أنقرة (الزمان التركية) – صرح دوغو برينتشاك، رئيس حزب الوطن، المعروف في تركيا بـ”اللسان المتحدث باسم الدولة العميقة” غير الشرعية، بأنه يتوجب شن حملة على حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وتطرق برينتشاك إلى الحملات الأمنية ضد حركة الخدمة خلال اجتماع مجلس الحزب في العاصمة التركية أنقرة، مشيرا إلى ضرورة تنفيذ حملة ضد حزب العدالة والتنمية.
ورأى برينشاك أن الحملات الأمنية ضد حركة الخدمة المتسارعة عقب محاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو/ تموز واعتقال وفصل عشرات الآلاف غير كافية، موضحا أنه في حال عدم القضاء على “تنظيم غولن” داخل الحزب الحاكم، فإن السلطات التركية بهذا ستكون قد منحت هذا “التنظيم الإرهابي” فرصة لاستعادة عافيته مرة أخرى والانتفاع من الظروف التي تعيشها تركيا، على حد تعبيره.
وأضاف برينتشاك أن حركة الخدمة لا تزال تحتمي داخل حزب العدالة والتنمية، على الرغم من فصل أكثر من 100 ألف موظف، واعتقال عشرات الآلاف، مؤكدا أن إنهاء التأثير السياسي لحركة الخدمة هو شرط أساسي لنجاح المعركة ضدها في المرحلة الحالية؛ نظرا لأن تحصن الخدمة داخل الحزب الحاكم نابع من التناقضات والتقصيرات السياسية.
يُذكر أن برينشاك كان قد أعلن خلال مشاركته في برنامج على قناة Ulusal TV التابع لحزبه أن تركيا ستحترق في شهر مارس/ آذار الجاري في رد منه على الضيف الذي أعلن احتمالية توجه تركيا إلى صناديق الاقتراع في شهر أبريل/ نيسان المقبل.
من هو دوغو برينتشاك؟
دوغو برينتشاك لا يتبنى فكرًا معينًا ثابتًا وإنما يروج لأي فكر مهما كان بحسب الظروف، فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماويًّا في سبعينات القرن الماضي، وداعمًا للزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في الثمانينيات، وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات.
عرف منذ القدم بعلاقاته مع بعض البؤر العميقة في الدولة التركية وجهاز المخابرات، وبتأثيره العميق في الأحداث ومسار الحكومات واتجاهاتها، وحكم عليه في إطار قضية “تنظيم أرجنكون” المسمى في تركيا بالدولة العميقة، مع نحو 400 شخص ما بين عسكري ومدني، بمن فيهم رئيس الأركان العامة آنذاك إلكار باشبوغ.
وفي أثناء تحقيقات الفساد الشهيرة انتشرت عشرات التسجيلات الصوتية والمصورة “غير القانونية” التي تكشف تورط أردوغان ونجله ودائرته الضيقة في الفساد والممارسات غير القانونية، إلى جانب التسجيلات “القانونية / الرسمية” للسلطات الأمنية عام 2013، ادعى أردوغان حينها أن حركة الخدمة هي التي تنصتت على مكالماته ونشرت هذه التسجيلات بعد تزويرها وفبركتها.
وشكل هذا الادعاء أساس كل اتهامات أردوغان ضد حركة الخدمة فيما بعد، إلا أن موقع “الزمان التركية” نشر مؤخرًا فيديو مدبلج إلى العربية أزاح الستار عن حقيقة هذا الأمر، حيث يعترف فيه دوغو برنتشيك بشكل علني بأنه من تنصت على مكالمات أردوغان ونشر التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها بتنصتات غير قانونية، فضلاً عن أنه لا يزال بحوزته كثير من تلك التسجيلات الصوتية والمصورة. وغني عن البيان أنه يستخدم هذه التسجيلات للضغط والابتزاز!
واضطر أردوغان إلى الإفراج عن برينتشاك مع مئات الشخصيات المدنية والعسكرية المحكوم عليها في إطار قضية أرجنكون عام 2014 بعد ظهور فساد حكومته، والتحالف معه في تنفيذ “خطة القضاء على حركة الخدمة” التي أعلن برينتشاك مرارًا أنه من وضع هذه الخطة وليس أردوغان.
https://youtu.be/a1QW1btMiR0
وكان برينتشاك صرخ في وجه الكاميرات عقب خروجه من السجن قائلاً: “سيرى الجميع أننا سنقتلع قريبًا جذور هادمي الجمهورية التركية، بمن فيهم الرئيس أردوغان و(الرئيس السابق) عبد الله جول وفتح الله كولن وكل الجماعات الإسلامية”.
وقال خلال حوار تليفزيوني على قناة عقد تيفي “Akit Tv” المقربة من أردوغان “إن مشروع القضاء على حركة الخدمة لم يضعه أردوغان، بل نحن من وضعناه وهو ينفذه، لم نكن نحن من ذهب إليه، بل هو من جاء إلينا، لقد أوكلوا إليه مهمة القضاء على الثورة “الكمالية” في تركيا؛ إلا أنه ارتمى في أحضان الفكر الكمالي”، على حد قوله.
هناك علامات تدل على أن التحالف المؤقت بين برينتشاك وأردوغان منذ عام 2013 وصل إلى نهايته مؤخرًا، وأن السيوف قد استلت من أغمادها فعلا بين الطرفين، وأخذا يتوجسان الخيفة من بعضهما البعض، ويتجهز كل للآخر. والحقيقة أن دوغو برينتشاك رفع مؤخرا من سقف تهديداته لأردوغان إذ زعم “أن تركيا ستشتعل نارا في شهر مارس المقبل!”، حيث من المنتظر التوجه للاستفتاء الدستوري في شهر نيسان المقبل، أما أردوغان فلا يقف مكتوف الأيدي إزاء تهديدات برينتشاك، بل بدأ يكشر عن أنيابه من حين لآخر، حيث أجل مرتين القرار الأخير المنتظر صدوره من المحكمة العليا لكي يحسم ما إذا كان تنظيم أرجنكون إرهابيا أم لا.
بالإضافة إلى أن عديدا من الكتاب الموالين بدأوا يصفون أرجنكون بـ”الإرهابي” مجددا، بعد أن نفوه عنه، وزعموا أن حركة الخدمة هي من نصبت فخا للجيش التركي ولفقت جرائم له من أجل الزج بالقياديين العسكريين إلى السجن، بعد بدء ظهور فضائح الفساد والرشوة، كما أنه ليس من الصدفة أن تستهدف الهجمات الإرهابية التي تنفذها المجموعات الراديكالية من أمثال داعش الأوساط العلمانية في تركيا، كما حدث في هجوم ملهى رينا الليلي.
تركيا فوق صفيح ساخن أو أمام سلاح ذي حدين، سواء كان فاز أردوغان بالاستفتاء الدستوري أو خسره، فإذا فاز أردوغان وتمكن من السيطرة على كل شيء في البلاد سيتوجه لتصفية العناصر العلمانية التي تعتبر نفسها صاحبة “الجمهورية التركية الحديثة”، خاصة تلك التي في المؤسسة العسكرية، وتعيين عناصر الجماعات الراديكالية الموالية له، وإن خسر فبأغلب الاحتمال أن مجموعة أرجنكون ستسعى إلى زعزعة شرعية “أردوغان”، وقد يصل الأمر إلى تنفيذ انقلاب حقيقي ضد أردوغان، نظرا لأن الطرفين لا يثقان في بعضهما البعض، ويعلمان حتما “المواجهة الضرورية” بينهما سواء في حالة رفض النظام الرئاسي أو قبوله.
بناء على ذلك، فإنه من الممكن أن يوظف فريق أرجنكون كل الإمكانيات والوسائل التي يحوزونها في إشعال فتيل الفوضى في جميع أنحاء تركيا حتى موعد الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي.
ومن المحتمل أن يحرقوا البلاد فعلا كما أعلنوا صراحة، ويرتكبوا اغتيالات سياسية لإحداث الاضطراب والبلبلة في كل مكان كما سبق أن فعلوا في الفترات الماضية.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن سجلات المحكمة التركية المكلفة بالنظر في قضية أرجنكون كانت تصف برينتشاك، بـ”fabricator”، أي “صانع أحداث مزورة لإثارة الفوضى والبلبلة في البلد الذي يعيش فيه لصالح دولة أخرى”.