بقلم: أرمان يالاز
لا تقتصر تداعيات واقعة اغتيال السفير الروسي في العاصمة التركية أنقرة أندريه كارلوف برصاصات الشرطي التركي مولود ميرت ألتن طاش، الذي كان أحد ضباط قوات التدخل السريع بمديرية أمن انقرة، على العلاقات التركية الروسية فقط بل تعيد إلى الأذهان علاقة تركيا بالجماعات الإرهابية والتنظيمات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط من جديد.
وكان ألتن طاش ردد أحد أناشيد جبهة النصرة الإرهابية أثناء واقعة الاغتيال، كما عثر أثناء عمليات البحث الجنائي في بيت القاتل على ملاحظات مدون فيها: “نهاية أمريكا وروسيا قريبة .. لقد حان وقت النفير .. ونحن إن لم نشعر بالأمان في بلادنا، لن تشعروا أنتم أيضًا به في بلادكم”.
وتتشابه هذه العبارات مع مثيلاتها التي رددها ألتن طاش أثناء تنفيذه لعملية الاغتيال، وبالرغم من ذلك، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية والإعلام الموالي لها سارعا إلى إلصاق التهمة بحركة الخدمة، من الدقيقة الأولى قبل الوقوف على ملابسات الحادث، لكن تبين فيما بعد أن كل الأدلة تشير إلى جبهة النصرة، فمن هم هؤلاء التابعون لتنظيم جبهة النصرة داخل تركيا؟ وما هي العمليات التي قاموا بها وقائمة اغتيالاتهم؟
دور جبهة النصرة في تحول سوريا إلى مغناطيس لجذب الإرهابيين؟
ظهرت جبهة النصرة للمرة الأولى تحت راية “جبهة نصرة أهل الشام”، وأعلنت ذلك للمرة الأولى، عام 2012، على أحد مواقع الإنترنت، وأكدت أنها تسعى لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وإعلان دولة الخلافة في سوريا، وتحولت إلى أكثر التنظيمات الجهادية شهرة على الساحة السورية.
في العام التالي أعلنت صلتها بتنظيم القاعدة الإرهابي، واستمرت على هذا النهج حتى 26 يوليو من العام الجاري، أي بعد 10 أيام فقط من الانقلاب المسرحي في تركيا، إذ أعلنت انفصالها عن القاعدة وإعادة تسمية نفسها باسم “جيش فتح الشام”.
سُلطت الأضواء على جبهة النصرة وتنظيم داعش، في أعقاب واقعة توقيف شاحنات جهاز المخابرات التركية، التي زعموا في البداية أنها كانت محملة بالأدوية ومواد المساعدات قبل أن ينكشف للعالم أجمع أنها محملة بالأسلحة والمهمات العسكرية، في طريقها من تركيا إلى الجماعات الإرهابية في سوريا؛ إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية نفت هذه الادعاءات رغم أن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة أكدها في تقريره خلال يناير 2015، مشيرًا إلى أن الجزء الأكبر من الأسلحة الموجودة في يد جبهة النصرة في سوريا مرسلة عن طريق تركيا.
استيقاف شاحنات المخابرات التركية ما هو إلا الجزء الظاهر من الجبل الجليدي في المحيط
علَّق النائب العام الذي أصدر أوامره باستيقاف وتفتيش شاحنات جهاز المخابرات التركية على الواقعة، قائلاً إنهم أنقذوا تركيا من ارتكاب جريمة دولية من خلال هذه العملية؛ حيث إن هذه الخطوة تعتبر مخالفة للدستور وللقوانين التركية من ناحية، ومن ناحية أخرى تعتبر مخالفة للقوانين والأعراف الدولية.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن عدد الشاحنات تخطى ألفي شاحنة!، لكن الحكومة اعتبرت استيقاف الشاحنات وتفتيشها كشفًا لأسرار الدولة وانقلابًا عليها، لتتوجه بعدها إلى إغلاق القضية واعتقال جميع أفراد قوات الدرك المشاركين فيها إلى جانب المدعي العام بحجة انتمائهم إلى ما سمته “الدولة الموازية”.
ماذا علَّم داعش الإرهابيين المسلحين
يعتبر تنظيم داعش الإرهابي هو الملهم والمرشد بل والحامي لنحو 40 جماعة من الجماعات الإسلامية المتطرفة المسلحة من 18 دولة حول العالم، أشهرها في أفغانستان ودول القوقاز ودول البلقان؛ وكذلك في سوريا.
بدأ التنظيم وضع أولى خطواته في سوريا والعراق بتشكيل صفوفه، ثم السيطرة على مصافي النفط، ومصادر الطاقة، وكذلك المناطق ذات الأهمية الاقتصادية، ثم انتقل بعد ذلك إلى مرحلة تأسيس الدولة وإعلانها، مما جعله يتحول إلى مغناطيس يجذب باقي التنظيمات والجماعات الإرهابية.
وظهر مع رياح هذا التيار الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط أبو محمد الجولاني، زعيم تنظيم جبهة النصرة، أقرب الجماعات الإرهابية إلى تنظيم داعش الإرهابي، ليعلن في تسجيلٍ صوتي، في يوليو 2014، أن هدفه إقامة “إمارة إسلامية” في سوريا، أي أنه يضع أنظاره على دولة كاملة الأركان لها جيشها وجهازها القضائي وجهازها التنفيذي، وقبل شهر كامل من هذه الواقعة، قرر مجلس الوزراء التركي في 18 يونيو2014، حذف اسم تنظيم جبهة النصرة والجماعات التابعة لها من قائمة المنظمات الإرهابية.
عناصر جبهة النصرة 20 ألفًا وداعش60 ألفًا
كانت جبهة النصرة تقاتل تنظيم داعش الإرهابي مع الجيش السوري الحر وتعرضت لخسائر كبيرة، وتقدر التقارير الاستخباراتية عناصر داعش بنحو 60 ألف شخص، بينما عناصر النصرة تصل نحو 20 ألفًا، وكانت جبهة النصرة برزت بقدراتها القتالية ضمن فصائل الجيش السوري الحر، لذلك لما أعلنت روسيا تدخلها الجوي في الحرب السورية عام 2015 بالتنسيق مع قوات بشار الأسد وإيران، بدأت تستهدف معاقل النصرة بالإضافة إلى داعش، وكان تنظيم حزب الله اللبناني، المدعوم من نظام بشار الأسد، والقوات الإيرانية قدّ بدأوا مشاركتهم في المعركة بريًا لمواجهة جبهة النصرة.
كان الحديث يدور حول حماة وحمص وإدلب إلى أن جاءت معركة حلب التي تعرض فيها التنظيم لهزيمة قاسية على يد قوات الأسد المدعومة من روسيا، وهذا الأمر بات من الدوافع الأساسية التي حملت المهاجم المسلح على اغتيال السفير الروسي في أنقرة للتغطية على خسارتها الفادحة، أمَّا إيران فقد شنت حربًا على تنظيم جيش فتح الشام والجماعات التابعة له بذريعة تأسيسه جيشًا إسلاميًّا سنّيًّا.
الجماعات المسلحة هي الغرض الرئيسي لعملية إخلاء حلب
باتت الفاجعة الإنسانية التي تشهدها حلب في الحرب الطاحنة منذ شهر بحجة مغلفة كإخلاء الجماعات الإرهابية المسلحة من المدينة حديث الساعة في الآونة الأخيرة، وكالعادة من حكومة حزب العدالة والتنمية في كل مرحلة من مراحل الحرب السورية، كانت هي من طلب ذلك، في خطوة لإنقاذ ما تبقى من عناصر الجماعات المسلحة، بحيث سجّلت التقارير الدولية الدعم الذي تقدمه أنقرة لصالح الجماعات الإرهابية، وأخيرًا كررت تركيا الركوع أمام الدب الروسي، وجلست للتفاوض مع إيران وروسيا في موسكو، ما يعني انهيار الاستراتيجية التي اتبعتها في سوريا.
وبهذا طوى أردوغان صفحة تصريحاته التي كان يرددها حتى قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حول دخوله سوريا، ومشاركته في الحرب من أجل إسقاط نظام الأسد، وأعلن أنه دخل في اتفاقٍ لتطهير سوريا من الجماعات الإرهابية الراديكالية، وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة، فلو كانت هذه الخطوة قد أسفرت عن وضع نقطة النهاية للحرب السورية لكان من الممكن تصفيتها من الناحية الدبلوماسية، لكن الجماعات المسلحة أعلنت جليًا أنها في معركة حياة أو موت قد تدفعهم للدخول في مخاطر كبيرة تعويضًا لخسائرهم الفادحة.
وهذا يدل على أن هذه الجماعات التي تصفها حكومة حزب العدالة والتنمية بـ”الأبناء البارين” لن تستسيغ هذه الخطة التركية والهزيمة النكراء بسهولة، لذلك يتوجب على أنقرة استنتاج الدرس الذي تلقنه لها هذه الحادثة، إذ سجلت عدسات الكاميرات اغتيال السفير الروسي مع إطلاق رصاصات عليه حتى بعد أن استلقى على الأرض، ما يكشف عن مشاعر قاتل سفاك دماء.
أمريكا وروسيا حذرتا تركيا من جبهة النصرة
في 15 مارس 2017، تدخل الحرب السورية عامها السادس، وشعبها بين مشرد ولاجئ في جميع أنحاء العالم، وصلت أعدادهم إلى 5 ملايين سوري في تركيا والأردن والدول الأوروبية، على الرغم من أن كلاً من أمريكا وروسيا كانتا وجهتا تحذيرات للإدارة التركية بشأن تعاملها مع جبهة النصرة.