بقلم: عبد السلام كمال أبو حسن
ظهر على الساحة السياسة في الأزمة الأخيرة في تركيا من ينادي الخدمة بأن تعيد النظر وتقنن وضعها السياسي، والذي دفعهم إلى قول هذا أن الخدمة ليس لها حزب سياسي يلتف حوله الناس يسعى للوصول إلى الحكم، والغموض حول فكرة العمل السياسي في الخدمة فلا الخدمة تمارس سياسة بمفهوم أهل السياسة، ولا هي تمارس نشاطًا دعويًا بمفهوم أهل الدعوة على حسب قولهم ، وأن من دستورها أعوذ بالله من الشيطان والسياسة.
وحتى نجيب على هذه النقاط لابد أن نرجع إلى كتب الأستاذ فتح الله كولن وننظر لمفهوم السياسة عند أهل الخدمة :
فنجد مثلا في كتاب الموازين أو أضواء على الطريق مقالات وومضات وموازين للمفهوم السياسة عندهم فيقول: “الذين يعتقدون أن السياسة عبارة عن حزب ودعاية وانتخابات وصراع للوصول إلى الحكم مخطئون. لأن السياسة عبارة عن صورة واسعة لفن إدارة الجماهير وإرضائها بحيث تتماشى مع رضا الحق تعالي وتتنظر للحاضر وللمستقبل في آن واحد”.
من خلال هذا التعريف نجد أن الأستاذ فتح الله كولن قد أتى بمفهوم جديد للعمل السياسي مغايرًا للمفهوم المتمثل في الأحزاب والصرع القائم بينهم للوصول إلى سدة الحكم، وأخرج هذا المفهوم من الدائرة الضيقة التي كان يعيش فيها طول عقود إلى دائرة أوسع وأشمل، بحيث لا يكون هدف حركة الخدمة الذي تعمل من أجله هو الوصول إلى الحكم كبعض الجماعات الموجودة على الساحة حاليا، بل هدفها هو تربية جيل يسعى هذا الجيل لكسب رضا الله أولاً، جيل يستفيد من التجارب السابقة وينقها بما يتناسب مع الشرع والوقت الحاضر ويمهد الطريق للأجيال القادمة، فالخدمة تعمل في الأساس على تربية الفرد وهذا الفرد سيشكل أسرة وهذه الأسرة لبنة في صرح الأمة، وبالتالي ستمارس هذه الأسرة واجبها في دولتها من تقويم الحاكم ونصرة الضعيف ومساعدة المحتاج.
ولذلك عندما نجده يتكلم عن هذه النقطة يقول: “إذا كان كل بيت مدرسة تعليم وتربية للأفراد، وكانت كل مدرسة معسكرًا صغيرًا يبث الروح العسكرية، وكل معسكر مجلسًا يتم فيه بحث شروط بقاء الأمة وأمنها، وكل مجلس مختبرًا اجتماعيًا
يقوم حسب وظيفته وصلاحيته بفحص وتقييم كل مسألة ترد إليه في ضوء فكر الأمة وروحها… مثل هذه الأمة تملك أفضل كادر سياسي وإداري”.
إذا المشكلة ليست في الخدمة وفي فهمها للعمل السياسي القائم على مراقبة الدولة وتقويم الحاكم إذا حاد عن الطريق، بل فيمن قصر العمل السياسي فقط من خلال الأحزاب والبرامج الانتخابية وكرسي الحكم وجعل العمل السياسي بهذه الطريقة قاعدة محكمة ثابتة، فالخدمة لا يعنيها كل هذه المصطلحات بقدر ما يعنيها التربية والتعليم، التربية التي ستنتج السياسي المحنك الذي يجعل غايته رضا الله أو المجتمع المثالي الذي ينشده الأستاذ، وفي ذات الوقت يقوم كل شخص في الخدمة بواجبه السياسي الذي أعطه له الشرع أولا والدستور ثانيا.
ولذلك عندما نجد أحد من محبي الأستاذ فتح الله كولن أو الخدمة في مؤسسة من مؤسسات الدولة هذا أمر عادي لأنه في النهاية فرد من هذه الدولة.
ويجب أن نفرق بين النشاط الدعويى والنشاط التعليمي التربوي والنشاط الإغاثي والنشاط السياسي في الخدمة، فكل هذه الأنشطة تسعى لغاية واحدة وهي كسب رضا الله ولكن كل نشاط له طريقته وله إسلوبه الخاص.
ولذلك نجد مثلا قنوات الخدمة التي أغلقها أردوغان منها القنوات الدينية ومنها القنوات التعلمية والقنوات الإخبارية السياسة التي تناقش مشاكل الأمة، ولكن لم نجد مثلا القنوات الدينية تتكلم في السياسة لأن هذا ليس غايتها وليس هدفها، أما القنوات الإخبارية السياسة فكانت تقوم بدروها من المراقبة، وهذا لم يعجب الحاكم فكان المطلوب منها أن تصمت، ولو تخلت الخدمة عن مبادئها وصمت لفتحت قنوات أخرى ولسهل لها الكثير ولكانت حركة مقربة من الحاكم، ولكن كما قال الأستاذ فتح الله كولن قبل ذلك: “إن أي مؤسسة لا تقربكم من الله فخذوا المعول واهدموها لأنه نقمة وليست نعمة”، لأن المؤسسات في حركة الخدمة وسيلة وليست غاية.
إذا نشاط الخدمه السياسي قائم على المراقبة والمساءلة فقط، لا تسعى لسلطة ولا منصب، تطبق وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كلفنا الله بها، مستمدة ذلك من قول سيدنا أبوبكر عندما ولي الخلافة: “إن أحسنت فأعينوني؛ وإن أسأت فقوموني”.
ولنختم بهذه المقولة للإستاذ فتح الله كولن: “نظرًا لأن الكثير من الناس في أيامنا الحالية يرى أن اللعب السياسة اليومية ليست سوى استفغال للناس وخداع لهم وصراع من أجل المنافع والمصالح وتصوير كل الأمور غير المشروعة وكأنها أمور مشروعة، لذا نرى أن الذين يريدون الاحتفاظ بحياتهم القلبية والوجدانية والفكرية سليمة، والاحتفاظ بعلاقتهم وارتباطهم مع الحق تعالى قوية يفضلون الابتعاد عن كل حركة سياسية ويرون هذا أمرا ضروريا. ولكن هيهات! إذا أين السياسة المتعلقة بالحق والعدل والمرتبطة معها ارتباطًا لا ينفصم عن السياسة الغارقة في مستنقع الكذب والخداع”.