بقلم: عبد السلام كمال أبوحسن
ظهرت في معظم بلاد العالم وبخاصة في تركيا منذ سقوط الدولة العثمانية إلى وقتنا الحالي تنظيمات سرية، كانت تقوم بأعمال قتل واغتيال لشخصيات هامة في الدولة التركية، ومن ضمن هذه التنظيمات حزب العمال الكردستاني المسلح وتنظيم أرجينكون، وغيرها من التنظيمات وفي هذا المقال سنحاول الحديث عن تنظيم أرجينكون ودوره السري في تركيا.
تنظيم أرجينكون هو تنظيم سري يساري متسلل في مؤسسات الدولة وفصائل المجتمع التركي من إعلام وتعليم وجيش منذ أكثر من 150 عاما، يلعب على وتر القوميات في تركيا. يؤمن هذا التنظيم بمفهوم العلمانية لإدراة الدولة وقد ساهم مع أتاتورك في أسقاط الدولة العثمانية.
وتشير أكثر التقديرات إلى أن غالبية قضايا الاغتيال التركية والتي قيدت ضد مجهول يقف خلفها هذا التنظيم، منها على سبيل المثال اغتيال بحريه أوتشوك bahriye üçok وأوغور مومجوuğur mumc مع أنهما كانا ينتميان للمعسكر العلماني إلا أنه تمت التضحية بهما من أجل إيهام الناس بأن الإسلامين هم من قاوموا بهذا الأمر.
تقول الروايات إن كلمة أرجينكون، الاسم الذي اطلقه التنظيم على نفسه، هو إشارة إلى أرض تركية تقع في وسط أسيا.
بدأت معرفة المجتمع التركي باسم هذا التنظيم سنة 1996 في حادثة صوصورلوك (susurluk) المشهورة في تركيا، حيث وقع حادث سيارة غرب تركيا، وقتل ثلاثة من ركابها هم:
- عبد الله تشادلي: وبالتحقيق تبين أنه زعيم مافيا مشهور في تركيا ومطلوب في قضايا عدة
- عشيقته “جونجا أوز” عارضة أزياء تركية.
- مساعد مدير أمن اسطنبول مدير معهد الشرطة في اسطنبول حسين كوجادا، وشخص آخر مصاب وهو “سادات بوجاك”شيخ قبيلة كردية كبيرة عضو في البرلمان التركي.
والمستغرب في القضية كيف يجتمع مساعد مدير أمن اسطنبول مع مجرم وزعيم مافيا مطلوب للعدالة في سيارة واحدة، وبعد أن فتحت السلطات التركية تحقيقا موسعا في القضية اتضح أن المجموعة آتية من إزمير كانت في اجتماع مع وزير الداخلية في هذا الوقت “محمد أغار”، كما عثر بداخل السيارة على أسلحة، وبعد التحقيق قدمت المخابرات التركية أدلة تثبت أنه كان هناك اتصال بين نائبة رئيس الوزراء وزوجها آنذاك مع أحد الضحايا، وبعد فترة من التحقيقات تم اخفاء الأدلة وغلق القضية، بسبب ضغوطات مورست.
وكان للتنظيم أيضا دور في تهيئة الأوضاع للانقلاب الناعم على أربكان، فقد لعب التنظيم من خلال الإعلام على تشويه صورة حزب الرفاة الذي كان يترأسه رئيس الوزراء أربكان في ذلك الوقت، من خلال تشويه صورة الإسلاميين فقد نشرت بعض الصحف مثل صحيفة ekip صورة لإمراة محجبة وثلاثة رجال يقفون بجوراها واتهمت هذه المرأة المحجبة بأنها تمارس الدعارة وأن هذا حال الإسلاميين في تركيا.
وبالتحقيق تبين أن الصورة للممثلة المصرية آثار الحكيم وأن الصورة أخذت من على غلاف مجلة سيدتي آنذاك، وقد انتشرت في هذه الفترة كثير من الأخبار الكاذبة التي تشوه صورة الإسلاميين أمام المجتمع التركي، حتى أن جريدة الزمان التركية كتبت تحقيقا حول هذه الأخبار وأصدرت كتابا سمته ملف الأخبار الكاذبة (yalan haberler dosyası)، ثم قام التنظيم بخلق فوضى في الشوارع عن طريق تفجيرات تحدث هنا وهناك مما شكل حالة سخط لدي الشارع وشعوره بعدم الاستقرار، وهو ما دفع أربكان بعد ذلك إلى الاستقالة.
ثم تأتي القضية الكبرى التي اكتشفت عن طريق الصدفة وهي قضية أرجينكون ففي 2007 اكتشف وكيل نيابة تركي في محافظة اسطنبول كان يحقق في قضية اغتيال سياسي، مخزنا للسلاح والمتفجرات يمتلكه ضابط تركي في ضواحي مدينة إسطنبول، وكان هذا بداية الخيط الذي أوصل وكلاء النيابة إلى كشف منظمة أرجينكون في الجيش التركي، فبعد أن استمر التحقيق لمدة أشهر سمح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لوكلاء النيابة بالدخول إلى غرفة أسرار الدولة التركية التي هي غرفة قيادة أركان الجيش التركي، من أجل إكمال التحقيقات في القضية، وقد وجد وكلاء النيابة خطة انقلاب عسكري أعدت من قبل قادة الجيش التركي بعد انتخابات 2002 التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية، توضح هذه الخطة كيف سيحدث الانقلاب والخطط التمهيدية له، منها على سيبل المثال خلق أزمة مع اليونان عن طريق اشتباكات بين الجيش التركي واليوناني في بحر مرمرة، إحداث تفجيرات في أكثر الأماكن اكتظاظا مثل المساجد والنوادي في اسطنبول وانقرة وبعض المدن التركية المهمة، وقد أحدث اكتشاف هذه الخطة زلزالا في تركيا، أدي إلى اعتقال كل من قائد القوات البحرية و قائد القوات الجوية، وقائد الجيش الأول، وعسكرين سابقين وسياسين.
وانتهت التحقيقات في القضية إلى حكم بالسجن على ممن قبض عليهم مثل”محيي الدين إردال شنل” المستشار القانوني السابق لرئيس هيئة الأركان العامَّة، حُكم عليه بالسجن 7 سنوات و6 أشهر، والعقيد المُتقاعد “مصطفى دونمز” وحُكم عليه بالسجن 49 عامًا وشهرين، والفريق أوَّل السابق “كمال ياووز”، وحُكم عليه بالسجن 7 سنوات و6 أشهر، والمحامي “نصرت سنام”، وحُكم عليه بالسجن 20 عامًا و3 أشهر، فيما حُكم على المُلازم “نويان تشالي كوشو” بالسجن 8 سنوات و6 أشهر وعلى الملازم “محمَّد علي چلبي” بالسجن 16 عامًا، ورئيس جامعة “أولوداغ” السابق البروفسور “مصطفى عباس يورت قوران” بالسجن 10 سنوات..وغيرهم.
ثم إن أردوغان قام بعد ذلك بإجراء بعض التعديلات في القوانين التركية لأسباب غير معلومة إلى الآن، وتمت إعادة محكمة هؤلاء مرة ثانية، وتم الافراج عن الجميع حتى إن الرئيس رجب طيب أردوغان قال في حوار تلفزيوني: “إن هؤلاء خرجوا من السجن بفضلي، إلا أنهم لم يوجهوا لي أي خطاب شكر أو كلمة تقدير”.
وصرح دوغو برينتشك رئيس حزب الوطن التركي وكان من ضمن المتهمين في قضية أرجينكون والذي حكم عليه بالسجن المؤبد وتم الافراج عنه بعد ذلك بفضل القوانين، أنهم سينتهون من حركة الخدمة أولا ثم بعد ذلك سينتهون من أردوغان وحزب العدالة والتنمية، إذا لقد عاد التنظيم إلى العمل مرة ثانية في تركيا بفضل أردوغان.
وهنا نتساءل: هل هناك تفاهمات بين التنظيم وأردوغان من أجل القضاء على الخدمة؟ لماذا يترك مثل هذا الشخص الذي يصرح يوميا بأنهم يعملون على اسقاط حزب العدالة والتنمية ومحاكمة أردوغان دون مساءلته قانونيا؟