تقرير: علي عبد الله التركي
(الزمان التركية) – نفى تقرير لمركز المخابرات في الاتحاد الأوروبي كل مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإعلامه؛ حيث أكد التقرير أن أردوغان كان ينوي القيام بعملية “تطهير” شاملة لقوى معارضة داخل مؤسسة الجيش قبل أن يتعرض لمحاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو / تموز 2016.
وقد تعارض ما توصل إليه التقرير الاستخباراتي الأوروبي الذي نشر في قبل نحو شهر، مع رواية الرئيس أردوغان الذي اتهم الأستاذ فتح الله غولن بتدبير المحاولة من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة.
وكانت أنقرة دعت السلطات الأميركية مرارا إلى تسليم غولن إياها، لكنها طالبتها بتزويدها بأدلة واضحة على ضلوعه في محاولة الانقلاب قبل اتخاذ قرار قضائي بشأن ترحيله، فضلاً عن الأستاذ غولن كان تحدى أردوغان وطالب بتشكيل لجنة دولية محايدة لتتولى التحقيق في محاولة الانقلاب، معلناً أنه مستعد للعودة إلى تركيا والقتل شنقًا إذا أثبتت هذه اللجنة صحة مزاعم أردوغان، إلا أن الأخير لم يستجب لهذه الدعوة، مكتفيًا بتوجيه الاتهامات المرسلة فقط.
ووفق ما نقلت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية عن التقرير، فإن محاولة الانقلاب دبرها عسكريون معارضون للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية داخل مؤسسة الجيش، استباقا لحملة وشيكة لأردوغان توقعوا أن تستهدفهم.
وقال التقرير: “من المحتمل أن تكون مجموعة عسكرية تضمّ المتعاطفين مع غولن والمعارضين للحزب الحاكم والعلمانيين والانتهازيين هي من دبرت هذه المحاولة استباقا لحملة وشيكة لأردوغان”، مستبعدًا صدور أي أمر من الأستاذ غولن في هذا الصدد.
وأوضح التقرير أن أردوغان كان قد بدأ حملته ضد المتعاطفين مع الأستاذ غولن والعلمانيين والانتهازيين في الجيش منذ 2014، بعدما ظلت المؤسسة العسكرية إحدى آخر معاقل العلمانية في تركيا.
وشدد التقرير على أن ما سموه المتعاطفين مع الأستاذ غولن لا يتمتعون بتلك القدرة التي تمكنهم من الانقلاب، نظراً لأن افتراض هذه القوة لديهم يتناقض مع المعطيات التركية الرسمية حول قوة ونفوذ حركة الخدمة.
كما لفت التقرير إلى أن أردوغان أعد قائمة الأسماء التي قرر اعتقالها وتصفيتها قبل الانقلاب بكثير، مشيرًا إلى أنه استغل هذه المحاولة الفاشلة وأعلن حالة الطوارئ في عموم تركيا وقام بتصفية كل من صنفهم معارضين.
وفي هذا السياق فإن التقرير الاستخباراتي الأوروبي يعد الثاني من نوعه، حيث سبق أن نشرت مجلة “فوكس” الألمانية في منتصف العام الماضي، تقريرًا أعدته المخابرات البريطانية يكشف أنها تابعت المكالمات الهاتفية والبريدية المشفرة لكبار مسؤولي الحكومة التركية منذ اللحظة الأولى من بدء أحداث محاولة الانقلاب، ويظهر أنهم، أي المسؤولين الأتراك، يأمرون فيها بتقديم الأستاذ فتح الله كولن كرقم أول يقف وراء هذه المحاولة، من أجل تنفيذ حملة تصفية شاملة ضد أفراد حركة الخدمة.
وجاء هذا التقرير الاستخباراتي الأوروبي الذي نشرته مجلة “تايمز” البريطانية قبل أسبوع، مؤكدًا لما توصلت إليه المخابرات البريطانية قبل نحو ستة أشهر.
خلاصة التقرير الأوروبي حول الانقلاب في تركيا
ويمكن تلخيص النقاط التي تطرق إليها التقرير الاستخباراتي الأوروبي الصادر في 24 أغسطس 2016، والذي أفردت معظم الصحف والقنوات العربية والعالمية مساحة كبيرة له، كما يلي:
قال التقرير، بشكل غير مباشر، إن الرئيس أردوغان هو من دبر هذه المحاولة الانقلابية وصمّمها على الفشل، لكي يتمكن من الحصول على ذريعة تصفية معارضيه.
أكّد أن أردوغان كان ينوي القيام بعملية “تطهير” شاملة ضد قوى معارضة في المؤسسة العسكرية قبل محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
أن يكون الأستاذ فتح الله كولن “العقل المدبر” الذي يقف وراء الانقلاب الفاشل، كما يزعم أردوغان، احتمال بعيد.
زُعْم أردوغان بأن “حركة الخدمة من دبر الانقلاب الفاشل” يتعارض مع تقارير الدولة التركية والمعطيات الأوروبية حول قوة ونفوذ هذه الحركة في المؤسسة العسكرية؛ آخر معاقل العلمانية بصفة خاصة، وأجهزة الأمن بصفة عامة، بعد عمليات التصفية والتطهير التي تستمر منذ نهاية عام 2013 حيث انطلقت تحقيقات الفساد والرشوة التي اعتبرها أردوغان محاولة انقلاب أيضا.
أغلب الاحتمال هو أن تكون مجموعة عسكرية تضمّ معارضين للحزب الحاكم وعلمانيين وانتهازيين ومن سماهم بـ”متعطفين مع غولن”، هي من دبرت هذه المحاولة، ذلك تخوفًا واستباقًا لحملة وشيكة لأردوغان توقعوا أن تستهدفهم، مستبعدًا صدور أي أمر من الأستاذ غولن في هذا الصدد.
محاولة الانقلاب باتت محفزة لأردوغان لكي ينفذ عملية تطهير في كل أجهزة الدولة، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، خطط لها في وقت سابق قبل وقوع المحاولة فعلاً.
استغل أردوغان المحاولة الانقلابية لإعلان حالة الطوارئ في عموم تركيا ليشرع بعدها في عملية تصفية موسعة ضد كل من صنفهم ضمن المعارضين.
تشخيص التقرير الأوروبي لمحاولة الانقلاب يتفق تمامًا مع التشخيص الذي وضعناه في المقالين اللذين نشر أحدهما بعد يومين من الانقلاب، والآخر بعد أسبوع منه في موقع “الزمان التركية”، والأول حمل عنوان “انقلاب فاشل أم مسرحية.. تداعيات وآفاق” والثاني “الانقلاب على الجيش التركي.. دوافع وتبعات”..
ويمكن أن نلخص ما ورد في هذين المقالين كما يلي:
“لم يكن خافياً على الملمين بالشأن التركي وجود انزعاج متبادل بين أردوغان والجيش الوطني، حيث إن أردوغان كان يسعى لتحويل الجيش إلى (أداة طيعة) في يده ليحقق بها حلمه في نقل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي تحت قيادته من جانب؛ ومن جانب آخر حلمه في إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد الذي بات مسألة شخصية وعقدة نفسية عنده، تمهيداً لإعلان نفسه (خليفة المسلمين) باعتباره (فاتح الشام) و(محرك الثورات العربية)، لكن الجيش الوطني رأى ورصد أنه يحاول تحقيق هذه الأحلام في الداخل عن طريق توظيف منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية عبر مفاوضات السلام تارة وحرب شاملة تارة أخرى، وفي الخارج من خلال استخدام منظمة داعش الإرهابية، ومثيلاتها الأخرى، بمعنى أن الجيش كان مطلعاً على أسرار أردوغان في تعاونه مع الإرهابيين وأردوغان كان يعلم إطلاع الجيش هذا وكان بالمرصاد.
نفهم من التصريحات التي أدلى بها أردوغان ليلة الانقلاب الفاشل والتي قال فيها “هذه المحاولة في التحليل الأخير لطف كبير من الله من أجل تطهير القوات المسلحة التي من المفترض أن تكون خالية ونقية من هذه العناصر، واتخاذُ مثل هذه الخطوة قبيل عقد مجلس الشورى العسكري مطلع أغسطس المقبل له دلالته، فالبعض توقعوا ما سيحدث في هذا الاجتماع، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة”، أنه كان يخاف من قيام الجيش بفتح “ملفّ الإرهاب” (داعش والكردستاني) في ذلك الاجتماع، مع إبراز الأدلة والوثائق، بعد أن سرّب التسجيل المصور الذي كشف عن الأسلحة المختبئة في شاحنات المخابرات المرسلة إلى داعش في سوريا، ولذلك كان يبحث عن “ذريعة” قبل انعقاد هذا الاجتماع لأركان الدولة ليقوم بحركة استباقية وينقذ نفسه من الضغوطات العسكرية المحتملة (وهذا الكلام يتطابق تماما مع ما ورد في التقرير الأوروبي: تخوفًا واستباقًا لحملة وشيكة).
إن أردوغان وأتباعه من جيشه السري من شركة “صدات” الأمنية قاموا بهذه التمثيلية الانقلابية بغية إحكام قبضتهم على المؤسسة العسكرية ووضعها تحت وصايتهم، وحتى يتسنّى لهم إقصاء المعارضين لهم في داخل السلك العسكري.. أو ربما أثار بعض العسكر القوميين المتشددين للقيام بهذا الأمر وتورط معهم بعض السذّج.
فمثلما أن أردوغان أحدث “انقلاباً مضاداً” في اليوم التالي من بدء تحقيقات الفساد والرشوة، ونسف جهازي الأمن والقضاء من ألفه إلى ياءه، بحجة تطهيرهما من أعضاء “الكيان الموازي”، ثم أنشأ بدلاً منهما جهازي أمنٍ وقضاءٍ “موازيين” تابعين له تماماً، وذلك من أجل التستّر على جريمة “الفساد والرشوة”، كذلك أقدم على “انقلاب مضاد” في صبيحة ليلة الانقلاب “المفبرك” بمهارة العناصر المشبوهة المذكورة، أطاح بكل القادة العسكريين وأعضاء القضاء الأعلى، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، بذريعة تنقية الجيش من عناصر “الكيان الموازي” أيضاً، ثم راح يعيّن مكانهم أتباعه المبايعين له وحلفاءه من القادة المدانين سابقاً في قضايا انقلابية مثل قضيتي شبكة وعصابة أرجينيكون والمطرقة”.
تقرير جديد من المخابرات التركية يسقط مزاعمها السابقة
نشرت معظم الصحف التركية في 17 من الشهر الحالي تقريرًا أعدته المخابرات التركية لكي تحمل الحطب إلى النار التي أشعلها أردوغان لإحراق أبناء حركة الخدمة فيها، إلا أنها تناقضت مع نفسها وكذبت نفسها بنفسها دون أن تشعر!
يعلم المتابعون للشؤون التركية أن تطبيق “بايلوك” للتواصل هو الدليل الوحيد الذي يقدمه أردوغان كدليل على اتهامه لحركة الخدمة بتدبير المحاولة الانقلابية. مع أنه واحد من عشرات التطبيقات للمحادثات مثل “واس آب” و”فيبر” و”لاين” و”وي تشات” و”سكايب” و”إيمو” و”بي بي أم” وغيرها، إلا أن أردوغان نشر عبر جهاز مخابراته وإعلامه، منذ اليوم الأول من “محاولة الانقلاب الفاشلة”، آلافاً من القصص والحكايات الوهمية حول استخدام أفراد حركة الخدمة “الانقلابيين” هذا التطبيق لأغراض تداول “المعلومات والأوامر السرية” فيما بينهم. ولكي يضفي عليه غموضًا وأسرارًا ليكون سندًا لاتهماته، فإنه زعم أن بايلوك “الوسيلة السرية لتواصل أعضاء حركة الخدمة”، وتلقى العسكريون أمر الانقلاب عبره، ولا يمكن تحميله إلا من خلال واصلة أو بولوتوث. وادعى أن جهاز مخابراته يحوز 18 مليون مراسلة و3.5 ملايين رسالة إلكترونية من تلك المراسلات التي جرت بينهم عبر بايلوك، إلا أنه ورغم مرور أكثر من نصف عام على الانقلاب الفاشل لم يقدم حتى اليوم للرأي العام أي رسالة تلمح إلى حديث العسكريين فيما بينهم عن الانقلاب! وغني عن البيان أنه لو عثر على ذرة منها تثبت مدعاه لأعلنه للجميع بدلاً من الحكايات التي يضحك عليها العالم برمته. أجل، هذا هو كل مزاعم أردوغان حول بايلوك!
يمكن تلخيص مزاعم أردوغان حول بايلوك في عدة نقاط رئيسة:
هو “الوسيلة السرية لتواصل الانقلابيين”.
لا يستخدمه إلا المنتمون إلى حركة الخدمة.
لا يمكن تحميل التطبيق إلا من خلال واصلة أو بولوتوث.
كل هذه المزاعم سقطت بالتصريحات التى أدلى بها صاحب هذا التطبيق، وبالتقرير الجديد الذي نشرته المخابرات التركية قبل عدة أيام. أما كونه “الوسيلة السرية لتواصل الانقلابيين” فلم تنشر المخابرات حتى اللحظة تلك الرسائل التي زعمت أنها احتوت على أمر الانقلاب الصادر عن الأستاذ غولن.
وفي شهر أكتوبر / تشرين الأول الماضي، أجرى ديفيد كينز؛ الشخص الذي أعد برنامج وتطبيق بايلوك، حواراً مع صحيفة “حريت” التركية، وأسقط جميع المزاعم المذكورة وقضى على أسطورة بايلوك..! إذ أكّد أن التطبيق توقَّف تداوله وطرحه في كل من Google Play وAppstore منذ شهر يناير / كانون الثاني من عام 2016، أي قبل ستة أشهر من وقوع الانقلاب الفاشل. كما شدد على أن التطبيق نزلّه حوالي 600 ألف شخص، وأنه مفتوح للجميع، وليس مقتصراً على المنتمين إلى حركة الخدمة!
فكيف يمكن أن يكون تطبيق معروض على كل من Google Play وAppstore خاصا بأناس دون آخرين يا ترى؟!
وهذه الحقائق التي ذكرها ديفيد كينز، الذي من المفترض أن يكون صاحب القول الفصل في هذه المسألة، أكدها تقرير جديد أعدته المخابرات التركية وتداولته كل الصحف في تركيا. ومع أن التقرير أعد من أجل الدعاية السوداء ضد حركة الخدمة، وتقديم أدلة جديدة تساند نظرية وقوفها وراء الانقلاب الفاشل، إلا أن “قراءة ما بين السطور” تكشف لنا الحقائق التي تسقط أسطورة بايلوك. إذ نرى في ثنايا هذا التقرير أن المخابرات التركية تعترف بشكل صارخ بأن التطبيق يمكن أن يحمله أي شخص من Google Play المفتوح للجميع. بمعنى أنها نفت مزاعمها السابقة التي ادعت فيها أنه لا يمكن تحميله إلا من خلال واصلة أو بولوتوث، وأنه خاص بأفراد حركة الخدمة. كما تقرّ المخابرات التركية في ثنايا تقريرها الأخير بأن هذا التطبيق قد بدأ عرضه على المستخدمين عبر Google Play منذ بداية عام 2014 حتى مطلع عام 2016، أي انتهى عرضه قبل 6 أشهر من الانقلاب الفاشل. وإقرار جهاز المخابرات بهذه الحقيقة يسقط الأكذوبة التي تقول إن تطبيق بايلوك كان وسيلة التواصل السرية بين الانقلابيين من المدنيين والعسكريين.
إذا علمنا أن معظم عمليات الاعتقال التي طالت أكثر من 42 ألف شخص من أصل 105 مشتبهين بهم من أبناء حركة الخدمة، وعمليات العزل والفصل والنقل التي شملت 150 شخصًا على أقل تقدير، وفق المعطيات الرسمية، مستندها الوحيد هو أسطورة وبالون بايلوك، فإنه تتبين لنا ضخامة الظلم الذي تشهدها تركيا.
والطامة الكبرى هي أن عمليات الاعتقال والفصل بتهمة “استخدام بايلوك” تستمر حاليا على قدم وساق في تركيا، وسط مزاعم استخدامه من قبل 125 برلمانيًّا من أحزاب مختلفة، بل حتى هناك وزراء يستخدمون هذا التطبيق!
على كل حال، فإن جميع عمليات الاعتقال بتهمة “استخدام تطبيق بايلوك” تعسفية وغير قانونية، حتى ولو كانت المزاعم الواردة حوله صحيحة، ذلك أن هذه المزاعم مصدرها المخابرات التركية التي سبق أن أعلنت بشكل رسمي “أن الوثائق والمعلومات الاستخباراتية التي تقدم للمؤسسات المعنية، والتي تعد بعد تقييم وتفسير الوثائق والمعلومات التي تأتي إلى جهازنا من مصادر مختلفة لا يمكن استخدامها كأدلة قانونية”.
فهل ستستمر الحكومة التركية في دفن رأسها في الرمال مثل النعامة وتواصل سرد مزاعمها الخاوية حول وقوف حركة الخدمة وراء ما سمته “الانقلاب الفاشل”، على الرغم من الحقائق التي أظهرتها هذه التقارير البريطانية والأوروبية والتركية الثلاثة وتصريحات ديفيد كينز؟!.