القاهرة (الزمان التركية)- يراقب الباحثون والمهتمون ما يحدث في تركيا من أحداث وعجائب وغرائب، آخر هذه الغرائب ما ذكرته الشؤون الدينية التركية – بإيعاز من أجهزة السلطة – من اتهامات وتشويه بحق فكر ملهم حركة الخدمة الأستاذ فتح الله كولن مما أثار الباحث المصري الأستاذ الشربيني محمد شريدة الباحث في الحركات الدينية ليكتب مايلي علي صفحته على الفيس بوك بعنوان:
” فصول من آلام المحنة “الخدمة والامتحان الصعب”
خارجيٌّ
– أنا؟
كافرٌ
– من… أنا؟
بهذا وصف أمل دنقل شاعر الرفض العربي في العصر الحديث تعامل السلطات الاستبدادية القمعية مع مخالفيها في الرأي على مدار التاريخ الإسلامي
التهم الجاهزة هي الاتهام بأن المعارض خارجي وأن أتباعه من الخوارج حتى وإن كان من أتباع مذهب آخر أو أيديولوجية أخرى
واتهامه بأنه كافر وهي سبة متواترة في كل الاتهامات التاريخية
وهذه السبة الأكبر في التاريخ الإسلامي والتي بسببها اعتقد الناس في عصورنا المتأخرة أن ما كتبه المؤرخون المأجورون في العصر العباسي أن شعراء كصالح بن عبدالقدوس وبشار بن برد وفلاسفة مثل ابن سينا والفارابي والكندي ومتصوفة كالحلاج والسهروردي وابن عربي كفار أو زنادقة خرجوا من الدين واعتنقوا أفكارا باطنية مهلوسة وكافرة
وكان الناس في زمانهم قد صدقوا ما قيل عن كل هؤلاء بلا تثبُّت أو تقصٍّ للحقائق
فراح كل هؤلاء ضحية الحقد الذي تملك ساسة وزعماء وخلفاء أزمانهم عليهم وضاعت حقائق كبرى وخير كثير لو كانت الأمة أعملت العقل وباشرت التحقيق العقلي والمنطقي في التهم المنسوبة إليهم
لكن ما حدث أننا كأمة عشنا أسرى لفكرة الحاكم وبعنا عقولنا له بالمجان فصار لا يرينا إلا ما يرى ويظن أنه ما يهدينا إلا سبيل الرشاد
وفي زمننا الحديث تعرضت الدعوات والأفكار التي أرادت أن تغير الحال المتردي للمسلمين وتنتقد حكامهم بالبينة إلى ما تعرضت له الدعوات القديمة.
فقد تعرض جمال الدين الأفغاني لهجمة شرسة في إبان ظهور دعوته الإصلاحية أدت إلى تعرضه للقتل والتشويه ومن بعده جاء المصلحون الكبار في شرق وغرب الأمة ليتعرضوا على أيدي الساسة المستبدين إلى ألوان العذاب والتنكيل والتشويه المستمر حتى بعد موتهم وإن لم يكن لهم شأن في السياسة أو ممارسة لها.
واليوم تتعرض حركة الخدمة التي أسسها العلامة محمد فتح الله كولن لأبشع ألوان التنكيل والتشويه على يد حاكم استبد وطغى في البلاد وأكثر في قومه الفساد.
خرج علينا رئيس الشؤون الدينية بتركيا وهو منصب قريب من منصب المفتي في بلادنا ليقول لنا إنه اكتشف فجأة أن أبناء الخدمة خوارج.
وأن دعوة الأستاذ كولن دعوة باطنية وأن الأستاذ يتحدث إلى الله ويرى الرسول ويقابله.
الحقيقة أن خيال الرجل المفتري هذا خيال مريض وعقله قاصر إلى أبعد الحدود.
فقد نقل نفس التهم التاريخية التي قيلت عن المصلحين والعلماء بحذافيرها لم يراع في اتهامه أن يزيد شيئا من مسحة وثقافة العصر ليصدقه الناس دون تثبت أو تبين للحقيقة.
فبما يتسم به العصر من إتاحة الكتب والمراجع فإن أول ما سوف يقوم به سامع هذا الكلام هو تناول كتب الأستاذ والبدء في قراءتها ليجد ما يلي:
كتاب الأستاذ كولن الذي يناقش فيه نظرية التطور لداروين ويقدم بين يدي القارئ الأدلة العلمية على اعتراضه العلمي الرصين على تلك النظرية مما يدل على ثقافة موسوعية وبراعة في الخوض في قلب النظريات العلمية الحديثة
ثم كتابه عن محمد مفخرة الإنسانية والذي يعتبر مفخرة كتب السيرة النبوية التي تخاطب العقل وتعرض سيرة النبي الكريم على النظريات الحديثة خاصة نظريات التربية التي ظهرت في الغرب في مقارنات بديعة ورصينة ومدهشة تقدم لراغبي ومريدي الأدلة العقلية في الغرب دلائل ناطقة على نبوة وعبقرية النبي الخاتم.
ثم كتابه البديع الذي يشفي به صدور الموسوسين وينزع به الشكوك من صدور المتشككين ” أسئلة العصر المحيرة” والذي يجيب فيه على آلاف الأسئلة التي تراود المسلمين وغيرهم في دينهم وأمور دنياهم فتجد الإجابة الشافية الكافية لكل أسئلة العصر الحديث المعترضة على الدين والتدين والوحي والكتاب بالدليل العقلي البارع والنفس العلمي الناصع.
وغير هذا الكثير والكثير مما يضع الرجل ودعوته وأبناء الخدمة في مصاف العلماء العاملين والدعاة المجتهدين الذين حملوا ومازالوا يحملون مشعل الدعوة والنهوض الحضاري للأمة المسلمة كلها عامة بعد أن حققوها للأمة التركية خاصة
إن الرجل التركي المحترق بأشواق التغيير والتحضر والذي خرج من دار أبيه في أرض روم بالأناضول شابا في ريعان شبابه منذ ٦٠ عاما حاملا حلمه في عينيه ويقينه في قلبه وقلمه في يمينه لا يبتغي سوى وجه الله ولا يريد سوى الإصلاح ما استطاع لم يعد إلى داره إلى اليوم تتقاذفه الأيام تلو الأيام والأماكن بعد الأماكن حتى استقر كهلا كبيرا في قرية صغيرة في أمريكا مطلّقا الدنيا التي لم يذق فيها طعم الزواج ومتعة الولد والإنجاب وعازفا عن السلطة والجاه والنفوذ الذي يأتيه راغما ويعف عنه.
هذا الرجل يتهمه أردوغان وطغمته الحاكمة بأنه انقلابي عميل وأنه مدلس في الدين وراغب في إعلان الخلافة وأخذ الحكم منه
ألا ساء ما يحكمون.
ألا ساء ما يحكمون.