بقلم: محمود عبد الرازق جمعة
ليس غريبًا أن يستهدف أردوغان حركة “الخدمة”، فهي الحركة الدينية، الوحيدة ربما، التي تعتمد في نشر رسالتها على نشر العلم وإنشاء المدارس والجامعات في كل أنحاء العالَم، في حين يبني الديكتاتور، أيّ ديكتاتور، دولتَه على نشر الجهل وتسفيه العلم وتشويه صورة العلماء وإغلاق منابع التعليم ووضع الجهلاء في موضع المعلِّمين.
بعد نحو شهر سوف يبدأ العام الدراسي الجديد، وسوف يحتاج أردوغان إلى ملء الفراغ الذي صنعه بإقالة واعتقال معلِّمي الخدمة من المدارس وعلمائها من الجامعات، ولن يجد إلّا بعض المدّعين ضعاف المستوى قليلي الخبرة، وربما سيكون معظمهم من الإخوان المسلمين الذين أثبتوا فشلهم في مصر فذهبوا إلى تركيا لإثبات قدرتهم الفائقة على التبعيَّة والطاعة العمياء، بنشر منهجهم (السمع والطاعة) بين أطفال وشباب تركيا.
ولعلّ في هذا مؤشِّرًا على أن أردوغان في طريقه إلى أن يصبح مرشدًا عامًّا جديدًا للإخوان، ولو شرفيًّا، لأن المرشد العامّ -بداهةً- سيكون تابعًا له.
كما سبق وأعلن أردوغان قبل محاولة الانقلاب الفاشلة عن مبادرة لمنح الجنسية للسوريين من أصحاب الكفاءات والتخصصات العلمية النادرية، ما يكشف أن كان يخطط مبكرا لهذا اليوم ومن المعروف أن غالبية من استقبلتهم تركيا من السوريين في مدنها الكبيرة هم أيضا من المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا.
الرؤية ضبابية، والصورة العامَّة في المجتمع التركيّ حاليًّا هي -تمامًا- عكس صورته منذ سنوات قليلة، فالكراهية منتشرة، والتحفُّز ضدَّ الآخَر صار القاعدة العامة، والخوف من المجهول يسيطر على العقول، وحلفاء اليوم الذين طبَّع معهم أردوغان العلاقات كانوا أمس أعداءً قتلوا أبناء تركيا عمدًا، وحلفاء الأمس الذين ساندوا أردوغان حتى وصل إلى السلطة صاروا اليوم متهَمين بالإرهاب يحاولون السيطرة على تركيا، والصحف التي كانت توزّع مئات الآلاف من النسخ بالأمس صارت اليوم صحفًا مصادَرةً مُغلَقة متهَمة بالترويج للإرهاب، والفاسدون المرتشون مستقرُّون في الحكم والحكومة، والشرفاء والعلماء والمعلِّمون إما معتقَلون وإما مطرودون وإما هاربون، كلُّهم مُدانون سَلَفًا، والعقوبة معروفة قبل معرفة التهمة.
تركيا اليوم لم تعد تركيا التي عرفناها منذ خمس سنوات، لم تعُد تلك العروس التي تزداد جمالًا وشبابًا كلما مرّ الزمن، بل صارت عجوزًا أصابها الجنون تصرخ كلما ظنَّت أن شخصًا يمرّ أمامها، أكبر قادتها يُلقِي بالاتهامات يمينًا وشِمالًا، فيتَّهم أمريكا والغرب ومصر والشرق ووكلاء النيابة والقضاة والشرطة والجيش والمعلِّمين والعلماء والتجار والصحفيين، يتَّهم كل هؤلاء بالإرهاب، وبمحاولة السيطرة على تركيا، وبالانقلاب على الديمقراطية ويجعل الشعب يعيش في وهم أن العالم كله يتآمر على تركيا إما خوفا من تعاظم قوتها أو حسدا مما وصلت إليه بينما أهين جيشها في الشوارع وأصبح اقتصادها ينزف بسبب العزلة التي تعيش فيها تحت حكم أردوغان…
نعم، صارت تركيا عجوزًا أصابها الجنون! ونسال الله أن يخلِّصها منه خلاصًا عاجلًا غير آجل، فبعض الجنون لا ينتهي إلا سريعًا، ولا ينتهي إلا بالموت. عافانا الله من الجنون، ورحِمَنا من مَوت الأُمَم.