الشريف حاتم بن عارف العوني
الرياض (الزمان التركية) الثقة بنصر الله لا تُستجلب بمخالفة أمر الله الذي أمر باتخاذ الأسباب كاملة مع التوكل التام على الله تعالى .
فمن طلب نصر الله بمخالفة أمره فيما أمره به لتحصيل النصر كان أكثر استحقاقا بعدم حصول نصر الله له؛ لأنه طلب نصره بمخالفة أمره .
نعم . والثقة بنصر الله ليست هي مطالبته بخرق العادات وتقويض سننه الكونية، فالولي من أولياء الله “وهو ولي من أوليائه” لا يطلب خرق العادة بالكرامة، ولا يسعى إليها، لكنها قد تحدث له؛ بل من ظن نفسه أهلا للكرامة، فهو أهل للحرمان منها وللمهانة؛ فكيف بمن ظنها حقا له تجب له على وعد ربه؛ لمجرد أنه مظلوم أو صاحب حق.
وتذكروا: أن كل طلب لخرق السنن الكونية فهو طلب للكرامة ، ولو كان من صاحب حق.
وتذكروا أيضا: أن كل توكل دون اتخاذ الأسباب فهو تواكل، وليس توكلا، هذا هو التواكل المذموم، سواء أكان في الجهاد أو في غيره، وليس للجهاد في سبيل الله استثناء خاص في باب الفرق بين التوكل والتواكل، فلا يكفي في الجهاد حسن النية في قصد نصرة الدين؛ بلا اتباع لأسباب النصر المادية، والتي منها التوكل على الله تعالى.
نعم . والثقة بنصر الله وبأن الإسلام منتصر وأن العاقبة للمتقين “وهو حق لا مرية فيه” لا يستلزم شيءٌ من ذلك نصر شعب خاص من المسلمين، ولا يوجب شيء منه نجاة أمة محددة منهم ، فقد يَهلك شعبٌ بأكمله، ويزول الإسلام تماما من بقعة من الأرض؛ لأنهم ليسوا وحدهم المسلمين، فقد تكون العاقبة لغيرهم، فلقد زال الإسلام في الأندلس زال تماما، بعد قرون من قيام دولته فيها، حتى ما بقي مسلم في الأندلس معلن بإسلامه. ولا أستبعد أن وعاظ الأندلس حينها كانوا يخدرون الناس بشعارات الثقة بالنصر “ودون اتخاذ أسبابه”، وكانوا يثبتون التاس بأن العاقبة للمتقين “دون اتباع سننها”، ويوهمونهم بوعود الحق في غير محلها.
فـ”العاقبة للمتقين” عندما تقال لأهل الأندلس: وكأنهم هم وحدهم المتقون الذين لابد أن تكون العاقبة لهم خيانة لهم، لأنها تغافل عن أن العاقبة قد تكون لغيرهم من المسلمين؛ لأن أهل الأندلس ليسوا هم كل المتقين؛ ولأنهم كانوا قد فرطوا في اتخاذ الأسباب من أجل أن تكون العاقبة لهم.
ونعم . قد يزول شعب فيكون من أهل الجنة، ويكون الذي أهلكهم من أهل النار، كأصحاب الأخدود؛ لكن أصحاب الأخدود لم يسعوا هم إلى مواجهة الحاكم الظالم بلا اتخاذ الأسباب، وإنما الذي ثار هو حاكمهم الظالم الكافر، ثار على شعبه، فهو الذي بدأ العدوان وهو الذي انتهى به، وهو الذي بادر إلى إجبارهم على الرجوع عن دينهم، من دون أن يؤذوه في شيء ودون أن يواجهوه بشيء من القوة، ودون أن يثوروا عليه {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .
لقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يمر على المعذبين في مكة من أصحابه السابقين الأولين ، ويأمرهم بالصبر وعدم المواجهة بالسلاح ! وتخيلوا مقدار ألمه صلى الله عليه وسلم وهو يمر على ياسر وسمية وابنهما عمار وهم يعذبون أشد العذاب ، فلا يزيد أن يقول : “صبرا آل ياسر ؛ فإن موعدكم الجنة” ؛ لأن الأسباب المادية كانت لا تكفي لتشريع الجهاد والمقاومة المسلحة .
تخيلوا مقدار ألمه (صلى الله عليه وسلم) وهو الرؤوف الرحيم ، وهو يرى من يُقتل منهم !
لو فعل ذلك أحد اليوم لاتهموه بالتخاذل والذل ؛ لكنها في الحقيقة قمة الثقة بالله والاعتزاز بدينه ، لأنها قمة الثقة بأن النصر لا يكون بغير صبر على الإعداد لأسبابه .
وكان أقصى ما أمرهم (صلى الله عليه وسلم)به هو الهجرة ، فرارا بدينهم ، فهاجروا إلى الحبشة مرتين فرارا بدينهم .
ثم هاجر هو (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من مكة إلى المدينة ، لينشئوا دولة تقدر على مقاومة العدوان .
فيا أمتي : الثقة بنصر الله ليست الثقة بالخرافة التي تطلب خرق العادات ، وكون العاقبة للمتقين لا تشمل المتقي في جانب وهو غير متق في وجوب الإعداد المادي المؤدي للنصر .