بعد أن أتهم ديمتري بيسكوف المتحدث بأسم الكرملين ايران بعرقلة مفاوضات الاستانة بسبب رفضها مشاركة الولايات المتحدة بالمفاوضات، وهى الرصاصة وليس التصريح الذى أتى بعد مرور ايام قليلة من رصاصة وزير الخارجية سيرجي لافروف عندما قال: “لولا تدخلنا لسقطت دمشق خلال أسبوعين أو ثلاثة” فى تصريح من الخارجية الروسية التى تعي معنى الكلام جيدا، فى رسالة واضحة منها موجهة لطهران قبل دمشق، فى ظل الطلعات الجوية المشتركة بين المقاتلات الروسية والتركية فى مدينة “الباب” بالتزامن مع تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو الذى قال إن الجيش التركي سيتوجه نحو مدينة الرقة بعد مدينة الباب، وتأتى تلك المشاهد النارية السريعة بعد أن طالبت روسيا بخروج جميع المليشيات من سوريا بما فيها أذرع ايران، وهو الامر التى قد ساوم عليه اردوغان مقابل كبح جماح مليشيات المحور التركي السعودي القطري، قبل أن يكون العدو اللدود محمد علوش أحد المؤسسين لـ”جيش الإسلام” إلى جانب قائده الراحل زهران علوش هو المتحدث باسم المعارضة السورية فى الاستانة، وهنا يتأكد لنا أن ايران كانت محقة وقت أن أستشعرت القلق مع بداية التدخل العسكري الروسي فى سوريا وأنها استشعرت أن ذلك التواجد الدائم لروسيا بسوريا سيكون فى وقت ما على حساب ايران نفسها بعد أن ينهي التواجد الروسي الادوات الغربية بسوريا.
وعندما أجبنا على سؤال لماذا روسيا ستقيم محادثات جديدة بالاستانة؟ غير إنهاء دور جنيف (أمريكا) وتشتيت المليشيات والمعارضة السياسية ببعضها البعض، قلنا نصا إن الاستانة ستختصر اللاعبين الرئيسيين بالملف السوري على اثنين فقط هما بوتين واردوغان، بعد أن أمسكت موسكو بكل الخيوط على المسرح السوري، وباتت تركيا هى خنجر بوتين فى ظهر حلف الناتو وليس العكس كما هو الدور الموكل لتركيا، فأكبر الرابحين بالاستانة هى روسيا وأكثر المتضررين هى سوريا، بينما منحت لاردوغان معادلة جديدة كي يناور بها مع اصدقائه ويساوم بها أعداءه، خاصة بعد أن رفضت موسكو استكمال تحرير باقى سوريا بالحسم العسكري، كما حدث فى حلب وكما كان متفق عليه مع طهران ودمشق، كما أن حصريات نقاش المعارضة السورية فى الاستانة ستكون أبرزها هى تثبيت وقف اطلاق النار، وارسال مواد طبية الى بعض المناطق التى تدور فيها المعارك وهى أمور تمنح المليشيات اسلحة جديدة وليس مواد طبية، وتمهلها مزيدا من الوقت وامكانية التقاط الانفاس.
فمن كان يتصور يوما بعد أن أسقطت تركيا القاذفة الروسية بنوفمبر 2015 ان تتفق موسكو وأنقرة على شن غارات مشتركة على تنظيم داعش فى مدينة الباب، حقيقة الامر كل ما بكواليس الاستانة بات واضحا كالشمس، ماعدا أمر واحد هو الاكثر أزعاجا للسوريين والمعنيين بالامن القومي العربي، الا وهو مصير مدينة “الباب” بعد توغل الجيش التركي بها، فهل ستسلم مفاتيح شمال سوريا كمدينة الباب والرقة ومنبج وغيرها لتركيا فى ظل استمرار اعطاء بوتين الضوء الاخضر للسلطان اردوغان بالتقدم نحو شمال سوريا، ام سنرى انقلابا جديدا بطاولة الاحداث قد يغير شكل الخريطة مجددا، بعد ما يعانيه الجيش التركي من استنزاف بمدينة “الباب” ودفع اردوغان فاتورة تحريرها نيابة عن الجيش السوري.
علينا أن نتأمل المشهد السوري جيدا ونحن نتجه نحو ليبيا بحكم سرعة الاحداث المتزامنة بها، وبعد أن باتت روسيا طرفا أساسيا فى المعادلة الليبية أيضا، ولو أرادتم مشاهدة وضع الحرب الليبية اليوم عليكم مشاهدة الفيديو الذى اعرب المبعوث الاممي مارتن كوبلر عن استيائه بسبب تسريبه، وهو الفيديو الذى يتم فيه توبيخ مارتن كوبلر بأشد العبارات والاتهامات الصريحة من علي القطراني ورفاقه أثناء أجتماع مالطا، بالتزامن مع وصول رئيس الأركان المصري الفريق محمود حجازي لدولة الامارات العربية المتحدة أحد أهم أضلاع دعم مصر مصر30يونيو2013 وليبيا 16مايو2014، بعد لقائه بالمشير خليفة حفتر بالقاهرة.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط