التقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – في الوقت الذي تتزايد فيه حدة نقاشات الاستفتاء الدستوري على النظام الرئاسي في تركيا، ظهرت لقطات مصورة يؤكد فيها يالتشين أكدوغان، كبير مستشاري الرئيس رجب طيب أردوغان ونائب رئيس الوزراء سابقا، أن زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي المسجون عبد الله أوجلان يدعم النظام الرئاسي.
أردوغان وأنصاره يصفون كل معارض للنظام الرئاسي بـ”الإرهابي” ولو كان وطنيا، وكل مؤيد له بـ”الوطني” ولو كان إرهابيا، حيث يتهمون الأحزاب المعارضة وكذلك المواطنين الذين سيرفضون النظام الرئاسي في الاستفتاء الشعبي بـ”دعم الإرهاب” و”الوقوف في صف الإرهابيين”، بينما يقدرون الجهود الدعائية لزعيم المافيا الشهير سدات بكر لصالحهم، مع أنه يستخدم أساليب إرهاب وعنف ويهدد المعارضين بإسالة دمائهم.
يواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم بكل وحداته وشخصياته، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم الترويج لحملة “العمال الكردستاني الإرهابي يرفض النظام الرئاسي، لذلك سأصوت بنعم في الاستفتاء”، في مسعى منهم لحصد الأصوات خلال الاستفتاء الدستوري. بمعنى أنهم يزعمون أن الزعيم الإرهابي المحبوس عبد الله أوجلان وحزبه العمال الكردستاني يعارضان هذا النظام، وكل من يعارضه يكون قد وقف إلى جانبهما واصطف في خندق الإرهابيين، على حد زعمهم.
لكن هل يرفض أوجلان النظام الرئاسي فعلا أم ذلك عبارة عن تشويه للحقيقة وسعي لخداع الناس وتوجيههم للتصويت بنعم على النظام الرئاسي؟
الأرشيفات الإعلامية تكشف لنا أن الزعيم الإرهابي أوجلان أعلن أكثر من مرة وفي شتى المناسبات أنه يدعم النظام الرئاسي الذي يحلم به أردوغان. فإذا عدنا إلى تاريخ 28 فبراير/ شباط 2013، نرى أن جريدة “مليت” نشرت المحاضر التي تحتوي المحادثات التي دارت بين وفد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وأوجلان في محبسه بجزيرة إيمرالي في إطار “مفاوضات السلام”. يقول فيها النائب الكردي “سري ثريا أوندر” لأوجلان: “هناك قضية انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي.. فالرأي العام حساس جدا في هذا الموضوع”، ويرد أوجلان عليه بقوله: “من الممكن أن نعمل الفكر في النظام الرئاسي ونتبناه. فنحن نقدم دعمنا لرئاسة السيد رجب طيب أردوغان. لذلك يمكننا الاتفاق معه على أساس هذا النظام الرئاسي”. وعندما تساءل أوندر: “ولكن كيف سيكون حينها وضعكم وموقعكم؟”، أجاب أوجلان مبتسما: “عندها لن يكون هناك حبس، ولا إقامة جبرية، ولا عفو.. لن يبقى هناك أي داع لمثل هذه الأمور؛ لأننا سنصبح أحرارا جميعا!”. التصريحات التي تكشف أن ما سمى بـ”مفاوضات السلام الكردي” كانت تجرى في إطار النظام الرئاسي مقابل حرية أوجلان أو حتى منح حكم ذاتي له في المناطق الكردية.
لكن زعيم الحزب الكردي صلاح الدين دميرطاش تحدى أردوغان قائلا: “لن نسمح لك بفرض النظام الرئاسي”، وخاض غمار الانتخابات التشريعية في 7 يونيو/ حزيران 2015 كحزب مستقل بدلا عن المرشحين المستقلين، واستطاع تخطي العتبة الانتخابية والحصول على 80 مقعدا برلمانيا، وأفسد “المساومة السياسية” بين أردوغان وأوجلان. وبذلك زال “السبب” الذي كانت مفاوضات السلام تجرى من أجله، فأطاح أردوغان بطاولة عملية السلام في 28 يوليو/تموز 2015. لكن أردوغان لم ينس مرارة هذه الخسارة أبدا بحيث توجه لمعاقبة الأكراد من خلال عمليات أمنية وعسكرية أمر بتنفيذها في شرق وجنوب شرق تركيا وحول المناطق السكنية للمواطنين المدنيين إلى خراب ودمار شامل، إضافة إلى اعتقال صلاح الدين دميرطاش مع 12 من زملائه في العام المنصرم.
واللافت أن يالشين أكدوغان، كبير مستشاري أردوغان ونائب رئيس الوزراء سابقا، المعروف بأنه “صانع عملية السلام الكردي” و”مخترع مفهوم الكيان الموازي” لإلصاقه بحركة الخدمة، كان قد نفى صحة ادعاءات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بشأن معارضة الزعيم الإرهابي أوجلان للنظام الرئاسي، في تصريحات أدلى بها في 18 من يوليو/ تموز لعام 2015 حيث كانت مفاوضات السلام الكردية مستمرة. إذ قال في تلك التصريحات “إنهم (حزب الشعوب الديمقراطي الكردي) يزورون دوما كلام وتصريحات أوجلان، ويزعمون أنه يعارض النظام الرئاسي والتحالف مع حزب العدالة والتنمية.. هذا كذب كليا. إنهم يستخدمون اسم أوجلان ويحاولون خداع الناس. أظن لو أمسك أوجلان بهؤلاء لضربهم وطاردهم بالعصي، لأنهم من أفسدوا كل شيء!”، على حد تعبيره.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: “ما هو الشيئ الذي أفسده صلاح الدين دميرطاش مع زملائه في الحزب الكردي يا ترى؟! إنه المساومة (تحت مسمى مفاوضات السلام الكردي) التي جرت بين أردوغان وأوجلان بشأن دعم النظام الرئاسي مقابل حرية أوجلان ومنح حكم ذاتي له في المناطق ذات الأغلبية الكردية. ولذلك لما فشلت خطتهم في الفوز بـ400 نائب برلماني؛ العدد الذي يكفي لنقل البلاد إلى النظام الرئاسي دون الحاجة إلى استفتاء شعبي، عقب فوز الحزب الكردي بـ81 نائبا، قال يالتشين أكدوغان “إذا قلتم بأننا لن نسمح لأردوغان بفرض النظام الرئاسي، فليس بمقدوركم بعد اليوم إلا أن يصور فيلم مسيرة السلام!”.
وهذه الحقائق إن دلت على شيئ فإنها تدل على أن الذين يزعمون ممارسة “السياسة الإسلامية” إنما يتبنون سياسة “مكيافيلية” ويعملون بـ”الغاية تبرر الوسيلة”، ويستخدمون كل أنواع الكذب في سبيل تحقيق أهدافهم.