بقلم : ياوز أجار
زعمت مصادر مطلعة أن الرئيس رجب طيب أردوغان قرر تكليف مجموعة علمانية يسارية متطرفة بمهمة إطلاق حرب نفسية ومعلوماتية ضد حركة الخدمة التى تستلهم فكر الأستاذ فتح الله غولن في الدول العربية لـ”تشويه صورتها” والتحريض على إغلاق مؤسساتها التعليمية والخيرية، بعد فشل جهود مؤسسة الشؤون الدينية الرامية إلى تقديم الخدمة كفرقة ضالة، وشيطنة المنتمين إليها في نظر الشارع العربي ولدى السلطات الرسمية.
وبحسب تلك المصادر، فإن أردوغان اختار لهذه المهمة مجموعة تسمى “مجموعة آيدينليك” التي يقودها زعيم حزب الوطن اليساري العلماني المتطرف دوغو برينتشاك المحترف في التوجيه والتضليل والتشويه، والمعروف بعلاقاته الغامضة مع بعض بؤر القوى الداخلية والخارجية، وذلك في إطار الاتفاقية التي أبرمها الطرفان عام 2013، خرج بموجبها المسجونون في إطار قضية تنظيم “أرجنكون” المعروفة، من بينهم برينتشاك، وأُغلقت تحقيقات الفساد والرشوة التي تورطت فيها حكومة أردوغان حينها.
وقالت المصادر ذاتها إن برينتشاك المعروف بعدائه السافر للإسلام وإساءاته للرسول صلى الله عليه وسلم، والذي هدّد بعد خروجه من السجن بفضل أردوغان قائلاً: “سنقضي على كل الجماعات الإسلامية في تركيا!”، سيسعى إلى تحريض الدول العربية على حركة الخدمة زاعمًا أنها حركة إسلامية “سياسية”، ولها أهداف سياسية تسعى لتحقيقها، مثل نظيراتها من الجماعات الإسلامية، مدعيًا أنها عندما تتمكن عاجلاً أم آجلاً ستشكّل “كيانات موازية” على غرار “الكيان الموازي” الذي أسسته في تركيا وحاولت من خلاله السيطرة على مفاصل الحكم في البلاد!
يذكر أن آلة الدعاية التابعة لأردوغان سعت في الفترة الماضية لتقديم حركة الخدمة كجماعة دينية متطرفة تسعى إقامة دولة إسلامية في الدول الغربية، وكفرقة ضالة، بل فرقة باطنية خارجة عن الإسلام في العالم الإسلامي والدول العربية، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل، نظرًا لسيرة الخدمة الناصعة في تلك الدول، ومعرفة تلك الدول الوجه الحقيقي والأهداف العلنية للحركة. لكن أردوغان يحاول أن يحقق هذا الغرض بعد فشل الأول من خلال شخصية معروفة بأفكارها المناهضة للإسلام والمسلمين.
وأكد محللون مقربون لحركة الخدمة أن نجاح برينتشاك في مهمته الجديدة التي تسلمها من أردوغان ليس سهلاً، ذلك أن الخدمة حركة مفتوحة ومعلومة للجميع وأهدافها معلنة للقاصي والداني منذ ظهرها الأول قبل نصف قرن، وتارخها يكشف عدم ابتعادها عن خطها هذا قيد أنملة حتى اليوم، وليست لها أية أنشطة سياسية في الدول العربية، منبهين إلى أن هناك خطوطًا عريضة تميزها من الجماعات الإسلامية السياسية التقليدية من الناحية النظرية والعملية والتربوية ومن حيث المنهج، فضلاً عن أن كل مؤسسات تلك الدول، بما فيها أجهزة استخباراتها المختلفة تتابع عن كثب أنشطة هذه الحركة وتعرف وجهها الحقيقي منذ أكثر من ثلاثين عامًا.
من هو برينتشاك؟
خطف برينتشاك الأضواء على نفسه عبر مواقفه الحساسة في اللحظات الحرجة طيلة تاريخ السياسة التركية الحديث. ومع أن نسبة الدعم التي يحصل عليها في الانتخابات ضئيلة جدًا لا تتجاوز 2%، إلا أنه تمتع حتى اليوم بنفوذ قوي في أجهزة الدولة، خاصة في أجهزة الأمن والقضاء والجيش، ولعب أدوارًا حاسمة في تلميع أو تشويه حركات ومجموعات سياسية أو مدنية، بفضل علاقاته “الغامضة” و”المثيرة” مع بؤر القوى الداخلية والخارجية.
ووصف محمد أيمور؛ رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات التركي سابقاً برينتشاك بـ”fabricator” أي مختلِق أحداثٍ من أجل إثارة البلبلة والفوضى في البلاد، في حين أن نائب رئيس المخابرات الأسبق “هرم عباس” شرح مهمة برينتشاك في كتابه تحت عنوان “التحليل” (Analiz) بقوله: “تنفيذ عمليات التصفية باستخدام طرقٍ وأساليبَ شتى ضد العناصر المستهدفة التي تشكّل عائقاً أمام تحقُّق مصالح الدولة الأجنبية التي تعمل لصالحها، والسعي للحيلولة دون تطورِ وتقدُّم تركيا، ومبادرتها إلى اتباع سياسة وطنية مستقلة بعيداً عن مصالح تلك الدولة، من خلال تنظيم أنشطةٍ وفعاليات تقود البلاد إلى حالة عدم الاستقرار المتواصلة”.
وأسّس برينتشاك أربعة أحزاب وترأسها، وهي حزب العمال والفلاحين (1978-1980)، والحزب الاشتراكي (1991-1992)، وحزب العمال (1992–2015)، وحزب الوطن الحالي (15 شباط 2015 – ؟). لكن الغريب والمريب أنه لم يتبنَّ فكرًا معينًا ثابتًا، وإنما روّج لأي فكر مهما كان، بحسب الظروف والرياح؛ فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماوِيًّا في سبعينات القرن الماضي؛ وداعمًا للزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في الثمانينيات؛ وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات! وأصدر برينتشاك صحيفة يسارية علمانية تحت مسمى “آيدينليك” (Aydınlık)، وقاد المجموعة التي تكوّنت حولها وأخذت اسمها منها. واللافت للانتباه أنه دعم في تسعينات القرن الماضي حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وعمل على تشتيت اليسارية التركية من خلال توظيف اليسارية الكردية. حتى إنه كان يشرف على مجلة “نحو 2000” (2000’e doğru) التي تحولت إلى اللسان المتحدث باسم العمال الكردستاني. وأجر برينتشاك، الذي كان يمثل اليسارية التركية حينها، لقائين مختلفين مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي كان يمثل اليسارية الكردية، أحدهما في عام 1989، والآخر في عام 1991، والتطتهما عدسات آلة التصوير وهما يتبادلان الزهور فيما بينهما، في أحد المعسكرات التابعة للعمال الكردستاني، رغم أنهما يظهران اليوم العداء لبعضهما البعض، بل يعتبر أحدهما الآخر نقيضه، حيث يقدم برينتشاك نفسه في الوقت الراهن “وطنيًّا” يجاهد ضد أوجلان الذي يحاول تقسيم تركيا!
وقد عُرف برينتشاك بمواقفه المصلحية والمتقلبة، حيث لا يخفي بل يعلن أنه لا يتبني أي دين أو فكر أو توجه إيدولوجي معين؛ إذ يقف اليوم إلى جانب “المعسكر الأوراسي” بقيادة روسيا والصين، لكنه كان يدافع عن “المعسكر الغربي” بقيادة أمريكا وأوروبا أو حلف شمال الأطلسي الناتو ويصف الاتحاد السوفيتي بـ”الأمبريالي” قبل ذلك؛ ويعلي اليوم من شأن “القومية التركية” و”القضايا الوطنية”، غير أنه كان يصف من قبل تركيا بـ”الدولة المحتلة” في جزيرة قبرص التركية، ويعترف بمزاعم الإبادة الأرمنية على يد الدولة العثمانية.
تركيا،الدول العربية،فتح الله غولن