بقلم: عبد السلام كمال أبو حسن
أنقرة (الزمان التركية) في ليلة الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا منتصف يوليو/ تموز الماضي كان للإعلام التركي دور أساسي، بل كان صاحب الفضل الأول في دحر الانقلاب في هذه الليلة، فبعد أن سيطرت قوات الجيش على قنوات الدولة وبثت خبر الانقلاب، بادرت بعض القنوات الأخرى بالاتصال بالرئيس رجب طيب أردوغان وبثت كلمته التي حث فيه الناس على النزول إلى الشوارع والوقوف في وجه هذا الانقلاب الفاشل.
وتبادر للأذهان سؤال:” كيف ترك الانقلابيون هذه القنوات تذيع خطابات الرئيس ورئيس الوزراء كما تريد دون أن تتعرض لأي شيء من جانب الانقلابين؟
لماذا سيطرت فقط قوات الانقلاب على قناة واحدة ولمدة ساعتين وتركوا جميع القنوات الأخرى؟
لو رجعنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن الإعلامين في تركيا استخدموا مصطلحا مشهورا بالتركية اسمه الحوض الإعلامي (havuz medyası) والمقصود به هي القنوات التي تخضع تحت سيطرة الرئيس التركي وتحت مراقبته والتي يتم اختيار المتحدثين فيها وقف سياسة تتبناها الحكومة التركية، حيت توجه المذيعين لمواضيع معينة وتختار محللين محددين. وهذا ما قاله نائب رئيس مجموعة الشعب الجمهوري ليفينت جوك قبل ذلك: “إنه لم يعد هناك إعلام حر في تركيا”.
وبالأمس قال محمد زاهد جول وهو كاتب وباحث تركي مقرب من الحكومة في تركيا، في ندوة حول الإعلام والسياسي…أية علاقة؟: “إن الإسلاميين في تركيا ممثليين في حزب العدالة والتنمية قد استحوذوا بشكل كبير على الإعلام بنسبة تصل إلى 80% وذلك يرجع إلى شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان”.
وهذا التصريح بمثابة اعتراف بأن الإعلام المؤثر في تركيا أصبح صوتا للحاكم، لذلك نجد أكثر القنوات والجرائد في تركيا عندما يكون هناك خبر يتشاركون نفس عنوان الخبر، حتى إن الشعب التركي لا يكاد يعرف شيئا عن الطرف الآخر وهو المتهم وعن كلام الداعية فتح الله كولن، المتهم من جانب السلطات بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، عن تشكيل لجنة دولية للتحقيق في أحداث الإنقلاب، وأنه سيرضى بأي نتائج تصدر عن هذه اللجنة، إلا أن الإعلام التركي لم يذكر أو ينقل أي شيء من هذا الكلام إلى القارئ التركي.
في حين أن أكثر الاستفتاءات تقول:”إن 80 % من الشعب التركي يعتقدون أن حركة الخدمة هي من تقف خلف الانقلاب، وباعتراف زاهد جول بأن 80% من الإعلام تحت أيدى الحكومة يتضح لنا من يشكل عقل الشعب التركي ويوجهه في اتجاه معين”.
وكان التليفزيون الرسمي منذ عام 2010 لا يستضيف أي أحد من فصائل المعارضة وهو ما عبر عنه كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري؛ أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أثناء استضافته على قناةTRT التابعة للدولة بعد أحداث الانقلاب في تركيا قائلا: “لا أدري ما إن كنتم ستعطوننا فرصة الحديث على شاشاتكم إن لم يكن قد وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة هذه”.
ثم إن المتابع للإعلام التركي سيجد أن الإعلام دائما يعمل على ابقاء الشعب في حالة ثورية دائما وكأن الانقلاب مازال مستمرا، فينقل أخبار هذا الانقلاب سواء كانت حقيقة أو كاذبة فنجده ينقل أخبار أن هذا الرجل وقف بمفرده أما رتل من الدبابات، ولم ينقل الإعلام القبض على كبار السن المقبوض عليهم لحين تسليم أبنائهم أنفسهم، أو القبض على الزوجات لحين تسليم الزوج نفسه. فهذا التضليل الذي يمارسه الإعلام هو تطبيل للحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان فلا تكاد تلمس أي أخبار تتحدث عن الاتفاقات مع اسرائيل أو مع روسيا ومناقشة موقف الحكومة منها، وهل ما فعلته الحكومة قبل ذلك كان صحيحا أم خطأ؟ ومن يتحمل السياسة الخاطئة؟ أو ينتقد الحكومة والرئيس رجب طيب أرودغان في أي شيء.
ويأتي هذا التضليل للمواطن التركي في ظل إغلاق كثير من القنوات التليفزيونية التي تجاوزت 16 قناة و23 إذاعة 45 صحيفة 29 دارا للنشر، ليعيش الشعب التركي معزولا عن كثير من الأخبار الحقيقة التي لا يستطيع الوصول إليها.