(الزمان التركية) فى عالم السياسة لا مكان للصدف، وبعالم الإرهاب والقتل لا مجال للاستعراض، فكل عملية ارهابية فى أي دولة أياً ما كانت رسالة لطرف او لنظام او لطائفة او جهاز استخبارات ..الخ، وفى ظل استمرار الهجمات الارهابية فى أكثر من منطقة بالعراق كان أخرها بـ سامراء، أطل علينا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ببغداد وبمؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فى زيارة غير مخطط لها، وبعد ساعات من اتصالات هادئة بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، صرح نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش بأن رئيس الوزراء بن على يلدرم سيزور بغداد واربيل الخميس القادم، وبعيدا عن التصريحات الرسمية والمانشيتات التقليدية التى نقرأها فى تلك المناسبات، دعونا نقراء بأعيننا حقيقة المشهد الذى يدور بالعراق وما حولها.
فمن خابت آمالهم فى سوريا، ولم يعد فى يدهم أي ملف يضعهم فى مقعد التفاوض ووضعية الندية، يتجهو نحو الملف العراقي، والبداية كانت بتصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير الذى صام عن مطالبته بخروج بشار من الحكم لفترة ليست بالقليلة، فى واقعة تعد غير طبيعية على الجبير منذ ان تقلد منصبه، ووجه تصريحاته نحو العراق دون أي مقدمات، واليوم فرنسوا هولاند ببغداد بعدما لم تطل باريس اي قطعة من الكعكة السورية، وما عليها الان الا ان تنتظر المرحلة التى تبدأ فيها اعادة اعمارها.
واذا كان الارهاب يضرب العراق وتركيا بتوقيتات واحدة ولنفس الاسباب تقريبا، فكان طبيعيا ان تشهد العراق تلك الهجمات الارهابية الشرسة، كما تشهد تركيا تلك الهجمات بسبب الطاولة التى جمعتها مع موسكو وطهران دون اي طرف اخر، وبعد ان خدع أردوغان الرياض مجددا.
فلولا تحرير حلب لما التزم السلطان العثماني الجديد الهدوء وسماع كلام القيصر، حتى بات اردوغان هو من يحارب داعش فى شمال سوريا، وهو الامر الذى اتى عليه بمردود سلبي داخل تركيا نفسها، وتجلي ذلك فى التفجيرات التى شهدتها تركيا بالاسابيع القليلة الماضية واخرها كان تفجير ملهى “رينا” في إسطنبول ليلة رأس السنة، فأردوغان تخلى عن فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وبوتين اخرج لواء السلطان مراد (احد اذرع الاستخبارات التركية) من قوائم الارهاب، واعطى الضوء الاخضر للقوات التركية للتحرك من كاراكميش واوغوزلي نحو الشمال السوري، وبعد تعرض اردوغان لطعنات من واشنطن بات هناك طريق واحد تركيامفتوح أمامه، وهو الطريق نحو موسكو، وبعد مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف فى تركيا بات اردوغان مجبرا على تقديم تنازلات لبوتين وليس الانصياع لأوامره فقط، حتى باتت جميع الاطراف بسوريا تعلم ملامح شكلها فى الغد وما بعد الغد، ما عدا الاكراد، فبعد ان تخلى عنهم الجميع، وتم تركهم بمفردهم لمواجهة الالتاي (الدبابة التركية) تخلى اكراد سوريا عن مشروع “روج افا” (غرب كردستان) مجبرين واستبدلوه بما يسمى “شمال سوريا” فى ظل الترويج على انه مشروع يشمل جميع طوائف الشمال السوري، وبالتأكيد سيأتى ملف الاكراد اولى اولويات بن على يلدريم أثناء زيارته لبغداد واربيل، لكي يتضح شكل نهائي لملامحه.
وكما نحت الاستانة ( التى تقودها القطب الجديد روسيا) جنيف (من كان القطب الاوحد) جانبا، كذلك نحى تحرير حلب العديد من المستعمرين القدامى خارج معادلة الشرق الاوسط الجديد، ومن الصعب ان يوجد لهم مكان حتى في ليبيا وأن ارادوا، ولا نبالغ لو قلنا ان اتفاق الصخيرات المزعوم الذى وضع الشعب الليبي تحت وصايا حامد كرزاي ليبيا فايز السراج، بات فى نفس النعش الذى وضعت فيه جنيف، خاصة بعد تقدم نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية موسى الكوني باستقالته، وتحميل المجلس الرئاسي مسؤولية كل المآسي التى حدثت طيلة العام الماضي من قتل ودمار وخطف واغتصاب.
حقيقة الأمر، هي أن تحرير حلب غير كثيرا من خريطة سايكس بيكو التى رسمت منذ مئة عام، فمن حلب صحح فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف أخطاء سيرغى سازانوف، وان التداعيات لن تقف عند حدود الشام او العراق فقط، فالامر سينعكس على ليبيا مؤكدا، خاصة وأن سقوطها أكد للروس ان ما يحدث بالشرق الاوسط ليس بثورات تحرر ديمقراطي، بل فوضى خلاقة صنعتها الولايات المتحدة، وهو الامر الذى أكده بوتين أثناء الحوار التلفزيونى الذى أجراة يوم 17 ابريل2014، عندما قال “أن العلاقات مع الولايات المتحدة انتهت بعد الاحداث فى ليبيا، و ليس بعد احداث شبه جزيرة القرم”
أرى ان تداعيات ما يحدث الان ستطول دول اخرى لم تتخيل يوما ان تكون محلها فى الاعراب “مفعول به” بعد أن قدمت كل القرابين للعم السام كي تكون دولا محورية فى الشرق الاوسط الجديد.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط