤساء الجامعات وكبار رجال الدولة إضافة إلى إصدار مراسيم رئاسية استثنائية دون الرجوع للبرلمان الذي يبدو دوره وصلاحياته مرشحة للتراجع.
على صعيد ذي شأن فثمة هواجس عديدة يتملك الاتحاد الأوروبي من أن يفضى اعتماد أردوغان النظام الرئاسى إلى إحداث هزة في أسس النظام السياسي التركي تفضي بدورها إلى تقويض التوازنات بين مكوناته ومؤسساته، في أعقاب الخلل الذي أحدثه أردوغان في العلاقة بين مكونات المنظومة الأمنية التركية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو2016.
فالتعديلات الدستورية المقترحة تتلاعب بالتوازنات الدقيقة التي يقوم على أساسها النظام الدستوري والسياسي في تركيا، كما ترمي بشكل واضح إلى تعزيز نفوذ وصلاحيات رئيس الجمهورية ومنحه حق التدخل في كثير من القطاعات والمؤسسات القضائية والسياسية.
وفي هذا السياق .. حذر خبراء في مجلس أوروبا في 12 مارس 2017 من أن تركيا تخاطر بإنشاء “نظام حكم الفرد” عبر التعديلات الدستورية التي تقترحها لتوسيع سلطات الرئيس، ووصفتها وأنها “خطوة خطيرة إلى الوراء للديمقراطية”. وأضافت لجنة فينسيا، وهى هيئة من خبراء القانون الدستوري، وجزء من مجلس أوروبا المكون من 47 عضوا، إن هذه التعديلات من شأنها أن تزيل ضوابط وتوازنات ضرورية في هوية النظام التركي وطبيعة العلاقة بين مؤسساته وهياكله. واعتبرت اللجنة أن “منح الرئيس سلطة حل البرلمان لأي سبب أمر دخيل على أسس الأنظمة الرئاسية الديمقراطية، وكذلك ممارسته سلطات تنفيذية منفردا عبر تعيين وإقالة وزراء وكبار مسؤولي الدولة”.
لذا فإن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تشويه الصورة النمطية لتركيا في الخارج، لاسيما أن الاتحاد الأوروبي كشف في تقريره الأخير الصادر في نوفمبر 2016 عن انحراف تركيا عن قيم الديمقراطية، وتراجع مؤشر الحريات فيها. ويخشى الاتحاد الأوروبي من أن يكون الانتقال للنظام الرئاسي مدخلا لحكم شمولي ديكتاتوري، كما يخشى من أن يقضي النظام الرئاسي على التعددية والتنوع وقواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد.
وكانت العلاقة بين تركيا وأوروبا قد شهدت تدهورا حادا، بعد سلسلة من الفعل ورد الفعل، وتطورت بشكل متسارع في مارس 2017، على خلفية مواقف دول أوروبية عدة من الحملات الدعائية التي قام بها مسئولون أتراك في أوساط الجاليات التركية على أراضيها بهدف حشد الدعم وحض الناخبين على التصويت لمصلحة التعديلات الدستورية.
والأرجح أن الأتراك المقيمين في أوروبا يمثلوا رقما صعبا في الاستحقاقات الانتخابية، والبالغ عددهم قرابة خمسة ملايين شخص، منهم ثلاثة ملايين في ألمانيا وحدها مقابل نحو 500 ألف شخص في هولندا ونحو 700 ألف شخص في النمسا، صوت نصفهم في ألمانيا وقطاع معتبر منهم في النمسا وهولندا لمصلحة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية عام 2015، ولذا عمل أردوغان بشتى السبل لكسب أصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
ونجح الرئيس التركي في توظيف خلافه مع أوروبا، وتحويله إلى فرصة لاستمالة مشاعر الجمهور واستمالته بدغدغة مشاعرهم القومية والدينية، خاصة أنه اعتبر ما جرى “عداء للإسلام” وتكريس لظاهرة “الإسلاموفوبيا ويكشف الوجه الحقيقي للغرب”، فضلا عن العداء للأتراك أنفسهم.
واستغل أردوغان إلغاء السلطات الألمانية بمدينة جاجيناو في 2 مارس 2017 فعالية كانت ستنظمها جمعية الأتراك الأوروبيين الديمقراطيين للدعوة للتعديلات الدستورية، وإعلان النمسا في 27 فبراير 2017، أن بلاده لا ترحب بزيارة أردوغان إضافة إلى منع هولندا هبوط طائرة وزير الخارجية التركي على أراضيها، وسوء تصرف شرطتها مع وزيرة الأسرة التركية وتفريقها في 12 مارس 2017 بالقوة تظاهرة في روتردام أمام السفارة التركية، وأيضا طلب الدنمارك في 13 مارس 2017 تأجيل زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء التركي بن يلدريم ليعطي دروسا مجانية لأوروبا في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما تلقف أردوغان بأريحية قرار الاتحاد الأوروبي تجميد المساعدات المالية المقدمة للحكومة التركية بعد عدم تحقيق أنقرة أي تقدم في الملفات الحقوقية المطلوبة ضمن مفاوضات حصول تركيا على العضوية الأوروبية. وقدم الاتحاد بحسب “يوهانس هان” مفوض الجوار والتوسع بالاتحاد، مساعدات مالية لتركيا بقيمة 167 مليونا و 300 ألف يورو حتى الآن، من أصل 4 مليارات و 450 مليون يورو كانت مقررة للفترة من 2016 وحتى 2020. وهى مساعدات تقدم للدولة المرشحة للانضمام.
والأرجح أن رفض الاتحاد الأوروبي للتوجه التركي نحو تعزيز الصلاحيات الرئاسية لم يكن الأول من نوعه، فقد ندد الاتحاد في نوفمبر 2015 بالتوجه السلبي لوضع دولة القانون في تركيا .. فضلا عن التراجع الخطير لحرية التعبير، وذلك في تقريره السنوي حول تقدم تركيا في عملية الانضمام إلى الاتحاد. وقالت المفوضية الأوروبية “بعد عدة سنوات من التقدم على طريق حرية التعبير، سجل تراجع خطير في السنتين الماضيتين.
الأهم أن قضية التعديلات التي سيتم الاستفتاء عليها في 16 أبريل 2017، تضع حزب العدالة والتنمية والتجربة الديمقراطية التركية في مفترق طرق، وهى التي كانت تجربة مبشرة طوال عقدها الأول ونموذجا معتبرا لدى العائلة الأوروبية، فضلا عن أن تمرير هذه التعديلات التي ترفضها أوساط واسعة من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، فضلا عن حزب الشعب الجمهوري والأكراد يرفضون مثل هذا الانتقال، وهو ما قد يرشح تركيا إلى مزيد من عدم الاستقرار، ولاسيما مع تصاعد المخاطر الأمنية، وتمر هذه التعديلات رغم الكلفة السياسية الباهظة لها.
والأرجح أن هذه التعديلات ربما تكون نتيجتها معروفة سلفا في ظل إصرار الرئيس التركي على تمريرها بأية ثمن، فمثلا علق هو على الممانعين للتعديلات “شئتم أم أبيتم، التعديلات ستمر في البرلمان، وستعرض على الشارع في استفتاء عام”. ومن جهته قال رئيس الوزراء التركي في فبراير 2017 إن “المعارضين للنظام الرئاسي في سفينة واحدة مع تنظيم داعش والكردستاني وفتح الله جولن”، وأضاف “هذه التنظيمات الإرهابية تخشى النظام الرئاسي، وتعمل لعرقلته. لذا فإن الناخب الذي يصوت بلا في الاستفتاء سيكون دعم هذه التنظيمات”.
(*) كاتب ومتخصص في الشأن التركي بمؤسسة الأهرام