تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – نشرت صحفية “حريت” التركية خبرًا زعمت فيه أن “رئاسة الأركان العامة قلقة ومنزعجة” من الانتقادات الموجهة إليها في عديد من القضايا، الأمر الذي اعتبره محللون رسالة موجهة من العسكر إلى الحكومة، فيما رآه محللون آخرون عملية جديدة لتوجيه الرأي العام وتشكيل إدراكه قبيل الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي ستمنح الصلاحية المطلقة للرئيس رجب طيب أردوغان في كل شيء.
ففي خبر أسندته إلى مصادر عسكرية مطلعة، ادعت الصحفية هاندا فرات، التي أخذت “دورًا” في المسرحية الانقلابية العام الماضي باستضافتها الرئيس أردوغان على شاشة “سي أن أن” التركية عبر “تطبيق فيس تايم” بعد اندلاع أحداث الانقلاب، أن رئيس الأركان خلوصي أكار أجاب على الانتقادات التي وُجِّهت إليه لتصنّعه التقرب من الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، بعد أن ألقى كلمة خلال الاجتماعات الجماهيرية للتصدي لمحاولة الانقلاب المزعومة وكأنه زعيم سياسي.
ونقلت فرات في خبرها الذي حمل عنوان “مقر رئاسة الأركان قلق” عن المؤسسة العسكرية استيائها من الانتقادات المتعلقة بسبع قضايا تدور حول رئيس الأركان خلوصي أكار، ثم سردت مجموعة من الأجوبة، ناسبة إياها إلى “مصادر عسكرية”، للرد على تلك الانتقادات المتداولة في الرأي العام.
وبحسب الخبر، فإن مبادرة وزارة الدفاع إلى رفع الحظر المفروض على الحجاب للسيدات العاملات في صفوف الجيش شكّلت المصدر الأساسي لقلق العسكر، حيث نقل عن تلك “المصادر العسكرية” قولها بأن التعديل المذكور أجري بدون استشارة رئاسة الأركان العامة، ثم ذكر الخبر القضايا الأخرى التي تسببت في توجيه الانتقادات إلى رئيس الأركان والتي انزعجت منها المؤسسة العسكرية عامة وهي:
– تقديم أكار التعزية في وفاة رئيس تحرير صحيفة “يني عقد” الإسلامية حسن كاراكايا، حيث بررت المصادر العسكرية ذلك بأن رئاسة الأركان تعرب من وقت لآخر عن حزنها وتتقدم بالتعازي لأسر عديد من الشخصيات البارزة في المجتمع وليس فقط رئيس تحرير صحيفة “يني عقد”.
– مرافقة أكار للرئيس أردوغان في جولاته الخارجية كانت أيضا محط انتقادات، وأجاب عنها الجيش التركي بأن هذه الانتقادات متعمدة ومغرضة، مؤكدًا أنه لم يرافق أردوغان في جولاته الدولية خلال الأشهر الستة الأخيرة سوى مرتين فقط، مشيرا إلى أن مشاركة رئيس الأركان في لقاءات رسمية برفقة الرئيس عند الضرورة أمر طبيعي من أجل مصالح البلد.
– استلام أكار وسام الاستحقاق من وزارة الدفاع الأمريكي عام 2015 على يد قائد القوات البرية الأمريكية الفريق أول ريموند أوديرنو الذي كان يرأس الفريق العسكري الأمريكي الذي وضع الأكياس على رؤوس الجنود الأتراك في مدينة سليمانية بشمال العراق في الرابع من يوليو عام 2003 أثناء الحرب على العراق، وردت المصادر العسكرية على هذا بأن أكار ليس الوحيد الذي تلقى وسام الاستحقاق من وزارة الدفاع الأمريكي بل هناك كثير من جنرالات الجيش حصلوا على هذا الوسام من أمريكا.
وذكر الخبر أيضًا قضايا أخرى في هذا الصدد لكن نطويها نظرًا لعدم أهميتها.
هذا الخبر أحدث تداعيات متباينة في الصحافة التركية، حيث اتهم كتاب موالون للحكومة والرئيس أردوغان، بينهم جيم كوتشوك، صحيفة “حريت” بالعودة إلى “ضبط مصنعها الانقلابي القديم”، ومبادرتها إلى أن تكون مجددًا “لسان العسكر” في عالم الصحافة، معتبرين الخبر “دعوة مبطنة” للجيش بالانقلاب والسيطرة على زمام الحكم في البلاد، موجهين للسلطات القضائية دعوة لفتح تحقيقات بحق الصحيفة، وكاتبة نصوص الخبر الصحفية هاندا فرات، ومالك الصحيفة رجل الأعمال ورئيس مجموعة دوغان القابضة آيدين دوغان.
واستخدم الكاتب الصحفي جيم كوتشوك على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي”تويتر” عبارة “لقد انتحرت هاندا فرات وصحيفة (حريت) بهذا الخبر”، وهددهما بقوله: “إنهم جميعًا سيدفعون ثمن ذلك، مجموعة دوغان لا تزال قاعدة الانقلاب في هذا البلد، هي دعمت كل الانقلابات العسكرية للجنود الكماليين وستواصل ذلك بعد اليوم أيضًا”.
وهذه الدعوات والتهديدات لقيت صدىً إيجابيًّا لدى السلطات القضائية، حيث سارعت النيابة العامة في بكر كوي بمدينة إسطنبول إلى فتح تحقيق ضد رئاسة الأركان العامة بشبهة وجود “مجلس عسكري انقلابي جديد” في الجيش.
لكن عند النظر إلى القضايا التي تزعم الصحفية هاندا فرات أنها “أقلقت” و”أزعجت” المؤسسة العسكرية، وإذا أخذنا بالاعتبار أن السيدة فرات من “كوادر القصر الرئاسي”، عينها الرئيس أردوغان، وأن مجموعة دوغان أصبحت خاضعة له بحيث فصل مؤخرًا عرفان دكيرمانجي، الكاتب الصحفي البارز العامل لديها، لمجرد أنه انتقد تعديلات النظام الرئاسي، فإنه من الممكن أن تكون هذه الخطوة “عملية اختراق أذهان جديدة”، بل قد تكون بداية “الحلقة الثانية من المسرحية الانقلابية” التي شهدتها تركيا في 15 يوليو من العام المنصرم.
وقال الكاتب الصحفي المخضرم والخبير في الشؤون الأمنية والتنظيمات الإرهابية أمره أوسلو، وكذلك الصحفي فؤاد باران في تغريداتهما على تويتر “إذا لم يصدر الرئيس أردوغان حتى اللحظة أوامره السامية بفرض الحراسة القضائية على مجموعة دوغان الإعلامية، واعتقال الصحفية هاندا فرات التي نشرت الخبر، فذلك يدل على أن شيئًا آخر وراء هذه الخطوة”.
ومع القبول بأن تكون هناك أهداف عديدة لقوى الصراع المختلفة في تركيا، إلا أن الرئيس أردوغان سيستغل ذلك لإعادة المشاهد والصور التي رأتها تركيا إبان الانقلاب العسكري الأبيض في 1997 إلى أذهان “الفئات المحافظة والقومية”، من أجل دفعها إلى رصّ الصفوف والتضامن والتكتّل حول نفسه في مساعيه الرامية إلى إقرار النظام الرئاسي بعد الاستفتاء الشعبي عليه في شهر أبريل المقبل.
ونظرًا لأن عديدًا من الكتاب الصحفيين ومستشاري الرئيس أردوغان، في مقدمتهم يكيت بولوت، شنّوا هجومًا شرساً على رئاسة الأركان العامة بدعوى احتضانها “مجموعة عسكرية انقلابية”، فإنه ليس من المستبعد أن يطلق الرئيس أردوغان عملية تصفية جديدة في صفوف الجيش لحصد رؤوس “الجنرالات الكماليين العلمانيين”، – بعبارة جيم كوتشوك – لإزالة “العراقيل المحتملة” في سبيل الانتقال إلى النظام الرئاسي أو تأسيس “الجمهورية الأردوغانية”، كما يرددها أنصاره.
والملفت للنظر هو أن الصحفية هاندا فرات لم يفتح بحقها أي تحقيق حتى اللحظة، ولم يجر أي تحرٍّ حول “مصادرها العسكرية”، فضلاً عن ذلك، فإن وزير الرياضة والشباب تشاغاتاي كيليتش أجرى اليوم الاثنين زيارة إلى مقر صحيفة “حريت” والتقط صورة معها! وإذا أضفنا ذلك إلى القرائن الأخرى، فإنه يمكن أن نستنتج أن فرات قامت بتمرير “الكرة” من خلال خبرها هذا إلى الرئيس أردوغان لكي يسددها إلى “المرمى” ويحقق أهدافه، كما سبق أن استضافته ليلة الانقلاب المحبوك على شاشة “سي أن أن” التركية ولمعت صورته كبطل وزعيم قومي نجا من محاولة اغتيال وانقلاب محققة!