أحمد ألطان
شاهدنا في فترة الخريف والشتاء المخيفة أشلاء الناس الممزقة على أغصان أشجار أنقرة أكثر مما شاهدنا الأوراق.
شهدت أنقرة تفجيرات متتالية.
وتحول الناس -كبيرهم وصغيرهم- إلى أشلاء ممزقة دون أن يستطيعوا أن يتركوا حتى جسدا يحتضنه محبوه، ويلمسونه للمرة الأخيرة، ويقبلون يده بكل حب.
هل تركيا تستحق ذلك؟
هل هؤلاء الناس يستحقون ذلك؟
كان من الممكن أن تصبح بلدنا أراضي الشرق الأوسط “الموعودة”، والجنة والملاذ البارد والآمن للناس المحترقين من شدة النار، وأن تكون واديًا أخضر تتفتح في رحابه الأوراق السعيدة بدلا عن كونها مكانا تجمع أشلاء الناس من على أغصان أشجار عاصمتها.
كنا نملك كل شيء من أجل تحقيق ذلك.
إلا أن “الثعبان” الذي أخرج آدم من الجنة ظهر في عباءة حُكم سياسيّ؛ وزج بنا في مهب قيامة دامية.
إن حكومة العدالة والتنمية في تركيا فقدت صوابها وعقلها، بعدما ظنت أنها ستسيطر على منطقة الشرق الأوسط؛ إلا أن الشرق الأوسط هو الذي سيطر على تركيا.
واليوم هذه الحكومة تلتف حول تركيا مثل أفعى الأناكوندا الضخمة؛ وتفتت البلد بعدما كسّرت جميع عظامها ودهستها.
أضلاعنا تتكسر.. وأكبادنا تُسحق.. ويصعب علينا التقاط أنفاسنا أكثر فأكثر في كل لحظة.
حدثوني عن شيء يسير على ما يرام في تركيا.. شيء واحد فقط…
قولوا لي: “إن تركيا جيدة في موضوع ما”.
هل السلام، أم الوئام، أم العدالة، أم الاقتصاد، أم الصادرات، أم السياحة، أم الدبلوماسية، أم الدين، أم الأخلاق، أم الأمان، أم الحرية، أم المستقبل؟
ما الذي يسير على ما يرام؟
لا شيء قط.
في مقابل ذلك ثمة أكاذيب وألاعيب وخداع وتآمر وفجور وسرقة وفساد وقتل واشتباكات وصراعات وكراهية وعداوة.
لماذا كل ذلك؟
هل كل ذلك حتى تستطيع شرذمة منحوسة من الناس أن يحيوا حياة رفاهية ورغد لا يستحقونها ويملؤوا جيوبهم بالأموال، ويسرقوا الدولة وينهبوها حتى آخرها؟
عصابة منحطين تسرق الدولة عن آخرها حتى إيمان الناس.
أي نوع من الدناءة هذا الذي عندهم فهم لا يشبعون أبدا إذ أكلوا بلدا ضخما بأكمله ولم يكف لإشباعهم. إنهم يرغبون في المزيد والمزيد.. يطمعون في حدائق الزيتون بمنطقة “ييرجا”.. ويطمعون في غابات “أرتفين” الخضراء.. بل الأنكى من ذلك أن أموال الناس لا تكفيهم ويرغبون في أرواحهم كذلك.
هؤلاء اللصوص يظنون أنهم قادرون على سرقة كنوز الشرق الأوسط بعد أن نهبوا تركيا.
لقد نسوا أن حراس الجحيم واقفة بالمرصاد على رأس هذه الخزائن وقد أيقظوا جميعهم والشياطين الآخرين معهم؛ واحتشد الشياطين الذين يرتدون أزياء سوداء ولحاهم سوداء وظهروا فجأة مثل الأشباح المتمردة من قبورها.
والآن لانعرف ماذا عسانا أن نفعل!
لقد أوقعوا الدولة في وضعية لم تحدث في التاريخ بل لم تحل بأي مجتمع من المجتمعات بسبب الفخ الذي وقعوا فيه من أجل إيداع أموال من ثمن برميل من النفط المهرب في البنوك.
هل ثمة دولة غير تركيا تتشاجر مع روسيا وأمريكا؛ بعدما عارضت أمريكا وأسقطت طائرة روسيا؟
وهل هناك دولة أخرى تشتبك في الوقت ذاته مع قوتين عظيمتين؟
وضعنا في الداخل السوري أكثر بشاعة.
إذ إننا نعارض الأكراد ونظام الأسد على حد سواء.
أما حدودنا فإما ستصبح للأكراد أو لنظام الأسد.. ولا احتمال قط لبقاء الحشد الذي يرتدي جلاليب سوداء الذين يدعمهم لصوصنا في سوريا.
صارع أمريكا وروسيا وعارض القوتين العظميين الللتين من المحتمل أن يستوطنا في سوريا بمحاذاة الحدود التركية.. ثم سم ذلك بـ”السياسة الخارجية”.