بقلم: عاكف أوموت
أنقرة (الزمان التركية) – نشر كاتب موقع Tr724.com الإخباري التركي عاكف أوموت أفاز مقالاً مهمًّا عن مستقبل علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ودول العالم وسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان الخارجية بعنوان”أردوغان سيجعل الحياة شاقة على الأتراك”
. وفيما يلي ترجمة هذا المقال:
في ظل وجود الجماعات المتطرفة والأنظمة الأصولية التي لا تعترف بأي من القواعد والمعايير الدولية ولا تحترم أي اتفاقية مُعترف بها في العلاقات بين الدول والشعوب، يرتبط ذكر الإسلام – للأسف الشديد – بالإرهاب والعنف منذ فترة طويلة في العالم بأسره.
هذا الانطباع ظهر بالتزامن مع حدوث العمليات الإرهابية وبروز الجماعات العنيفة المتطرفة التي نشأت نتيجة للمساعي الرامية إلى الضغط على قضية الشعب الفلسطيني المشروعة وتهميشها إقليميًّا ودوليًّا، والتي كانت في بادئ الأمر ذات الطابع اليساري أكثر من الإسلامي، لينتشر ويترسخ فيما بعد بالتزامن مع العنف الطائفي الذي وقع خلال الحرب الأهلية بلبنان في سبعينات القرن الماضي، وتوجيه هذا العنف بمرور الوقت إلى مواطني الدول الأجنبية التي تتمتع بنفوذ داخل لبنان.
كما أن الأعمال التي شهدتها إيران قبل وأثناء وبعد الثورة “الإسلامية” في 1979، والمذابح وممارسات القمع التي استهدفت معارضي النظام الحاكم خاصة، إلى جانب أصحاب المعتقدات المختلفة واليساريين والليبراليين عملت على زيادة الربط بين الإسلام والإرهاب في الشارع الدولي. وأسفرت جهود الخميني للسيطرة على الدولة والمجتمع تدريجيًّا، تمامًا مثلما يفعل أردوغان اليوم، عن دولة إرهابية متكاملة في إيران تزعم تحركها وتصرفها باسم الإسلام.
الثمن الباهظ للتطرف الممارَس باللافتة الإسلامية
قضت إيران “الخمينية” على معارضيها في الداخل بصورة ممنهجة من جهة، وبادرت إلى ملاحقة وتصفية كل مَنْ تمكنوا من الهروب من هذا النظام الإرهابي إلى الخارج من جهة أخرى.
كما أسست جماعات إرهابية محلية أو دعمت الجماعات الإرهابية الموجودة فعليا بهدف التمهيد لتغيير النظام في الجغرافيا القريبة والبعيدة باسم “تصدير الثورة”، إلى جانب الاستمرار في العلاقات الرسمية.
كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب الممارَسة باللافتة الإسلامية، وفي مقدمتها احتلال السفارة الأمريكية لمدة 444 يوماً، والخطاب الإسلامي المتطرِّف المطوَّر والمستخدَم في هذا الإطار، كان لها تأثيرها الهدام على تشويه صورة المسلمين. فكل هذه الأمور أدت إلى تضييق مجالات الحياة للمسلمين يوما بعد يوم.
وتبعت إيران في ذلك الأنظمة الحاكمة في السودان والعراق وليبيا، والجماعات المتطرفة الدينية في دول مثل مصر والجزائر وتونس وفلسطين وأفغانستان وباكستان والصومال، والتي أثارت خوفًا شديدًا ورد فعل كبيرًا في الغرب.
لم تدخر الدول المصنفة ضمن ما يسمى بـ”الجغرافيا الإسلامية” جهدًا في تقوية الربط الموهوم بين الإسلام والإرهاب في التسعينات. إذ قدّمت تلك الدول حججًا وذرائع لوسائل الإعلام الدولية أكثر مما تتوقع أو ترغب لتأجيج انطباع سيئ وصورة سلبية عن الإسلام والمسلمين. وعلى الرغم من ذلك كانت تلك الأيام جيدة بالنسبة للمسلمين، لأنه كان يتوجب مرور عدة سنوات أخرى لنرى أنماط الأعمال الوحشية الأخرى التي يُمكن ارتكابها باسم الإسلام.
الجمع الموهوم بين الإرهاب والإسلام تفاقم أكثر مع الأحداث الدامية التي شهدتها الجزائر في بداية التسعينات، والجرائم غير الإنسانية التي ارتكبها نظام طالبان الذي ظهر فجأة في أفغانستان، ومن ثم بلغ هذا الانطباع ذروته بالهجوم الإرهابي الذي نفّذه تنظيم طالبان على برجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر/ آيلول عام 2001.
ردود الفعل المتطرفة التي تعالت في الغرب بعد هذا الهجوم، جاءت في الحقيقة في صالح خصومه، وعادت بالنفع على الجماعات الإرهابية “الإسلامية” المتطرفة والأنظمة القمعية. فعقب هذا الهجوم احتلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان ثم العراق بدعم من القوى الدولية، وقدمت في البداية رسائل صريحة بأنها لن تكتفي بهذه الدول وستتوسع في الاحتلال. وبهذا قدمت – بقصد أو من دون قصد – إسهامًا كبيرًا للأجواء التي تحتاج إليها الجماعات “الإسلامية” المتطرفة التي تميل للعنف والإرهاب.
ربط الإسلام بالشرق الأوسط، والشرق الأوسط بالعرب، والعرب بالإرهاب
كانت وسائل الإعلام الغربية تتناول بغزارة أخباراً تتعلق بالمسلمين والجغرافيا الإسلامية. وللأسف كل هذه الأخبار تقريبا كانت تتعلق بالإرهاب والعنف والمذابح، إذ حُصر الإسلام في الشرق الأوسط، والشرق الأوسط في العرب، ورُبط العرب بالإرهاب – للأسف -. والهوية العربية هي من دفعت ثمن مذابح طالبان، وجرائم القاعدة، والعمليات الانتحارية لحماس، وإرهاب حزب الله اللبناني/الإيراني.
أصبح المسلمون بوجه عام والعرب على وجه الخصوص متهمين معتادين في العالم بأسره. نتيجة كل ذلك ضاقت الأرض على المسلمين والعرب بما رحبت، ولم يكن من السهل التغلب على النظرات المريبة التي كان ينظر بها إليهم جيرانهم في الدول التي يعيشون فيها بسبب الانطباعات السيئة التي تركتها في أذهانهم تلك الهجمات الإرهابية التي باتت محط الأخبار والأفلام الغربية. حتى اعتقل كثيرون ظلمًا وصُنفوا “ممنوعين” على قوائم رحلات خطوط الطيران، كما تم ترحيل بعضهم من الدول التي عاشوا فيها لسنوات طويلة.
سقط الأتراك أيضا ضحية لهذه الصورة والانطباع بسبب هويتهم الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك كانوا محظوظين أكثر من المسلمين الآخرين، حيث لم يصنفوا كليًّا ضمن الجماعات المتطرفة نظراً لفارق العرق والهوية بينهم وبين المسلمين الآخرين الذين تعرضت صورتهم للتشويه إلى حد كبير للأسف. ومع تعرضهم لمشاكل قليلة جدا، وُضِع الأتراك في فئة مختلفة بفضل الخطاب الحضاري والموقف السلمي والنظام العلماني لتركيا في تلك الفترة وتوجّهها صوب الغرب والمعاصرة.
للأسف هذه الأيام أصبحت في الماضي، فاليوم توجد صورة مختلفة لتركيا والأتراك في العالم بسبب صورتها الجديدة التي صبغها أردوغان بصورته “الإسلامجية المتطرفة”، التي تمثلت في فتح المجال وتقديم كل أشكال الدعم لفعاليات الجماعات الإرهابية والجماعات الدينية المتطرفة.
الناظرون إلى تركيا باتوا لا يرون تركيا القديمة
الناظرون إلى تركيا لم يعودوا ينظرون إليها بذلك الانطباع الإيجابي القديم الذي تشكّل في عشرات السنين، فمن ينظرون إلى تركيا اليوم يرونها كدولة تشبه لبنان في السبعينات وإيران في الثمانينيات والجزائر وأفغانستان في التسعينات والعراق وسوريا وليبيا في الألفينات. من ينظرون إلى تركيا يرون تضييق الخناق على كل الخطابات والحركات السلمية والمعتدلة والتحررية والمتصالحة مع العالم التي تتحرك في إطار القانون، ومن ينظرون إلى تركيا يرون نظامًا ينفذ أعمالا إرهابية في الداخل والخارج، ويفتح أبوابه للتنظيمات الإرهابية لتتجول بكل حرية في الأماكن التي ترغب فيها.
العالم يتابع بدهشة كيف أن الخطاب الإسلامي المتطرف الذي يتبناه أردوغان وإجراءاته المنبثقة منه، والتي لا تعترف بحق الحياة لكل خطاب وحركة تستخدمان لغة سلمية، ويمارس عليهما كل أشكال الظلم والقمع غير الإنساني، قد تجاوت حتى تلك خطابات وإجراءات حركات وتنظيمات من قبيل حركة حماس وحزب الله والقاعدة وداعش ومن على شاكلتها. أجل بات العالم يرى أن نظام أردوغان يؤوي ويحمي الجهاديين الدوليين المتورطين في كل أشكال الإرهاب والتطرف، وجماعة “تحشية” المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش وما على شاكلتهما أو التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تُعد امتدادات لهما؛ وهو أول من يخطر على البال إذا ما حدثت في سوريا أو العراق هجمات كيميائية، أو وقعت أعمال إرهابية في الدول الأوروبية.
تهديدات أردوغان تتحقق في أوروبا على الفور
العلاقات الغريبة التي طورها أردوغان مع التنظيمات الإرهابية في دول الشرق الأوسط كسوريا والعراق، والانفجارات والمذابح التي شهدتها فرنسا وإنجلترا وألمانيا بعد أيام أو ساعات في بعض الأحيان من تهديدات صريحة صادرة من أردوغان أو مؤيد له إلى أوروبا، جعلت أردوغان متهمًا رئيسًا يقف وراء مثل هذه الأعمال.
فعلى سبيل المثال، تهديد أردوغان أوربا قائلاً “إذا ما واصلتم هذا النهج، لن يستطيع أي أوروبي أو غربي الخروج إلى الشارع في أمان في أي مكان في العالم”، لاقى استجابة بعد ساعات في سانت بطرسبرج واستوكهولم.
والأكثر من ذلك أن مرور منفذي العمليات الإرهابية باللافتة الإسلامية من تركيا يقضي على ما تبقى من شكوك عالقة في الأذهان ويجعل الأمر واضحًا للعيان. وعلى الصعيد الآخر تتزايد المخاوف والشكوك حول ما يمكن لنظام أردوغان أن يفعله في الدول الأوروبية بعد أن تأكّد تورط جهاز المخابرات التركي في عملية قتل ثلاث سيدات كرديات وسط العاصمة الفرنسية باريس.
تسليم الدولة لمافيا سادات بكر والشيشان والقوقاز
الدول الغربية هي الأخرى التي تتابع عن كثب التصريحات التي أدلى بها أردوغان والشخصيات المقربة منه كوزير داخليته سليمان سويلو، والتي أكدوا خلالها عدة مرات أنهم سيتصدون للمعارضة في الخارج بطرق غير تقليدية، إلى جانب متابعتها الأمارات والدلائل التي تشير إلى تطبيق هذه الخطابات على الساحة الفعلية، من خلال مجموعات كزعيم المافيا سادات بكر والشيشان والقوقاز. وقد شوهد ذلك في اختطاف الأفراد بأساليب المافيا في ماليزيا والبحرين وبلغاريا بل في قلب أنقرة، مما أثبت أن هذه الخطابات لم تكن تهديدات فارغة، بعد أن حوّل أردوغان دولة عظمى كتركيا إلى تنظيم إرهابي. العالم كله يرى بوضوح أن نظام أردوغان أصابه الجنون، وبات أشبه بالمافيا لدرجة أنه يخطط لاختطاف رجل كـ(فتح الله غولن) من الولايات المتحدة بطرق غير شرعية ومؤامرة يشارك فيها أصدق شركائه في الجريمة وزيرا الخارجية مولود جاويش أوغاو وصهره وزير الطاقة برات ألبايراك.
خطاب الكراهية الذي يعتمده أردوغان ورجاله في الداخل التركي، وعدم احترامهم في الخارج منظمة الأمن والتعاون الأوروبية ولجنة البندقية والبرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وما إلى ذلك من المنظمات المشابهة التي افتخرت تركيا إلى اليوم بعضويتها أو علاقتها الوطيدة بها، وانتهاكهم كل المبادئ التي تدافع عنها تلك المنظمات الدولية أصبحت من العلامات التي تكشف الانطباع الدولي لهم.
أتعتقدون أن العالم يغفل عدم التعرض لأي من تنظيم داعش الإرهابي والقاعدة وامتداداتهما في الوقت الذي يُزج فيه بعشرات الأبرياء من المدرسين وربات المنازل ورجال الأعمال والعلماء داخل السجون لأسباب هزلية؟ أتعتقدون أن العالم لا يلاحظ إفراج المحاكم عن الإرهابيين “الإسلامجيين” المتطرفين المقبوض عليهم من قبيل الصدفة؟ أتعتقدون أن العالم لا يكترث لأمر اعتقال مدعي العموم ورجال الشرطة وحبسهم بدلاً من الإرهابيين “الإسلامجيين” المتطرفين الذين تم إخلاء سبيلهم؟ حتى السلطان الأصم يعلم أن السجون في تركيا اليوم تضم المئات من رجال الشرطة والعشرات من القضاة ومدعي العموم الذين شاركوا في عمليات أمنية ضد تنظيمات إرهابية كتنظبم “تحشية” وداعش والقاعدة وحزب الله وتنظيم السلام والتوحيد التابع لجيش القدس الإيراني.
للأسف تركيا أصبحت تنتج إرهابييها الإسلامجيين المتطرفين بعد خلق أجواء الإرهاب الإسلامجي المتطرف، فالخطابات المتطرفة التي تتغير وفقا للظروف تنتج عملياتها ومنفذيها. وخطابات أردوغان المعادية لروسيا بسبب سياستها الخارجية التي تتبعها في سوريا تحولت إلى عملية اغتيال للسفير الروسي لدى أنقرة بسلاح شرطي شاب متطرف قاموا بتوظيفه باعتباره رجلاً موثوقًا لديهم.
أردوغان لطخ سمعة الأتراك بالإرهاب
الأتراك بدؤوا يرون على الساحة الفعلية ثمن خطابات الكراهية والحقد الممنهجة التي زيّنها أردوغان ومؤيدوه بمصطلحات إسلامية ووجهها إلى أوروبا والاتحاد الأوروبي والفاتيكان والمسيحية واليهودية والولايات المتحدة الأمريكية بصورة دورية ومنتظمة. فالأتراك المقيمون في الخارج ينساقون يوما بعد يوم إلى الصورة السيئة التي لازمت العرب لعشرات السنين، وذلك بسبب خروج نظام أردوغان عن الاتجاه الصحيح وفقدانه البوصلة بعد تورطه في الجرائم الدولية المتزايدة يومًا بعد يوم مثل دجاجة مقطوع رأسها تترنح صوب الولايات المتحدة تارة، وروسيا تارة، والاتحاد الأوروبي تارة أخرى.
أردوغان وأنصاره الذين شكّلوا مدونة كبيرة بخطاباتهم المعادية لأوروبا وأمريكا والفاتيكان والغرب بطريقة تحرض على العنف والإرهاب قد يغيرون اليوم، في طرفة عين ومن دون أن يخجلوا، موقفهم منها بمكالمة هاتفية تأتي من الزعماء الذين استهدفوهم أمس.
حسنا، إن كنّا نعلم نحن هؤلاء المشعوذين المنحرفين سلوكيًّا بحيث يتملقون في أول فرصة مَنْ عادوهم في الأمس، فهل يجهلهم أولئك القادة الدوليون الذين هددوهم ووجهوا إليهم السباب في البداية ومن ثم اضطروا إلى تملقهم؟
كونوا على يقين بأن قادة العالم الذين يستهدفهم أردوغان بالسبّ والتهديد حينًا، ويتملقهم ويتوسل إليهم حينًا آخر، هم أفضل من يعرفون مدونة الجرائم التى شكّلتها خطاباته وتهديداته والفعاليات الدموية الناجمة عنها.