تقرير: محمد عبيد الله
لندن (الزمان التركية) – بعد مضي ما يقرب من عام على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا كان المنتظر انكشاف الغبار والغموض اللذين يكتنفانها إلا أن الشبهات لا تزال تحوم حولها بل تزداد يوما بعد يوم وتظهر أدلة جديدة تشير إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان استغل عناصر معارضة له في المؤسسة العسكرية ودفعها لتقوم بمحاولة انقلاب على نفسه، محكوم عليها بالفشل، تحت سيطرة العناصر الموالية له أو المتحالفة معه، حتى تتكون الذريعة اللازمة لإزالة عقبات محتملة تقف حجر عثرة أمام تأسيس نظامه الشخصي، تمامًا مثلما استغل تحقيقات الفساد والرشوة عام 2013 لإعادة تشكيل أجهزة الأمن والقضاء.
وكما أن جهاز المخابرات قدم لأردوغان تقريرًا قبل 6 أشهر من بدء تحقيقات الفساد والرشوة حذره فيه من أن علاقاته مع رجل الأعمال التركي إيراني الأصل رضا زراب؛ الرجل رقم واحد في هذه التحقيقات، من الممكن أن تجلب عليه مشاكل وتحرجه في المستقبل، ما أتاح له الفرصة ليضع خطة مدروسة جيدًا ويقدم تحقيقات الفساد المتوقعة وكأنها محاولة انقلاب يدبرها ما أسماه “الكيان الموازي” ويطلق في نهاية المطاف حركة تصفية شاملة في أجهزة الأمن والقضاء بصفة خاصة؛ كذلك كان على علم بانزعاج المؤسسة العسكرية من سياساته، خاصة فيما يتعلق بعلاقاته مع تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني الإرهابيين، فقام بتوظيف هذا الانزعاج، ووجه بشكل طبيعي السذج من العسكريين المنزعجين عبر عناصره في الجيش ليحدثوا “انقلابا تحت السيطرة” حتى يحصل على المبرر الضروري لإطلاق هذا الحجم من حملات الاعتقال والفصل في كل أجهزة الدولة.
هذا هو ما حدث فعلاً.. والتقارير الدولية حول الانقلاب تؤيد ما ذهبنا إليه.. ومع أن إعلام أردوغان، بما فيه قناة الجزيرة القطرية، سارع في البداية إلى تقديم تقرير البرلمان البريطاني وكأنه يؤكد وقوف حركة الخدمة وراء هذا الانقلاب، إلا أن أحلامهم تحطمت بسرعة عندما ظهرت الحقيقة، كما رصدنا ذلك في تقرير سابق لنا (قناة الجزيرة تشوه مضمون التقرير البريطاني حول انقلاب تركيا ثم تتراجع).
لا يكتفي التقرير البريطاني بتأكيد حقيقة براءة الخدمة في هذا الصدد، كما تناولنا ذلك في تقرير سابق لنا (البرلمان البريطاني: ليس هناك دليل مادي على تورط غولن في الانقلاب) بل يتضمن تفاصيل مثيرة تكشف اليد التي تقف وراء هذه الجريمة الشنعاء على وجه التحديد. يمكنكم الإطلاع على أصل التقرير البريطاني.
وفي هذا التقرير سنحاول عرض هذه التفاصيل مع إدراج النص الأصلي الإنجليزي حتى يكون الجميع على بينة من أمر هذه المؤامرة المنصوبة للشعب التركي عامة وأبناء حركة الخدمة خاصة.
“أردوغان أعلن حركة الخدمة تنظيما إرهابيا قبل الانقلاب”
رجح التقرير البريطاني أن تكون مشاركة للخدمة في الانقلاب على المستوى الفردي فقط – على حد زعمه – لكنه أكد بعبارات واضحة عدم إمكانية حصول مشاركة منظمة، ونفى أن يكون للداعية فتح الله غولن أو أي أحد من الشخصيات المقربة منه أي دور فيه. ومن ثم لفت إلى أن اتهام أردوغان للداعية غولن بتدبير الانقلاب ليس إلا امتداد لاتهاماته الممنهجة النمطية التي يوجهها إليه، معيدًا للأذهان أنه أعلن حركة الخدمة تنظيمًا إرهابيًا قبل ستة أسابع من الانقلاب.
“حركة الخدمة لا يمكن أن تكون تنظيمًا إرهابيًا”
وقال أعضاء اللجنة البرلمانية في تقريرهم إن نتائج الأبحاث والتحريات، سواء تلك التي أجروها بأنفسهم أو التي أجرتها الدولة البريطانية تقودهم إلى أن غولن أو حركة الخدمة لا يمكن أن تكون تنظيما إرهابيا ولا يمكن وصفها بالإرهابية.
“الدولة الموازية للعدالة والتنمية والكماليين”
وأشار التقرير إلى الثغرات القانونية والإدارية في تركيا، ثم قدم تعليقًا مثيرًا جدًا، حيث نوه إلى أن هناك مجموعات مختلفة تحاول الحصول على نفوذ وقوة في مؤسسات الدولة التركية، وذكّر بعد ذلك باتهام أردوغان لحركة الخدمة بتشكيل دولة موازية داخل الدولة، ثم عقب بقوله: “هناك دولة موازية لكل من حزب العدالة والتنمية وأنصار التيار الكمالي أيضًا!”
أردوغان وصف الانقلاب بـ”هدية الله”
واستمر التقرير البريطاني في سرد شكوكه حول حقيقة ما حدث في تركيا دون أن يهمل الإشارة إلى وصف أردوغان الانقلاب بـ”هدية من الله”، بعد بدء أحداث الانقلاب مباشرة. كما لفت إلى أن أردوغان استغل المحاولة لجمع كل السلطات في يده، وتخويف معارضيه، وقام باعتقال وفصل آلاف المواطنين المدنيين.
ومن النقاط المثيرة التي تضمنها التقرير البريطاني إشارته إلى أن أردوغان لا يقدم حركة الخدمة مسؤولة عن محاولة الانقلاب فحسب وإنما دأب منذ زمن بعيد على تقديمها مسؤولة عن كل السلبيات والمشاكل التي تشهدها تركيا!
ونوه أعضاء اللجنة البرلمانية في تقريرهم أنهم اهتموا بالموضوعية والحيادية في اللغة المستخدمة، حيث رجحوا استخدام عبارة “غولنيون” بدلاً من حركة الخدمة أو “منظمة فتح الله غولن الإرهابية” التي يستخدمها أردوغان.
جدير بالذكر أن تقرير البرلمان البريطاني جاء متماشيًا مع تقرير المخابرات البريطانية الذي نشرته مجلة “فوكس” الألمانية بعد أسبوع واحد من الانقلاب تحت عنوان “السلطة.. الهذيان.. أردوغان”، وأشارت إلى أنها حصلت على مكالمات هاتفية وبريدية مشفرة تعود لمسؤولي الحكومة التركية أثناء حدوث الانقلاب الفاشل، تكشف أنهم خططوا لإلصاق الجريمة بحركة الخدمة حتى يختلقوا ذريعة لإطلاق حملة تصفية موسعة في أجهزة الدولة بعد استحداث جريمة “الانتماء إلى حركة الخدمة”.
واللافت أن المجلة حصلت على جائزة من إحدى المؤسسات الدولية بسبب نشرها هذا التقرير.