إسطنبول (الزمان التركية): شهدت مدينة إسطنبول تراجعًا في أسعار بيع وإيجار الوحدات السكنية في المناطق الفارهة والمناطق التي تشهد إنشاءات مكثفة بسبب عمليات إعادة الهيكله وإعادة التخطيط للمناطق الحضريه “التحول الحضري”.
تراجعت أسعار الوحدات السكنية بنسبة تجاوزت العشرين % نظرًا لتجاوز أعدادها إجمالي حجم الطلب عليها، وحاليا باتت المنازل خالية في المنطقة التي كان يصعب العثور فيها على منزل للإيجار قبل نحو عدة أعوام.
ويُرجع الخبراء تراجع الأسعار إلى سببين: الأول هو أن الأفراد تركوا منازلهم وبحثوا عن منازل مؤقتة عندما بدأت عملية “التحول الحضري”، وعندما زاد الطلب عن العرض فجأة ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وفي الوقت الراهن عندما انتقل المواطن إلى منزله الذي اكتمل أصبحت المنازل المؤقتة خالية، كما تم طرح المنازل التي أدرجت ضمن حصة المقاول داخل مشاريع “التحول الحضري”، ومع انتهاء مئات المشاريع خلال الشهر نفسه ارتفع هذه المرة العرض أمام الطلب.
أما السبب الآخر لانخفاض الأسعار فيرجع إلى الزيادة المصطنعة؛ بمعنى أن المشاريع التي ارتكبت خطأ التسعير وعملت على بيع الوحدات بسعر أغلى من اللازم، أجبرت حاليا على خفض أسعارها إلى مستويات مقبولة، كما أن خفض الشركات الصغيرة والمتوسطة لأسعارها نظرا لمعاناتها من مشاكل مالية فتح الطريق أمام تخفيضات على المدى الطويل لدى الشركات التي تنتج المشاريع السكنية الفاخرة.
كما أشار رئيس جمعية مطوري ومستثمري العقارات السكنية عمر فاروق شليك إلى اختلال ميزان العرض والطلب في سوق العقارات السكنية. وأفاد شليك أنه تم إنتاج وحدات سكنية بصورة عشوائية دون النظر إلى ميزان العرض والطلب في مناطق مثل “فكرتبه” وشارع بغداد، مشيرًا إلى أن التحول الحضري يتركز في الأحياء القيمة التي يحقق فيها المقاول ربحًا، مما يؤدي إلى تراكم الوحدات السكنية في مناطق محددة أكثر من الحاجة، ويجبر المقاول على خفض سعرها نظرًا لعجزه عن بيعها.
كما أفاد شليك أن نظرة قطاع البنوك للإنشاء واضحة وصريحة، إذ أن الشركات التي تعاني من مشكلة في البيع تلجأ إلى تخفيض الأسعار للاحتفاظ بمكانتها وسداد دينها، مؤكدًا أن المشكلة الفعلية تكمن في نموذج العمل، وأن أبرز مثال على هذا هو الجانب الآسيوي لإسطنبول، غير أن المشكلة نفسها تنتظر الأتراك في كافة أرجاء إسطنبول، بل وفي أنقرة وإزمير أيضًا.
وأضوح شليك أن متوسط الاحتياج السنوي للوحدات السكنية في تركيا يُقدر بـ600 ألف وحدة سكنية، وأن المقاولين يتولون هذا الأمر، غير أن التحول الحضري يطرح زيادة عن هذا الرقم تتراوح بين 200-300 ألف وحدة، وبالتالي تتكدس الوحدات الزائدة عن الحاجة في الأسواق، مشيرًا إلى أنه توجد إنتاجية، لكن القوة الشرائية للمواطن لا تزيد، وأن العرض يتزايد غير أن المواطن المحتاج يبعتد عن المنازل.
تراجع الأسعار في الجانب الآسيوي
يقول رئيس جمعية مقاولي الجانب الآسيوي مليح تافوكشولو أوغلو “إنه يوجد مقاولون خفّضوا الأسعار بالجانب الآسيوي بنسبة 35 في المائة”. ويوضح تافوشكولو أن انخفاض الأسعار في الجانب الآسيوي أكثر تأثيًرا مقارنة بالجانب الأوروبي، وأن المناطق التي شهدت بناء وحدات سكنية كثيرة تعاني حاليًّا من انخفاض أسعار هذه الوحدات، وأن العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة بالجانب الآسيوي شاركت في التحول الحضري، مشيرًا إلى أن منطقة كاديكوي شهدت منح ألفي ترخيص خلال عامين ما يعني 10 آلاف منزل جديد على الأقل، وأن التطورات التي تشهدها تركيا والوضع الاقتصادي والأحداث على الحدود وحالة الإحباط العام تتسبب في انخفاض الطلب.
وأضاف تافوكوشولو أن أحياء كاديكوي وكارتال ومالتبه وسنجاك تبه وجزء من أتاشهير شهدت تراجعًا في الأسعار بلغ في بعض المناطق 5 %، وفي البعض الآخر 35 %.
تتصدر منطقة كاديكوي أكثر المناطق التي يتكثّف فيها أعمال التحول الحضري في إسطنبول. وتحولت المنطقة إلى موقع بناء حيث تتواصل أعمال الإنشاء في أكثر من ألف موقع بناء، وبحلول هذا العام بدأت أسعار ومبيعات الوحدات السكنية بالمنطقة تتراجع.
ويشير مالك مكتب “ريماكس تركيا” الذي يعمل في شارع بغداد سافاش كورتباش أن المشاريع تنتهي واحدًا تلو الآخر، ويتم طرح المنازل بالأسواق دفعة واحدة، مضيفًا أنه في العام الماضي كانوا يطرحون منزلًا بمساحة 150 مترمربع للإيجار نظير مبلغ 5 آلاف ليرة، أما الآن فيطرحونه نظير مبلغ 3 آلاف ونصف، ولا يوجد مستأجر، وأن سعر المتر المربع انخفض إلى 3500-4000 دولار، بعدما كان يبلغ العام الماضي 5 آلاف دولار، لتتراجع معدلات الإيجار والبيع بالمنطقة بنسبة 20-25 %.
منسق شركة “أرا” العقارية في تركيا مصطفى بيجان يرى أن المقاولين الذين وضعوا تسعيرات خاطئة يعانون حاليا من المشكلة، وأنه يتم ترويض الأسعار حاليًا، نظرًا لأنه كان يوجد تضخمات في بعض المناطق، مؤكدًا أن العام الماضي كان سعر المنزل الجديد في شارع بغداد من طراز 2+1 يبلغ مليوني دولار، أما الآن فانخفض هذا السعر إلى مليون ونصف، وأن المشاريع التي انطلقت بالأسعار الحقيقية لا تعاني من مشكلة.
البحث عن مستأجرين
أما رئيس غرفة سماسرة إسطنبول نظام الدين أشا فيرى فقال “إن الإيجار انخفض في إسطنبول بوجه عام، حيث يوضح أن كافة شركات العقارات تمتلك منازل تبحث عن مستأجرين، مشيرًا إلى أنه في العام الماضي كان يصعب العثور على منزل، أما حاليا فمكاتب العقارات تعيد المنازل إلى أصحابها نظراً لعدم وجود مستأجرين، وأن السنوات الماضية شهدت طلبًا كبيرًا بفعل تأثير السوريين والتحول الحضري، أما في الوقت الراهن ازداد العرض وتراجع الطلب”.
وأضاف أشا أيضًا أن متوسط الإيجار تراجع بنسبة 20-25 %، وأن المنازل الفاخرة تعاني من مشكلة في البيع، غير أنه لا تزال هناك حاجة لوحدات سكنية من أجل أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض. ويشير أشا إلى أنه من المنطقي أن تقدر أسعار المنازل في قلب المدينة بملايين الدولارات، بينما سعر المتر المربع في المنازل الموجودة خارج المدينة يتراوح بين 4-5 آلاف، والمواطن لا يرغب في دفع هذا المبلغ في منزل يبعد عن عمله قرابة ساعتين. وأوضح أن شركات الإنشاء بدأت حملات جادة عندما انخفضت المبيعات خلال الأشهر الأخيرة.
مشكلة في المنازل التي يتخطى ثمنها المليون ليرة
مدير التقييم في شركة “إيفا” العقارية جانسل تورجوت يازيجي يشير إلى العلاقة بين شراء الوحدات السكنية والحالة النفسية. كما يوضح يازيجي أن المواطنين اتجهوا في الآونة الأخيرة إلى تقليص نفقاتهم، حيث انخفضت الأسعار في إسطنبول بنسبة 18 %، مشيرا إلى أن الأسعار في بعض المناطق كانت تشهد تضخمًا فعليًّا كما كبرت الفجوة بين العرض والطلب.
أكد يازيجي أيضا أن المنازل التي يتخطي ثمنها المليون ليرة تعاني من مشاكل كبيرة، لكن المنازل التي يسهل الوصول إليها لا تعاني من أية مشاكل، وأن عمليات الشراء تتواصل في هذه الفئة حتى في أوقات الأزمات.
أما بوراك أوزموتاف أوغلو سمسار شركة كولدوبل بانكر فيقول “إن المشكلة تكمن في الوحدات السكنية الفاخرة ويوضح أوغلو أن الشركة تعمل في منطقة بهشه شهير، وأن الوحدات السكنية من فئة الفيلات التي تُقدر بمليون في المنطقة تراجعت أسعارها بنسبة 10 %، لكن الأسعار الأكثر منطقية لم تشهد أية تراجعات، مشيرًا إلى أن الوضع في سوق الإيجار متدهور نظرا لأرتفاع العرض. وأفاد أوغلو أن شركة كبتاش أنشأت 4 آلاف في المنطقة واشترت مجموعة استثمارية جزءًا كبيرًا منها بغرض الاستئجار أو البيع، غير أن هذه المنازل تنتظر حاليا مشترين، مشيرة إلى احتمالية أن تكون نسب الإيجار في المنطقة انخفضت بمعدل 20 %.
الوضع لا يختلف كثيرًا في منطقتي جوناشلي وباسين أكسبرس التي تحولت المصانع والمباني الصناعية فيه إلى مباني سكنية.
حيث يؤكد محمد تاتار سمسار شركة ألتن إملاك أن أسعار الوحدات السكنية والإيجار تتراجع منذ ستة أشهر، مشيرًا إلى وجود مشاريع عملاقة مرموقة لا تخفض الأسعار، غير أن الوضع مختلف في الشركات التي أقامت مجمعًا أو مجمعين سكنيين.
ويوضح تاتار أن الشخص الذي كان يرغب ببيع منزله قبل نحو ثلاثة أشهر نظير مبلغ 420 ألف، أصبح يوافق الآن على مبلغ 360 ألف، كما أن المشتري الذي كان يطالب 45 ألف من أجل تأجير دكّان خفّض المبلغ إلى 30 ألف.
هذا ويؤكد تارتار أن الأسعار تراجعت إلى مستواها الطبيعي بعدما ارتفعت كثيرًا، مشيرًا إلى أن الأزمة نجحت في ترويض الأسعار.