تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – زعم الكاتب الصحفي التركي راسم أوزان كوتاهيالي في مقاله المنشور أمس الاثنين بجريدة “الصباح” المقربة من الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان وجود تحركات مريبة داخل المؤسسة العسكرية، كما اعترف بأن حركة الخدمة اختيرت “كبش فداء” لإلقاء جريمة الانقلاب عليها وتصفية المتعاطفين معها في مؤسسات الدولة.
قال كوتاهيالي في مقاله: “مع أن منظمة فتح الله غولن الإرهابية هي من تقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، – على حد زعمه – إلا أنها لم تكن وحيدة، بل إنها كانت خيانة جماعية شارك فيها كل الانقلابيين القدماء في المؤسسة العسكرية أيضًا”.
ثم اعترف كوتاهيالي بأن تقديم الخدمة مسؤولة عمّا حدث ليلة الانقلاب الفاشل كان يستهدف إطلاق عملية اختراق أذهان الرأي العام وإعادة تشكيل إداركه قائلاً: “لكن الحكومة نفذت سياسة مقصودة، وهي واعية بالحقيقة، تمثلت في التركيز على منظمة غولن على وجه الخصوص، والتستر على المجموعات الأخرى المشاركة في ارتكاب هذه الخيانة الوطنية، وذلك من أجل تأمين اللحمة الوطنية والوحدة المجتمعية ضد الانقلابيين”.
وادعى كوتاهيالي أن هذه السياسة كانت نابعة من نوايا حسنة وتعتمد على العقل السليم والسياسة الحكيمة، على حد وصفه، مبررًا ذلك بأنه لو تم التركيز والتأكيد على العناصر الكمالية الإيدولوجية الأخرى المشاركة في محاولة الانقلاب لأحدث ذلك شرخًا وانقسامًا جديدًا في صفوف المجتمع، على حد تعبيره.
كما اعترف كوتاهيالي بأن الحكومة شجّعت الشخصيات العلمانية الكمالية اليسارية القومية المتطرفة، وكذلك الجنرالات القدماء على الظهور على الشاشات التلفزيونية للحديث عن محاولة الانقلاب و”منظمة غولن”، ولفت إلى فتح الأبواب على مصراعيها لكل المجموعات والفئات المعارضة لحركة الخدمة، لأن المسألة لم تكن مسألة حكومة بل مسألة دولة، على حد تعبيره.
وأقر كوتاهيالي بأن الذين نزلوا إلى الشوارع بحجة التصدي لمحاولة الانقلاب هم كانوا أنصار الرئيس أردوغان والميليشيات المسلحة التابعة للحزب الحاكم وعناصر شركة “صدات” الأمنية قائلاً: “وعلى الرغم من أنه لم يكن يعكس الحقيقة، إلا أنه تم ترديد عبارات ومقولات حماسية مرارًا من قبيل ’الشعب التركي بأكمله وبكل فئاته وفصائله نزلوا إلى الشوارع وقاوموا الدبابات والانقلابيين‘ في مسعىً لتكوين اللحمة الوطنية وروح الديمقراطية المشتركة”، وفق قوله.
ثم تطرق كوتاهيالي إلى الادعاءات الواردة حول استعداد مجموعة داخل المؤسسة العسكرية لانقلاب حقيقي ضد الرئيس أردوغان والحكومة قائلاً: “يبدو أن هذه العقلية الانقلابية القديمة (العناصر العلمانية اليسارية) تعود مجددًا إلى الساحة قبيل الاستفتاء على تعديلات النظام الرئاسي في شهر نيسان / أبريل، لأنها لم تستسغ الرئيس أردوغان والإسلام وتعارض ارتداء الحجاب في المؤسسات العسكرية”.
واختتم كوتاهيالي مقاله متسائلاً: “هل يمكن أن تقبل هذه العقلية الانقلابية على الانتحار؟ لا يمكن أن نقول “لا” بكل سهولة نظراً للمعطيات التي نحوزها”.
إفادات الجنود المتهمين بالانقلاب تكشف الحقيقة
يذكر أن الرائد تانير بربر المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس أردوغان أثناء الانقلاب أعلن أمام المحكمة قبل أسبوع أنه وزملائه من التيار الأتاتوركي القومي، ولا علاقة لهم بحركة الخدمة من بعيد أو قريب. ونظرا لأن عامة الناس في تركيا يطلقون على المتطوعين الذين يتولون مهام في أنشطة حركة الخدمة التعليمية والخيرية “الأئمة”، أجاب بربر على سؤال حول ما إذا كان له علاقة بحركة الخدمة أم لا بقوله: “لا أعرف أحدا ممن تسمونه أئمة حركة الخدمة، ولا أعرف كيفية التكوين الداخلي لهذا التنظيم، إني أعرف إماما واحدا فقط وهو إمام الجامع الذي يعرفه الجميع. إننا جميعا كعسكريين نمر بعديد من مراحل البحث والتحري اعتبارا من انضمامنا إلى الكلية العسكرية، ولو كانت لنا أي علاقة بهذه الحركة لظهرت منذ البداية، ليست لنا أي علاقة بهذا التنظيم، وقد تعرفت على تطبيق بايلوك (Bylock) (المزعوم بأنه الوسيلة السرية لتواصل الانقلابيين فيما بينهم) أثناء التحقيقات معي أمام الشرطة، ولم أذهب حتى لمدارسهم ولا أمتلك حسابا في بنوكهم، فأنا ضابط محب لوطنه وقومي يسير على خطى مبادئ وأفكار مصطفى كمال أتاتورك، لا علاقة لي بهذه الحركة”.
فيما تطرق القائد موتلو سركان فوردم إلى مزاعم العثور على نسخة من جريدة “زمان” بتاريخ 23/12/2016 في غرفة عمله كتب تضم مجموعة أدعية، وشدد على أنه لم ير طوال فترة عمله صحيفة زمان في غرفته ولا تلك الأدعية أبدا، ورجح أن مجهولين وضعوا هذه الأشياء في غرفته لكي يتم تصنيفه من أنصار حركة الخدمة.
بينما قال العميد جوكهان سونماز أتش الذي كان قائد الفريق المتوجه إلى فندق أردوغان ليلة الانقلاب إنه وزملاءه نفذوا الأوامر الصادرة من رئاسة الأركان، وليس لهم أدنى علاقة مع حركة الخدمة. فضلا عن ذلك، فإنه أعلن أنهم لم يتوجهوا إلى مرماريس لاغتيال أردوغان، بل لاصطحابه إلى أنقرة تنفيذا لأوامر رئاسة الأركان، لكنهم تعرضوا للخداع والخيانة حيث أمرهم قادتهم بالانتظار 4 ساعات قبل إقلاع طائرتهم نحو فندق أردوغان لكي يعطوا الفرصة له حتى يتمكن من الوصول إلى إسطنبول. صرح سونماز أتش في المحكمة قائلا: “في الوقت الذي كان العالم بأسره يعلم أن أردوغان متجه إلى إسطنبول، أرسلونا إلى مرماريس لإيقاعنا في الفخ، لم أتواصل مع المساعد العسكري لأردوغان، لو كنت أنا من خططت لهذه العملية، لكنت نجحت في إتمامها أو ألغيتها، لا أؤمن أن فتح الله كولن هو “المسيح” أو “الرسول” كما تدعي السلطات، فهذا اعتقاد ضال باطل، ما أفكر فيه حاليا هو العثور على جواب لسؤال “من الذي ضللنا وخدعنا وجعلنا ننتظر أربع ساعات؟”.
أما المقدم شكري سيمان، قائد فرقة القوات الخاصة فقال أمام المحكمة: “أعترف بأنني شاركت في الانقلاب، ولا أخاف من أي شيء، حتى لو كنت أعلم أن إسقاط كرسي المشنقة من تحت أرجلي ليس انتحارا لفعلت ذلك بنفسي، لكنني لم أفعل سوى تنفيذ المهمة التي كلفني بها قائدي الجنرالين جوكهان وسميح، ألا وهى نقل الرئيس أردوغان إلى أنقرة سالما”.
انهيار صورة البطل!
إن دلت هذه الاعترافات على شيء فإنها تدل على زيف القصة المنسوجة حول نجاة أردوغان من هجمات الانقلابيين على فندقه كالأبطال، وتمكن طائرته من الإقلاع، ووصولها إلى مطار إسطنبول بسلام وسط مخاطر عديدة، إذ توجهت طائرة الفريق العسكري إلى مدينة موغلا بعد وصول طائرة أردوغان إلى إسطنبول، وهو ما يعني أن العسكريين عندما وصلوا إلى الفندق كان أردوغان قد وصل إسطنبول.
على الرغم من أنه لم يخرج أحد من المتهمين العسكريين حتى اللحظة معترفا بأنه منتم إلى حركة الخدمة ونفذ الانقلاب بأمر صادر من الأستاذ كولن، لكن أردوغان يصر على ذلك لكي يتستر على دوره في هذا الانقلاب. لكن إفادات العسكريين في “المحكمة” أسقطت حكم “الاعترافات” المنتزعة منهم في غرف التعذيب بمراكز الأمن من جانب؛ ومن جانب آخر أثبتت مرة أخرى أن أردوغان اتفق مع بعض القادة العسكريين ودبروا انقلابا تحت سيطرتهم من خلال استغلال سذاجة بعض الجنود، وصمموه على الفشل، ومن ثم ألصقوه بحركة الخدمة، لكي يحصلوا على الذريعة اللازمة لتصفية الكوادر غير المرغوبة فيها بالمؤسسة العسكرية.
وكانت ثلاثة تقارير استخباراتية صادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الناتو أظهرت زيف رواية أردوغان الرسمية عن الانقلاب وأكدت دوره فيه واستعداده له قبل سنين.