بقلم: تولجا تانيش – صحيفة حريت
أتابع مسار العلاقات التركية الأمريكية منذ عام 2010 في محلها. وشاركت في عدد كبير من الاجتماعات الصحفية لوزارة الخارجية الأمريكية. وطوال هذه الفترة لا أذكر أنني شهدت فتورا في العلاقات بين أنقرة وواشنطن مثلما حدث في اجتماع يوم الخميس الماضي.
لا… لقد شهدت العلاقات بينهما خلافات عميقة قبل ذلك أيضا؛ مثل الخلاف حول الأزمة الإيرانية في 2010.
ولكن ما رأيته خلال اجتماع يوم الخميس الماضي كان كالتالي: “واشنطن لا تبالي من انزعاج أنقرة تجاه الملف السوري، ردًّا على عدم دعمها لموقفها من أكراد سوريا”.
ماذا كان رد فعل أنقرة؟
- تفجير أنقرة الإرهابي في 17 فبراير/ شباط الجاري، نفذه تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي (YPG) الذراع المسلح لتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا (PYD).
- لنا حق الدفاع الشرعي عن أنفسنا. أي أننا من الممكن أن نضرب أهدافا تابعة لوحدات حماية الشعب الكردي.
- على الإدارة الأمريكية قطع دعمها للتنظيم بعد ثبوت أدلة قاطعة على إدانته.
أمَّا واشنطن فردت قائلة:
- لم تتولد لدينا قناعة أكيدة بأن وحدات حماية الشعب هي من نفذ الهجوم الإرهابي الأخير في أنقرة.
- حق الدفاع الشرعي عن النفس يكون داخل أراضيكم، وعليكم إيقاف قصفكم المدفعي داخل الأراضي السورية.
- سنواصل دعمنا لتنظيم وحدات حماية الشعب.
وإن دلَّ هذا الموقف الأمريكي المخيّب لأمل تركيا في ثلاثة موضوعات مرة واحدة، ورفضها التام لرأي تركيا فيها، فإنه يدل على أن الحكم السابق الشائع لدى المسؤولين في تركيا بأن “حاجة أمريكا إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا إلى أمريكا…” انهار كليا ولم تبق له أية مصداقية.
وكان السفير الأمريكي السابق، روبرت بيرسون، الذي يعتبر أكثر الأسماء التي تتابع جيدًا العلاقات التركية الأمريكية مؤخرًا، قد أشار إلى هذه النقطة من قبل، في مقال له بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني من العام الجاري في معهد دراسات الشرق الأوسط.
“الثقة الأمريكية في أنقرة تتراجع!”
نعم هذا ما قاله روبرت بيرسون في مقاله الذي تابع فيه قائلًا: “إذا شهدت العلاقات بين أنقرة وواشنطن عامًا آخر من الجفاء بعد عام 2015، فإن سياسات الإدارة الأمريكية خلال عام 2016 ستتشكل على ثقة أقل في تركيا”.
وهذا ما حدث وشهدناه بالفعل.
وإنهم قد استعدوا لهذه المرحلة مسبقا.
فقد شاهدنا ملامح وجه المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي، عندما سئل عن احتمالات انسحاب تركيا من التحالف الدولي لضرب داعش على خلفية أزمة تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي.
كان يبدو وكأنه لا يبالي.
واكتفى بذكر دور تركيا في الحرب على داعش، قائلًا: “ونحن لا نريد أن يحدث ذلك”. وأضاف: “ولكن هذا قرار تركيا في النهاية”.
فقد كانت مشاركة تركيا في الحرب على داعش ضمن قوات التحالف متمثلة في فتح قاعدة إنجيرليك الجوية في الجنوب أمام طائرات التحالف، يحمل أهمية رمزية بالنسبة للولايات المتحدة. وإلا فإنه لم يكن صعبًا عليها شن عملية قد تكون إلى حدٍ ما أكثر خطورة وأكثر كلفة.
إلا أن أنقرة لم تحسن قراءة هذا.
حسنًا! متى بدأت تلك التغيرات التي دفعت واشنطن إلى بناء خططها وسيناريوهاتها أقل ثقة في أنقرة في الشرق الأوسط؟ قد يكون ذلك بدأ منذ العام الماضي، كما أشار إليه روبرت بيرسون.
ولكن في رأيي يعود الأمر إلى سياسات تركيا في الملف السوري والتي تدور حولها علامات استفهام، بالإضافة إلى أحداث متنزه جيزي في إسطنبول، صيف 2013.
كما أرى أن واشنطن وضعت في اعتبارها مناخ الحريات في تركيا وبخاصة ملف حرية التعبير عقب أحداث متنزه جيزي، خلال تغيير سياساتها تجاه أردوغان. هذا ما كنت أعنيه عندما قلت من قبل: “لو لم تقع أحداث جيزي، لما أرسلوا السلاح إلى بلدة عين العرب كوباني في 2014”.
إلا أن أنقرة نقلت الصورة بشكل معاكس إلى الشارع التركي، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية تتبع السياسة التركية فيما يتعلق بملف وحدات حماية الشعب الكردي.
بل وأرادوا المخاطرة وتسجيل مكالمة أردوغان مع الرئيس الأمريكي أوباما، وكأن تصريحات جون كيربي لا تعكس الموقف الأمريكي بوضوح. وكأن المبعوث الخاص بأوباما، بريت ماكجورك، أيضًا جاء إلى كوباني قبل أسبوعين من تلقاء نفسه.
حسنًا ماذا حدث؟
لقد حدث ما كان متوقعًا بالفعل.
قامت أنقرة بنشر تفاصيل مخالفة لما أعلنته واشنطن حول اللقاء! واستمرت الصحف الموالية للحكومة في تركيا ترديد ادعاءات: “إن الولايات المتحدة تسير وفق الأجندة التركية في ملف وحدات حماية الشعب”.
ولكني أرى أن أوباما قال لأردوغان في وجهه خلال المكالمة الهاتفية التي لم نستطع معرفة تفاصيلها إلى الآن بشكل كامل ما قاله المتحدث باسمه من قبل وهي:
ليقف تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي عن التقدم إلى الأمام، ولكن أنتم أيضًا أوقفوا قصفكم للأراضي السورية بالمدفعية.
أي أنها ليست انتقادا أو شجبا للتنظيم الكردي؛ أو حتى وعودا بوقف مساعدات واشنطن له. أو حتى ضوءا أخضر من الإدارة الأمريكية لأردوغان للقيام بعملية عسكرية برية في سوريا، كما يريد.
ولكن ما مصير هذا اللغز؟
طرحت واشنطن خيارا واحدا فقط أمام أنقرة:
اعمل على تقليل التوترات مع الأكراد في الداخل، وأعد الملف مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات.
من الصعب أن نجزم إلى متى سيستمر أردوغان في سياسته التي تزيد التوتر مع أمريكا.