إسطنبول (الزمان التركية) – فرضت السلطات التركية حظر النشر على الأخبار الخاصة بالتفجير المزدوج الذي هزّ مدينة إسطنبول ليلة أمس السبت، وأسفر عن استشهاد 38 شخصًا، معظمهم من أفراد الأمن، كما دأبت على ذلك في كل الهجمات الإرهابية التي شهدتها تركيا في السنوات الثلاث الأخيرة، وهو الأمر الذي يعتبره محللون رقابة على الصحافة ومانعًا لظهور الحقائق الخاصة بالتفجيرات وهوية منفذيها.
وعلى الرغم من ضخامة الهجوم الإرهابي الغاشم واستشهاد وإصابة هذا الكمّ الكبير من أفراد القوات الأمنية والمواطنين المدنيين، إلا أن وسائل الإعلام الموالية والخاضعة لحكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان غضّت طرفها عن هذه الحادثة المهمة ولم تر جدية بنقلها إلى قراءها عبر افتتاحياتها.
ومع أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الدولي بل حتى صحيفة ماركا الرياضية الإسبانية أولت اهتمامًا بالتفجيرين الدمويين في إسطنبول، ونقلت المعلومات الخاصة بهما إلى قراءها من خلال افتتاحياتها وعناوينها الرئيسة، غير أن كل الصحف الواقعة تحت سيطرة الحكومة وأردوغان أفردت افتتاحياتها لفرض النظام الرئاسي، وسنّ دستور جديد من أجله، ولم تتطرق إلى حادثة التفجير الغدار إلا من خلال عناوين فرعية، الأمر الذي أثار استياءً كبيرًا لدى الرأي العام.
هذه هي عناوين أمهات الصحف الصادرة اليوم:
صحيفة صباح: الجمهور مستعد للقاء مع رئيسه!
صحيفة يني عقد: انتهاء عمر نظام الوصاية!
صحيفة جونيش: هنيئاً الدستور الجديد!
صحيفة أقشام: ها هو دستور الأمة!
صحيفة تركيا: الخطوة الأولى نحو العهد الجديد!
صحيفة: ليلة الفخر والكرامة! (بسبب عرض الدستور الجديد من أجل النظام الرئاسي)
صحيفة مليت: المقترح الدستوري في المجلس!
صحيفة يني شفق: حزمة الدستور الجديد في المجلس!
وقد كتبت الصحف ووكالات الأنباء الدولية منذ اللحظات الأولى من التفجير مقتل عشرات من القوات الأمنية والمواطنين الأمنيين ولفتت إلى احتمالية ارتفاع عدد القتلى والجرحى، بينما المواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية الخاضعة للحكومة اكتفت حتى الساعات المتأخرة من ليلة السبت بالإشارة إلى إصابة 20 شخصًا بالجروح فقط، وأكدت ضرورة الانتظار حتى تصدر تصريحات رسمية من الحكومة.
والطامة الكبرى هي أن عديدًا من الكتاب الصحفيين الموالين للحكومة استغلوا هذه العملية الإرهابية الدموية وراحوا يقومون بالدعاية لصالح أردوغان والنظام البرلماني الذي يحلم به، حيث زعموا أن الإرهابيين استهدفوا النظام الرئاسي وحركة الخدمة هي من تقف وراء الهجوم. فقد نشر الكاتب الصحفي المقرب من أردوغان في صحيفة صباح الموالية جميل بارلاس تغريدة على حسابه في تويتر زعم فيها “أن الإرهابيين احتجوا على النظام الرئاسي؛ لذا على الجميع إعادة النظر في موقفه من هذا النظام”، بينما قال صاحب حساب eski_istanbulum@ “يجب تصعيد حدة حالة الطوارئ وتصفية كل من يقف أمام الرئيس (أردوغان).
عمال النظافة يزيلون مخلفات وآثار التفجير
واللافت أن مراسل قناة إي خبر (A Haber) الموالية استخدم عبارات مثيرة عندما كان ينقل أحداث التفجير عبر البث المباشر من موقع التفجير، حيث قال إن عمال النظافة يقومون بإزالة المخلفات التي تركها الهجوم الإرهابي الدموي، الأمر الذي حمل رواد الإعلام الاجتماعي على إبداء قلقهم من أن يكون سعيًا لإزالة آثار التفجير وبصمات المنفذين.
تصريحات مثيرة من رئيس بلدية أنقرة
أجرت قناة TGRT Haber مكالمة هاتفية عبر البث المباشر مع رئيس بلدية أنقرة مليح جوكتشيك، حيث ادعى أنه كان يمر من موقع التفجير قبل وقوعه بقليل مع الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم والوزراء، وفسّر نجاتهم من أن يكون هدف التفجير بقوله: “رب العالمين حفظنا من أن نكون هدف هذا التفجير. إن الإرهابيين فوتوني بفارق نصف ساعة، ورئيسنا أردوغان بفارق 15 دقيقة، ورئيس الوزراء بفارق 5 دقائق. لم يستطيعوا قتل أي من الوزراء. هذا نابع من قوتنا. نجاتنا ليست إلا بسبب حفظ الله وحمايته لنا بصورة مباشرة”، على حد زعمه. أثارت هذه التصريحات استياء الرأي العام وتساؤلات حول كيفية مرور هذا الكم الهائل من السيارات الرسمية من الطريق، بالتزامن مع خروج عشرات الآلاف من المشجعين من المباراة في استاد فريق بشيكتاش. فضلاً عن أن مصادر مقربة من أردوغان كذبت جوكتشيك وأعلنت أن موقع التفجير لم يشهد مرور موكب رسمي قبيل التفجير.
هذا ووجه حساب “نبض تركيا” nabdturkey@ انتقادات مثيرة على التغريدات التي حاولت توظيف العملية الإرهابية في الداعية لصالح الرئيس أردوغان، نذكر فيما يلي بعضًا منها:
- جميل بارلاس الكاتب الموالي يكشف من يقف وراء التفجير: “الإرهابيون احتجوا على النظام الرئاسي؛ لذا على الجميع إعادة النظر في موقفه من هذا النظام”. ويل للذين يتغذون على الدماء ويحولونها إلى أداة للدعاية لصالح النظام الذي يحلم به أردوغان.
- أردوغان طلب من الشعب 300 برلمانيا في الانتخابات التشريعية عام 2014 حتى تنتقل البلاد إلى النظام الرئاسي بأمان، لكنه سلبه حتى الانفراد بالحكم فلعب على ورقة الإرهاب فنجح.
- واليوم يعيد أردوغان اللعبة ذاتها لرصّ صفوف مؤيديه واختلاس أصوات “القوميين” عبر خلق موجة ضد الإرهاب وتقديم النظام الرئاسي كحل وحيد للمشاكل.
- صباح اليوم نفذت القوات الأمنية عمليات متزامنة كبيرة اعتقلت خلالها رجال أعمال في إطار تحقيقات الانقلاب بدلا من الإرهابيين الذين فجروا إسطنبول.
- صحيفة يني عقد الخاضعة لأردوغان مباشرة كانت وضعت عبارة “إما النظام الرئاسي أو الفوضى” عنوانا رئيسيا لها في وقت سابق.
- هل تعرف بماذا كانت تشتغل الشرطة التركية عندما كان الإرهابيون فجروا إسطنبول؟ كانت تشتغل باعتقال المواطنين المدنيين في إطار تحقيقات الانقلاب المسرحي!
- شغل 40 ألف و507 شرطيا بتنفيذ عملية “استتباب الأمن” في 81 ولاية برفقة 7 مروحيات و10 مركبات بحرية و138 كلبا بوليسيا قبل التفجير.
- لا يمكن أن أفهم كيف يخطر على بال أنصار أردوغان النظام الرئاسي منذ اللحظة الأولى من تفجير إسطنبول إذ لا يخطر على بالي سوى إخواني الذين استشهدوا.