القاهرة (الزمان التركية) حلت طائرة وزير الخارجية المصري سامح شكري في بيروت أمس الأربعاء، وذلك في ثاني زيارة له في أقل من 6 أشهر حيث كانت زيارته الأولى في أغسطس الماضي، وكانت تهدف إلى حث الأطراف السياسية على انتخاب رئيس وهو ما حدث بالفعل بعد أقل من شهرين، وتعد هذه هي الزيارة الثانية لمسئول عربي بعد انتخاب الرئيس ميشيل عون في أكتوبر الماضي عقب زيارة وزير شئون الرئاسة السورية منصور عزام.
لم تعترض القاهرة على العماد مرشح 8 من اذار ولم تدعمه؛ بل تركت الخيار للبنانين أنفسهم ليخرج رئيسا صنع في لبنان، ولكن القاهرة كانت تدعو دائماً أن ترفع الأطراف الإقليمية يدها عن لبنان من أجل انتخاب رئيس جديد لها.
و يعتبر توقيت الزيارة هام جدا، فقد أتي بعد انتخاب الرئيس ميشيل عون، وليس هذا فقط بل كان الرئيس عبد الفتاح السيسي من أوائل المهنئين بانتخاب العماد زعيم تيار الوطني الحر، كما سلمه دعوة لزيارة القاهرة خاصة أن آخر زيارة لرئيس لبناني كانت زيارة الرئيس ميشيل سليمان عقب ثورة 30 من يونيو، كما أن الزيارة تدل على دعم القاهرة للعهد الجديد وعودة المؤسسات اللبنانية إلى العمل والرئاسات الثلاثة في البلاد، وقد التقي شكري أثناء زيارته برئيس البرلمان نبيه برىء و رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري زعيم كتلة 14 اذار، كما التقي الرئيس الأسبق أمين الجميل زعيم حزب الكتائب، بالإضافة إلى لقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بوليد جنبلاط زعيم الطائفة الدرزية وتهدف هذه اللقاءات إلى حث الفرقاء السياسيين على الاستمرار في تغليب المصالح العليا على المصالح السياسية الضيقة، من أجل تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، ثم انجاز قانون عادل للانتخابات يمثل كل الطوائف ثم اجراء الانتخابات البرلمانية في ظل حالة من الاستقرار السياسي والأمني وهذا ما تريده مصر .
مصر تظهر على الساحة اللبنانية من جديد
ظهور مصر على الساحة اللبنانية في 2016 ليس كظهورها في عام 2005 والتي اتخذت مصر مبارك وقتها المعسكر المناوىء لسوريا بقيادة فريق 14 آذار والمدعوم خليجيا وسعوديا تحديدا بعد أن اختارت مصر مبارك الخلاف مع سوريا، وتفضيل الدور السعودي في لبنان عن الدور السوري التاريخي في لبنان، ولكن مصر الآن تعود إلى الملف اللبناني بنوع من أنواع التجرد السياسي والدبلوماسي ودعم لبنان شعبا وحكومة .
عادت القاهرة تلعب دورا في دفع لبنان نحو الاستقرار بعيدا عن لهيب الإقليم المشتعل من تركيا إلى العراق مرورا بسوريا وأن لبنان في حاجة للنأي بنفسها مرة أخرى عن أزمات المنطقة خاصة مع تبنى الدبلوماسية المصرية استراتيجية جديدة في منطقة المشرق العربي ( سوريا والعراق ولبنان )من خلال الحفاظ على الدول الوطنية وتقوية الجيوش والقوى الأمنية، ومن أجل ذلك ولكي تبقي هذه الدول صامدة في وجه الإرهاب المتمثل في تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش)، أولت مصر أهمية قصوى للحفاظ على الدولة اللبنانية وتجلى ذلك في خطاب الرئيس السيسي في قمة شرم الشيخ 2015 عندما حث الفرقاء السياسيين في لبنان على انتخاب رئيس جدي.
إن عودة الدور المصري هو بمثابة رسالة طمأنة للشعب اللبناني أن القاهرة تراقب الوضع في لبنان عن كثب فالدور المصري في لبنان تاريخيا دور نزيه ومحايد ولا ينحاز لأي طرف من الأطراف اللبنانية التي طالما دخلت في سياسة المحاور السياسية في الإقليم أو الاصطفافات الطائفية .
تهدف القاهرة إلى حماية لبنان من النفوذ الإيراني والتركي والإسرائيلي والسعودي، وهذه النفوذ لها مصالح كثيرة في لبنان ورسخت تواجدها منذ زمن، ولكن مصر تعول على تاريخها في دعم لبنان فالدور المصري نزيه وشريف كما ذكرنا وبلا مصالح سوى حماية الشعب والدولة في لبنان وحتى لا يتم التلاعب باستقرار لبنان في المستقبل المنظور.
ولكن لاشك أن التقارب المصري السوري والذي حدث في الشهور الماضية أثر إيجابيا على السياسة الخارجية المصرية في عودة لملفات عدة مثل الملف اللبناني والعراقي، حيث ترى مصر أن دول المشرق العربي هم خط الدفاع الأول عن مصر في مواجهة التكفيرين (جبهة النصرة و داعش) حيث أعلنت الخارجية المصرية داعمها لتحرير الموصل من داعش منذ البداية، كما رفضت المساس بالسيادة العراقية في مواجهة الاستفزازات التركية والتي تصر على المشاركة في معركة الموصل عبر قواتها المتمركزة في معسكر بعشيقة، حيث نجحت القاهرة في استصدار قرار من الجامعة العربية العام الماضي برفض بقاء القوات التركية في معسكر بعشيقة.
فالدبلوماسية المصرية خلال الشهور الماضية أصبحت أكثر جراءة في رسم سياستها الخارجية والتي تهدف لدعم الدول والحكومات الوطنية في اقتلاع الإرهاب المستشري في غالبية الدول العربية، والذي أدى إلى انهيار دول مثل سوريا والعراق وليبيا
وبالعودة إلى الزيارة كان هناك مشهدين لافتين الأول أن الزيارة ليست سياسية فقط بل اقتصادية أيضا، إلا أن الوزير شكري أقام مأدبة عشاء لأكثر من 20 رجل أعمال لبناني، بهدف دفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى الأمام خاصة بعد تشكيل الحكومة الجديدة، حيث إن اللجنة التنسيقية بين مصر ولبنان لم تنعقد منذ منتصف 2015 أبان رئاسة رئيس الوزراء إبراهيم محلب للحكومة المصرية .
المشهد الثاني: هو لقاء وزير الخارجية مع وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن، وهو من كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني التابعة حزب الله اللبناني، وهذا أول لقاء رسمي على مستوى رفيع بين الدبلوماسية المصرية وحزب الله اللبناني والذي كانت مصر اتهمته في عام 2008 بمحاولة استهداف قناة السويس فيما عرف وقتها بخلية حزب الله بالإضافة لاتهام القضاء المصري حزب الله بالمشاركة في أعمال الفوضى عقب ثورة 25 يناير وتهريب عناصر جهادية من السجون المصرية، ولكن منذ بداية العام وبدأت القاهرة تقيم من جديد علاقتها بالحزب، وتجلى ذلك في السماح لوفد سياسي واعلامي من المقاومة بالمشاركة في عزاء الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.
واللافت أن سامح شكري لم يلتقي بممثلين عن حزب الله في زيارته الأولى في أغسطس الماضي ولكن هذه المرة التقي وزير الصناعة اللبناني الموالي لحزب الله نظراً للدفء في العلاقات المصرية السورية (زيارة على مملوك رئيس جهاز الأمن القومي السوري للقاهرة أكتوبر الماضي )، والذي جعل القاهرة أكثر انفتاحا في بناء علاقتها الخارجية، وهو الانفتاح على بغداد ودمشق وبيروت، والثلاث عواصم على علاقة قوية بإيران والتي أصبحت تغازل القاهرة ليل نهار من أجل فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.
وحمل حسين الحاج رسالة كسر برود للعلاقات بين الحزب والقاهرة، وطوي صفحة الخلافات الماضية ومساندة عودة القاهرة إلى الساحة اللبنانية وأن القاهرة تريد من المقاومة الحفاظ على لبنان بحيث يلتزم حزب الله بتثبيت دعائم الاستقرار في لبنان .
الخلاصة : أن مصر اخذت على عاتقها إعادة لم الشمل العربي والحفاظ على الأعمدة الرئيسية في النظام الإقليمي العربي وإعادة بناء الدول والجيوش من أجل تحقيق الاستقرار، وأن السياسة الخارجية المصرية الجديدة والمتحررة من التبعية والمنفتحة على جميع الفواعل الدولية والفواعل الدولية من غير الدول ، يؤكد أن القاهرة قررت اقتحام الملفات الشائكة والصعبة من لبنان إلى العراق وصولا لسوريا، وقد نجد سامح شكري في دمشق قريبا أو وليد المعلم يزور القاهرة ننتظر لنري ما قد يحدث.
محمد حامد
باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي