عبد الله الجنيد – موقع سكاي نيوز عربية
التطور في واقعية الإسلام السياسي هو أقرب لابتكار أحمر شفاه لا يترك أثرا على ياقة القميص بعد عناق ساخن، ومع أن احتمالات اختراع ذلك النوع من أحمر الشفاه قد يكون ممكنا، فإن مدارس الإسلام السياسي لا تزال عاجزة عن إقناعنا بمبادئها الديمقراطية او ثقافتها “العلمانية”.
فها هي تركيا تتوزع بين دستورها الكمالي و آخر يؤسس لجمهورية جديدة تستمد هويتها من روح حزبها الحاكم و إرثها الإمبراطوري.
لا تكمن أزمة الرئيس رجب طيب أردوغان في إقناع مواطنيه بمشروع تعديل الدستور العلماني للجمهورية، بل في شخص واضع مبادئ ذلك الدستور كمال أتاتورك، فتركيا السياسية لم تفقد فقط المعارضة الطبيعية بل فقدت حتى الحزب الحاكم المجير باسم رئيسها اليوم.
أما الأزمة السياسية المتواترة صعودا مع أوروبا، فهي انعكاس حقيقي لتلك النظرة النرجسية للزعيم منذ الانقلاب العسكري الفاشل.
فاعتراض هولندا على تحويل ميادينها لساحات استفتاء على هذه التعديلات الدستورية يتعارض ومبادئ الديمقراطية الأوروبية، أضف إلى ذلك أن التحفظات الأوروبية تتجاوز مصادرة الحريات المدنية في تركيا إلى قضايا تمس أمن و استقرار حوض المتوسط والبحر الأسود، فالأوروبيون يشككون في الموقف التركي من الحل السياسي في سوريا في تأرجحها بين أستانة وجنيف.
وتكمن عثرة مشروع التعديلات الدستورية المزمع الاستفتاء عليها في أبريل المقبل في شخص مؤسس الجمهورية الحديثة، التي حاول الرئيس أردوغان تجاوزها في أكثر من محطة لم يكن آخرها استبدال صورة المؤسس بصورة السلطان سليمان القانوني في مكتبه الجديد في القصر الجمهوري.
أما المحطة الأخرى فقد تمثلت في تحجيم مؤسسة الجيش التي تجاوزت تحجيم الحرس القديم فيه قبل أن يفكك كل ما تمثله معارضة سياسية طبيعية.
فالديمقراطية التركية التي صبغت بالشرقية الإسلامية هي أقرب للنموذج الروسي من القيم والمبادئ منها للديمقراطية الأوروبية.
والأزمة التركية الأوروبية هي إحدى أبلغ الأمثلة على نرجسية الإسلام السياسي، ففي حين تقتضي الأمور احتواء الأزمة نجد الرئيس التركي يسارع في تحويلها لمنصة قابلة للتوظيف السياسي داخليا.
لكن هل ستستطيع هذه الأزمة الاحتفاظ بزخمها الإعلامي إلى حين الاستفتاء على التعديلات الدستورية، خصوصا إذا قورنت بمخاضات أزمة إسقاط الطائرة الروسية؟
فوصفه دولة أوروبية بمنهجية نازية أمر غير مقبول، وفي حال قرر أردوغان الاستمرار في التصعيد بدلا من احتواء الأزمة، فإننا مقبلون على مشهد دبلوماسي بالغ التعقيد خصوصا مع وجود شواهد حقيقية على تحولات عسكرية ميدانيا في سوريا.
فالتحالف الدولي الآن ينطلق من قواعد داخل سوريا في حربه على داعش، و هو منتشر فعلا في قوس عريض من الأنبار (العراق) شرقا إلى منبج (سوريا) شمالا، في التحضير للمعركة الحاسمة في الرقة.
بمراجعة الملفات التركية الرئيسية وأولها الحرب على داعش، ففي أي حال ستكون فيه تركيا في حال تم دحر داعش دون أي دور حقيقي لها؟
كذلك هو الحال إذا فشلت أستانة في تقديم مخرج سياسي للأزمة السورية، ناهيك عن الأزمة السياسية مع أوروبا وعلاقات فاترة مع محيطه في العالم العربي.
وحتى مقاصد التغيرات الدستورية لا تعدو كونها مشروع شخصي للرئيس أردوغان.