تأليف: محرَّم أركين (Muharrem Ergin)
ترجمة: طارق خاقان
تاريخ الترجمة: سنة 2004
– أول كتابة تركية ذُكر فيها اسم الترك والأمة التركية.
– وثيقةُ تاريخٍ تركية منقوشة على الحجر.
– وثيقة كبرى لإعطاء رجالِ الدولة الترك الأهميةَ للشعب، وللتفاهم معه، وللوظائف المشتركة بين الدولة والشعب، وللنظام التركي، وللأعراف التركية، وللثقافة التركية العالية.
– مثال واضح للدهاء العسكري التركي، وأُسس الفن العسكري التركي.
– مبعث علوِّ الافتخار التركي كعلوِّ السبّابة في شهادتها.
– مثال أعلى للتضحية والفضيلة التركيتين.
– لوحة عظمى للحياة التركية.
– أول رائعة للأدب التركي.
– أثر لفنّ الخطابة التركي الذي لا يُشقُّ له غبار.
– أسلوب عظيم للخطاب السلطاني، ومثال مدهش لأسلوبه الفريد الصارم.
– الكتاب الأساسي للقومية التركية.
– رائعة قادرة على بناء شعب قومي.
– النور الذي أنار الاستقامة القومية خلال قرون من الزمن.
– مصدر اللغة التركية المبارك.
– أول مثال حيّ خارق العادة للغة الكتابة التركية.[1]
– دليل على أنّ بداية لغة الكتابة التركية كانت في القرون الميلادية الأولى.
– وثيقة على أنّ تاريخ تأسيس الجيش التركي يعود إلى أكثر من 1250 سنة على الأقلّ.
– الأثر الذي يعدُّ أكبر وسيلة افتخار بالانتماء التركي.
– شواهد القبور الأكبر معنًى من حيثُ المحتوى الاجتماعي لعالم البشرية.
– إنّ التحذير التركي من الصين قبل أكثر من 1250 سنة، قد يكون أهمَّ حدث في العالم اليوم.[2]
– عندما يريد الإنسان وصف الأوابد الأورخونية تصطفُّ في ذهنه مثل هذه العبارات.
الأوابد الأورخونية هي الكتابات الباقية منذ عصر دولة (كوك تورك).
لقد استمرَّ حكم الـ (كوك تورك) للإمبراطورية التركية الكبيرة – التي أُسّست من قِبَل (الهون) في القرون التي سبقت الميلاد بآسيا، واستمرّت في إدارتها أجيالٌ وقبائلُ شتَّى- ما بين القرنين السادس والثامن الميلاديين. وفي منتصف القرن السادس كان (الأوار) على رأس الدولة التركية. وفي عام 552م أنهى (بومين قاغان: Bumin Kağan) {كلمة “قاغان” تعني السلطان أو الملك. وقد تحولت هذه الكلمة إلى “خاقان”} حكم الأوار واضعًا بدايةً لعصر جديد في تاريخ الدولة التركية، وهو عصر حكومة كوك تورك. وفي ذلك العصر كان مركز القاغانية (السلطنة) الكبير في القسم الشرقي من الدولة، أما القسم الغربي فقد كان يُحكم من قِبَل قاغانية مرتبطةٍ بالقسم الشرقي وتابعةٍ له. وقد كان (إستَمي قاغان) أخو (بومين قاغان) قاغانَ القسم الغربي هذا حتى عام 576م .
إنّ بومين قاغان تُوفّي في السنة التي أسّس فيها حكم الـ (كوك تورك)، وتعاقب أولاده الثلاثة على بناء قاغانية كبرى، فأوّلهم حكم سنة 553 م، وثانيهم بين سنتَي (553-572م)، وثالثهم بين سنتي (572-581م)، وفي عهد ثاني هؤلاء -وهو(موقان)- امتدت الدولة من(Mançurya) إلى إيران وغدت إمبراطوريةً قوية.
وبعد ذلك أمضت الدولة عدّة نزاعات بسبب عدم وجود خواقين (خاقانات) أقوياء من جهة، وتنازع الأقوام التي كانت تشكِّل الدولة فيما بينها من جهة أخرى، وبسبب الدسيسة الصينية بشكل خاص ما أدّى إلى انضمام القسم الشرقي الأساسي للدولة إلى حكم الصين سنة 630 م.
ومع مرور الزمن بدأت عدوى الحكومة الصينية تسري إلى القسم الغربي أيضًا، ولكنَّ السيطرة الصينية هذه لم تدم طويلاً، إذ إنّ (قطلوغ قاغان) أو (إيلتَريش قاغان) – فهو قاغان ذو اسمين- قد أنهى الحكم الصيني بين سنتي 680 – 682 م، وأعاد لمَّ شمل الدولة من جديد. وعندما توفِّي “إيلتريش قاغان” الذي عادت الدولة إلى سابق مجدها في عهده سنة 691 م تسلَّم عرشَه أخوه (قابغان قاغان: Kapgan Kağan).
وقد كان لإيلتريش قاغان ابنان هما (بيلكه: Bilge) و(كول تيكين: Kül Tigin) ولمّا يكونا قد تجاوزا الثامنة والسابعة من عمريهما، وعندما مات “قابغان قاغان” سنة 716م طالب أبناؤه بالعرش، ولكنَّ الأخوين بيلكه و كول تيكين قد حالا دون هذا الأمر، وسيطرا على دولة أبيهما بعد تصفية أبناء عمّهما، وأصبح بيلكه قاغان هو الملك.
وقد استطاع الأخوان أن يقوّيا الدولة أكثر فأكثر بمساعدة الوزير الشيخ (طونيوقوق) حمي بيلكه قاغان الذي بقي وزيرًا منذ عهد والدهما وعمّهما.
وفي سنة 731م توفّي (كول تيكين) ثمّ أخوه (بيلكه قاغان) سنة 734م.
وبعد وفاة هذا الأخير بإحدى عشرة سنة سيطر (الأويغور: Uygur) على
الدولة، وأنهَوا حكم دولة كوك تورك سنة 745م.
وقد عُثر في جوار أورخون على كتابات أخرى كُتبت بالخطِّ الروني، وعدد الكتابات ذوات البدايات الواضحة ستَّة، إلا أنّ أكبرها وأهمَّها هي هذه الثلاثة:
1] آبدة كول تيكين: وهي تعبير أبدي عن شعوره بالامتنان تُجاه أخيه البطل بيلكه قاغان الذي كان له إسهام من الدرجة الأولى في تنصيبه قاغانًا (خاقانًا)، وفي تقوية الدولة، وعن أساه العميق الذي رماه في جوٍّ من الوجد والهيجان. وإنّ بيلكه قاغان بحالته الروحانية هذه قد أشرف على إنشاء الآبدة، وأراد تجهيز الأثر بنفسه. ولقد نُقل الخطاب السامي المبارك الذي في الآبدة من فمه هو، فهو المتكلِّم المؤلِّف في الآبدة.
إنّ آبدة كول تيكين مُركَّزة على حجر قاعدةٍ مُجوَّفة كهيئة سُلَحفاة. وقد وُجدت مُهدَّمة ً عند هذه القاعدة في أثناء اكتشافها. هذا، وقد أصاب التخريب والمحو الأقسام التي بقيت مُعرَّضةً للرياح في أثناء وضعها المهدَّم. وأُعيد نصبها مكانها فيما بعد.
2] آبدة بيلكه قاغان: وهي في المكان ذاته وعلى بُعد كيلومتر واحد عن آبدة كول تيكين. وإنّها شبيهة بالأولى تمامًا من حيث الشكلُ والترتيب والبناء. لكنّ هذه أعلى من سابقتها بعِدّة سنتيمترات. والواجهة الشرقية منها ذات واحدٍ وأربعينَ سطرًا، والواجهتان الضيقتان كلٌّ منهما ذات خمسة عشرسطرًا، أمّا الواجهة الغربية ففيها كتابة صينية تعلوها الكتابة التركية لتعود من جديد، والكتابة الصينية قد تعرّضت للمسح بكاملها تقريبًا.
وقد نُصبت آبدة بيلكه قاغان عام 735م – بعد وفاته سنة 734م – من قِبَل ابنه، وبيلكه قاغان هو المتكلِّم في هذه الآبدة. وإنّ ثمانية الأسطر الأولى التي في الواجهة الشمالية من هذه الآبدة شبيهة بأسطر الواجهة الجنوبية لآبدة كول تيكين. وفي هذه الآبدة ثمَّة تدوينٌ للوقائع التي حدثت بعد وفاة كول تيكين أيضًا.
إنّ آبدة بيلكه قاغان مُهدَّمة ومُجزَّأة، ولذلك فإنّ التخريبات والمسح فيها كثيرةٌ جدًّا. والذي كتب هذه الآبدة هو أحد أفراد الأسرة (Yollug Tigin) الحاكمة. وفي كلتا الآبدتين هناك حيِّزٌ لتدوين كتابات يولّوغ تيكين وإضافاته، إلى جانب كلام بيلكه قاغان. وثمّة أنقاض أضرحةٍ حول هذه الآبدة، وبعض الهياكل وشواهد قبور وأحجار.
3] آبدة طونيوقوق: وهي في حالةٍ أفضل من حالة الآبدتين السابقتين. لم تُهدَم، وهي عبارة عن حجرين منتصبين لكلٍّ منهما أربعة أوجه، الأوّل منهما هو الأكبر، وهو ذو خمسةٍ وثلاثينَ سطرًا، أمّا الثاني فهو ذو سبعةٍ وعشرينَ سطرًا. والكتابات في الحجر الثاني أقلُّ عناية وأكثر تآكلاً. وإنّ الكتابات في هذه الآبدة ليست مرتَّبة كترتيبها في آبدتي كول تيكين وبيلكه قاغان، حيث إنّ الكتابة في هذه الآبدة من أعلى إلى أسفل، ولكنّ سطورها على عكس سطور الأخريين. وهنالك بقايا ضريح كبير وهياكل وشواهد قبور وأحجار عند آبدة طونيوقوق.
لقد نصب طونيوقوق – الذي اشترك في ثورة إيلتَريش قاغان وبقي منذ عهده حتى عهد بيلكه قاغان النائبَ الأوّلَ لإدارة الدولة، ورجلَ الدولةِ التركيَّ الكبيرَ، والقائدَ العامَّ للجيش – آبدتَه في أثناء شيخوخته. وهو المتكلِّم في هذه الآبدة، بل إنّه مؤلِّفها.
ويقال للأوابد الأورخونية الكتاباتُ الأورخونية. وهي كتاباتٌ لا ريبَ في ذلك، لكنّ هذه الكتاباتِ كتاباتٌ منقطعة النظير من الناحيتين المادِّية والمعنوية على حدٍّ سواء. ولذلك فإنّ خيرَ اسم ٍ يعبِّر عنها هو الأوابد الأورخونية.
إنّ اكتشاف أوابد أورخون واحد من أكبر اكتشافات البشرية، ولقد تكلّم المؤرِّخ الجويني في كتابه تاريخ جهانكشا في القرن الثاني عشر على الكتابات التي كُتبت بالحروف الأورخونية، وإنّ المصادر الصينية كانت قد أشارت إلى نصب هذه الأوابد منذ زمن بعيدٍ جدًّا. لكنّ الكتابات والأوابد ذات الحروف الأورخونية ظلّت مجهولة عالم العلم. وقد عُثر أوّلاً على كتابات (ينِيسَي: (Yeniseyوهي عبارة عن شواهد قبور عائدة إلى القرغيز، وتحتوي على عدّة أسماء من خلال بعض الكلمات. وكانت البداية على يد عالِم النباتات(Messerschmidt) الذي أعلن عن عثوره على لوح حجري مكتوب عليه بهذه الكتابة في وادي (ينيسي) سنة 1721 م. ولكنّ الذي شقَّ الطريق إلى الكتابات ذات الحروف الأورخونية وشدَّ انتباه عالم العِلم إليها هو (Strahlenberg) حيث كان هذا الضابط السويدي الذي أُسِر على يد الروس في حرب بولتافا (Poltava) سنة 1709 م، وسِيق إلى سيبيريا، واستمرَّ في المنفى ثلاثة عشر عامًا، وكان يبحث وينقِّب في الأماكن التي كان يتجوّل فيها بحرّية. وقد عاد (Messerschmidt)إلى وطنه عام 1722م، ثمّ قام بنشر نتيجة أبحاثه، وكان أشار في ما نشره إلى كتابات ينيسي المجهولة، ونشر بعضًا منها. ونشرُه هذا جذب انتباه عالَم العِلم فورًا، حيث بدأت كتابات ينيسي – التي يسبق تاريخُها تاريخَ الأوابد الأورخونية بقرن أو قرنين – بالظهور شيئًا فشيئًا.
وأخيرًا تمكّن العالِم الروسي (Yadrintsev) من العثور على الكتابات الأورخونية عام 1889م، وقد اكتُشِف فيما بعد أنّها آبدتا كول تيكين وبيلكه قاغان. وبناءً على ذلك تمَّ إرسال لجنة فنلندية برئاسة هيكل بين سنتي 1890 و1891 م إلى الموقع، كما تمَّ إرسال بعثة علمية روسية برئاسة رادلوف إلى الموقع نفسه، وكلتا الإرساليتين دققت النظر في الآبدتين عن كثب، وعادت بعد التقاط الصور. وقد تمّ توزيع الصور الدقيقة التي التقطتها اللجنة الفنلندية على المراكز العلمية في أوربا. كما قامت اللجنة عينُها بنشر الصور في أطالس كبيرة، وبعد هذه الأطالس تسارعت محاولات قراءة الآبدتين من قِبَل (Radloff). وكذلك فعل العالِم الدانِماركي (Thomsen) الذي استطاع قراءة كتابات أخرى أيضًا، وبعد مدّة قصيرة في عام 1893م وُفِّق في قراءة الكتابة الأورخونية، إذ إنّه حلَّ أوّلاً الكلمات: (تنكري[3] – تورك[4] – كول تيكين) الكثيرة الورود في الأوابد، وبذلك بلغ مبلغ الفضل الأبدي بالنسبة إلى الأُمّة التركية.
وبعد هذا الحلّ دخل كلٌّ من (Thomsen) و(Radloff) في سباق حول
قراءة الأوابد وترجمتها، والعلماء الآخرونَ تتبّعوا ذلك، ولم يخفَّ الاهتمام بهذه الأوابد التركية العظيمة حتى زماننا، حيث أُجريت أبحاثٌ حول هذه الأوابد بكلِّ اللغات تقريبًا من أمريكا إلى اليابان، وفي أوربا والعالم المتقدِّم، ستَّة منها كبيرة، وهي كتابات حديثة على شكل نصوص وذات حروف أورخونية. وتعاقبت المنشورات، وكان آخرَها[5] ما قام به العالِم التركي الشابُّ (طلعت تكين) في الولايات المتّحدة الأمريكية، إذ قام بنشر جديدٍ لقواعد اللسان التركي الأورخوني وكتابته بشكلٍ ممتاز.
وأخيرًا أصبح موقع أورخون مسرحًا للتنقيبات الأثرية، وعُثر هناك على مئات الهياكل وشواهد القبور والآثار المختلفة وأطلال مدن. وفي هذه الأثناء عثر العالِم على تمثال رأس كول تيكين، وسلّط عليه الأضواء.(L.Jisi) التشيكوسلوفاكي
واليوم أصبحت عناوين الأبحاث التي أُجريت حول الكتابات الأورخونية بحدِّ ذاتها تشكِّل كتابًا بحدّ ذاته.
وهناك من قال إنّ الأوابد الأورخونية منظومة، حتى إنّ أحد العلماء الروس قام بتجربةٍ واسعة النطاق في هذا المجال، ونشر الأوابد منظومة. ولكنَّ هذا ليس صحيحًا بالطبع، إلا أنه جديرٌ بالاهتمام من حيث إبرازُ لغة الأوابد وموسيقا أسلوبها.
في الحقيقة إنّ الأوابد الأورخونية البعيدة في يومنا هذا عن تركية آلاف الكيلومترات في وطن الترك القديم، في مُغولستان (منغوليا) الحالية تسمو رفعة ً وكأنها أصابع الشهادة للانتماء التركي. وإنّ غسلَ الروح من خلال قراءة هذه الأحجار المباركة بشغف، والتفكير العميق بكلّ كلمةٍ فيها، والنظر بخشوع إلى رسومها عبادةٌ قومية بالنسبة إلى كلّ تركي.
[1] – ما يقصده المؤلّف هو أن هذه الأوابد أقدم أثر متكامل مُكتشف إلى الآن للغة الكتابة التركية، أي أنّ هذه الأوابد ذات لغة متكاملة لا بدائية، و هذا يدلّ على أنّ تاريخ الكتابة التركية أقدم من تاريخ كتابة هذه الأوابد. (المترجم)
– أي وقت اكتشاف هذه الأوابد. (المترجم)[2]
[3]– :Tengri أي الله (المترجم)
[4]– :Türk أي تركي (المترجم)
[5]– أي في زمن قيام المؤلف بهذا البحث. (المترجم)