أنقرة (الزمان التركية) – مازال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينتظر أن يفكر الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب في إدراجه على قائمة اتصالاته الهاتفية بعد أن بادر إلى التواصل مع حلفاء اميركا التقليديين، كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز والامير محمد بن زايد آل نهيان. والتقى الملك الاردني عبد الله في الحفل الديني السنوي وجرى نقاش بينهما حول المناطق الآمنة في سوريا.
ويرى أردوغان، من وجهة نظره، أن مناقشة موضوع المناطق الآمنة لا تتم مع العاهلين السعودي والاردني، بل معه هو بالتحديد، لأن تركيا هي التي طرحت الفكرة منذ بداية الحرب في سوريا، كما أنها تخوض اليوم حربا ضد ارهاب «داعش» وحزب العمال الكردستاني، كما تقول حكومتها. ولا يشعر أردوغان بالارتياح من كل ما يدور في كواليس السياسة الغربية.
في الوقت نفسه، فإنه على الرغم من تحسن العلاقات مع روسيا فإن المسؤولين الاتراك يحاولون الاعتراض على مسودة الدستور السوري، التي اقترحتها موسكو للنقاش في مؤتمر أستانة الأول. إذ تضمن اقتراح روسيا حكما ذاتيا كرديا في سوريا الموحدة، ما أثار حفيظة تركيا، لاسيما وأن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي التركي صلاح الدين دميرتاش يقبع في السجن، الى جانب عشرة من نواب كتلته البرلمانية، لانه دعم حكما ذاتيا كرديا ضمن تركيا الموحدة. وهو متهم بدعم ارهاب حزب العمال الكردستاني، الذي اصبح يملك اسلحة نوعية تثير شكوك تركيا. ولم يلق استقبال روسيا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري استحسان تركيا، لكنها لم تقدم احتجاجا رسميا، فهي لا تريد أن توتر علاقتها مع موسكو، في ظل تأزم علاقاتها مع الغرب، الا انها تخشى توافقا اميركيا روسيا حول هذا الموضوع.
اقترحت واشنطن مشاركة الاكراد في حل الموضوع السوري. وايدت علمانية سوريا، على عكس تركيا والمعارضة السورية.
وتبدو التناقضات واضحة بين ما تريده واشنطن في سوريا وما تخشاه تركيا، التي لا يبدو انّ بإمكانها تغيير الوقائع أو اقتراح حلول، بينما ترى المعارضة السورية المشاركة في الاستانة، بأن الموقف التركي ضعيف ولا يمكنه الحسم.
وكانت واشنطن اوضحت لتركيا بشكل علني، موقفها بما يخص معركة الباب وعملية درع الفرات. وطالبت بعدم تقدم الجيش التركي اكثر من 20 كلم جنوبا في الاراضي السورية، بعد أن كان أردوغان قد صرح بأن قواته والجيش الحر ستحتل منبج، لكنه ما لبث ان تراجع اثناء زيارته الى تنزانيا واوضح أن القوات التركية ستنهي مهمتها دون الذهاب جنوبا، فهو يعلم بان القوات الاميركية المتحالفة مع القوات الكردية، لن تتهاون بشأن هذا الموضوع. فالمعركة التي تخوضها القوات التركية مع الجيش الحر في الباب، تتم باسناد من قبل الولايات المتحدة وروسيا ولم تستطع القوات التركية التقدم بعد الى داخل المدينة.
حاول أردوغان كسب القاعدة القومية، التي صوتت الى جانبه على التعديلات الدستورية في البرلمان، عبر استعادة المعارك مع حزب العمال الكردستاني ورفضه مشروع الحكم الذاتي الكردي، في سوريا. كذلك، نجح في توظيف عملية درع الفرات في الحرب على الارهاب وعلى الاكراد. بيد أن التطورات في سوريا وانعكاساتها على الداخل التركي، لا تبدو في مصلحته. ما يطرح اسئلة حول الاستفتاء على الدستور والنظام الرئاسي، الذي يعتقد انه سيتم في شهر أبريل/ نيسان المقبل، مع ما يتواتر من مواقف اميركية حول اتهام الاسلام السياسي بالارهاب.
على صعيد آخر، جاءت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتركيا الخميس الماضي لبحث مسائل امنية وسياسية، بعد التوتر بين تركيا واليونان في جزيرة كارداك، المتنازع عليها بين البلدين، ما حمل المفوضية الأوروبية على دعوة تركيا الى «الاعتدال» بعدما برزت الاسباب الكامنة وراء هذا التصرف وهو غضب تركيا من قرار المحكمة العليا في اليونان في 26 كانون الثاني، بعدم تسليم ثمانية مسؤولين عسكرييين اتراك، طلبوا اللجوء السياسي الى اليونان بعد الانقلاب الفاشل في تركيا. اذ يخشى القادة الأتراك أن يصبح رفض اليونان قاعدة وامرا عاديا. وكان وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو، صرح بانه سيتم اعادة النظر في جميع المعاهدات والاتفاقات مع اليونان.
ولم تؤد زيارة ميركل الى حل عقدة أردوغان، فيما يخص جماعة فتح الله غولن. فانقرة تريد من برلين تسليمها اثنين من أعضاء النيابة العامة رفيعي المستوى، مع 36 مسؤولا عسكريا تركيا طلبوا اللجوء الى المانيا، بعدما استدعتهم الحكومة التركية من مراكز عملهم في حلف «الناتو» تتهمهم أنقرة من أنهم من أتباع غولن. وصرحت المستشارة الالمانية بأن المحاكم الالمانية تدرس هذه القضية. وتعهدت بأن يتم احترام «التقييم المحايد من المحاكم الألمانية» داعية تركيا إلى تقديم أدلة على تورطهم في محاولة الانقلاب. فيما دعت الى التعاون لمحاربة الارهاب وطالبت الحكومة التركية باحترام الفصل بين السلطات في الدستور الجديد والسماح بحرية الرأي واحترام حرية القضاء والديمقراطية. لكن أردوغان اتهم المعارضة التركية بنقل صورة خاطئة عن الدستور. واعرب عن قلقه إزاء أنشطة حزب العمال الكردستاني وحركة الخدمة وحزب التحرير الشعبي الثوري – في المانيا.
وفيما استعملت ميركل عبارة «الارهاب الاسلاموي»، اعترض الرئيس التركي وقال: إن هذه الكلمة «تزعجنا كمسلمين وانا كرئيس مسلم لا اقبل ذلك والاسلام دين سلام».
لكن ميركل اشارت الى أان الجدل الدائر حاليا، في اروقة السياسة الغربية، بشأن استخدام مفهومي «إسلامي» و «إسلاموي»، أي الاسلام كدين والاسلام كسياسة، هو مسألة جدية. وهذان المفهومان شكلا موضوع نقاش تم تداوله خلال الانتخابات الاميركية، في مناظرات الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومنافسته هيلاري كلينتون.
تشدد ادارة ترامب على انها مصممة على مواجهة كل «الأيديولوجيات العنيفة» وستركز فقط على التطرف الإسلامي، حيث سيتم تغيير برنامج «مكافحة التطرف العنيف»، بـ«مكافحة التطرف الإسلامي الراديكالي» واستثناء مجموعة من العنصريين البيض، الذين يقومون بأعمال قاتلة وارهاب.
لا يبدو رهان أردوغان على ادارة ترامب صائبا، فهو يعتقد ان الرئيس الاميركي سوف يسلمه اسلاميا معتدلا بالنسبة الى الاميركيين، كفتح الله غولن. فيما تسعى هذه الادارة، الى التمييز بين الاسلام كدين والاسلام كسياسة. وهذا يطال كل حركات الاسلام السياسي ورعاته، في الوقت الذي تصر فيه الولايات المتحدة على صفة العلمانية مقابل الاسلام السياسي. يسعى أردوغان الى تغيير الدستور، بعد اضعافه للعلمانيين والحد من تأثيرهم في مستقبل تركيا والشروع في تغيير النظام السياسي.
المصدر: صحيفة البناء د. هدى رزق