إن أخطر ما يواجه تركيا في الوقت الراهن، هو التراجع الإقتصادي السريع، وزيادة البطالة، ونسبة التضخم، وتدهور قيمة الليرة بشكل ملحوظ، كل ذلك نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية المتفجرة، التي تسببت بها حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان الرئيس الحالي لتركيا، نظرآ لإتباعها سياسات خاطئة، أولآ، في تعاملها مع القضية الكردية الملتهبة في شرق البلاد، وثانيآ بسبب تراجع الحريات العامة التي وصلت إليها تركيا عبر عقود من الزمن. وثالثآ، أخذها جانب المنظمات الإرهابية، في الأزمة السورية. ورابعآ، إنقلابها على النظام السياسي الذي أوصلها للحكم، وتراجعها عن معايير كوبنهانجن لإنضمامها إلى الإتحاد الأوروبي، وأخيرآ إرتمائها في أحضان الروس، عدو الأمس.
من المعلوم أن أي إقتصاد لا يمكن له أن ينمو ويزدهر، في ظل أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة، كما هو الحال مع الإقتصاد التركي. فكان أول ضحايا الوضع المتفجر في تركيا هو قطاع السياحة، الذي تضرر بشكل شبه تام نتيجة للأعمال الإرهابية، التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، التي انقلب عليها الرئيس اردوغان، مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة الإجرامية. هذا القطاع لوحده، كان يدر عشرات المليارات من الدولارات إلى خزينة الدولة التركية سنويآ، وكان يوظف عشرات الألاف من الأيدي العاملة. كل ذلك ذهب أدراج الرياح، ولم نعد نشاهد طوابير السواح من الغربيين والروس والصينيين والعرب، في شوارع المدن التركية، وفنادقها ومطاراتها.
وأما القطاع الثاني، الذي تأثر سلبآ بالوضع المتأزم في تركيا، فهو العملة التركية، حيث فقدت الليرة التركية نحو 20% من قيمتها خلال العام الماضي، أمام الدولار. مما دفع بالبنك المركزي إلى التدخل للحد من تراجع قيمة اليرة أمام العملات الأجنبية، ولو بقدر محدود، وذلك بهدف منح المستثمرين الثقة بالعملة المحلية وإقتصادها. وهذا الهبوط الحاد في قيمة الليرة التركية، دفع بالسيد أردوغان إلى أن يدعو الأتراك بنفسه، لأن يقوموا بتحويل مدخراتهم من العملات الأجنبية إلى الليرة التركية، خلال افتتاحه مركزآ تجاريا وسط مدينة إسطنبول قيل أيام، وأضاف قائلآ:
“إن المتآمرين يحاولون تخريب الاقتصاد عن طريق المضاربة في سوق الأسهم وسوق العملة وأسعار الفائدة، بعدما فشلوا في انقلابهم في تموز الماضي”. ولكن هذه الدعوة لم تفلح في وقف تدهور قيمة العملة التركية، أمام الدولار
والسبب الأخر، الذي أدى إلى تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار، هو تصنيف وكالات التصنيف الائتماني العالمية، لإقتصاد تركيا ومنحها درجة أقل من الدرجة الاستثمارية، ولتنتقل ترتيبها من “بي أي أي3” إلى “بي أي1″،بسبب مخاوفها من غياب سيادة القانون في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، الأمر الذي زاد من تخوف المستثمرين، وساهم بشكل كبير في زيادة التوجس عندهم من الاقتصاد التركي، ما دفع بأصحاب رؤوس الأموال، إلى تبديل مدخراتهم لعملات رئيسية، ليزداد الطلب على الدولار واليورو بالسوق التركية، وبيع العملة التركية مقابلها.
والقطاع الثالث الذي تأثر بالوضع غير المستقر في تركيا، هو قطاع الإستثمار الذي كان له الفضل، في تنشيط ونمو الإقتصاد التركي في السنوات العشر الماضية. وبسبب هذا الوضع المتأزم حاليآ، غادر العديد من الشركات تركيا، حفاظآ على أموالها وحياة موظفيها، والعديد الآخر أوقف مشاريع كانت على وشك تنفيذها، وهذا أمر بديهي لأن رأس المال جبان، ويبحث عن مكان آمن ومستقر، وأجواء عامة تشجع على الاستثمار.
ونتيجة لهذا النزيف المالي، أصدرت حكومة أردوغان قرارآ، يقضي بمنح الجنسية التركية لكل شخص يستثمر مليون دولار في البلاد. وهذا يوضح بجلاء الحالة السيئة التي وصل إليها الإقتصاد التركي، حتى يُقدم رئيس الدولة على مثل هذه الخطوة.
خلاصة الكلام، عندما يبدأ الإقتصاد بخدمة الساسة ومصالحهم الشخصية، بدلآ من أن تخدم سياسة الساسة إقتصاد بلدانهم وشعوبهم، يحدث ما حدث للإقتصاد التركي في الأونة الأخيرة.
إن السلطان اردوغان يحاول جعل تركيا وإقتصادها في خدمة مصالحه الشخصية والعائلية، ولذا لن ينجوا إقتصاد هذا البلد، ما دام السيد أردوغان يقف على هرم السلطة، ويسعى لتحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي بمطلق الصلاحيات. بكلام آخر، لا يمكن تحسين إقتصاد البلد، من دون تغير السياسة القديمة، والإدارة التي تقوم عليها.