بقلم: هشام الراس
لا أدري هل نتحسر على ما أصابنا من ذل وهوان، أم نضحك على أنفسنا من الهمّ كما يتداول عند أهل المغرب؟! أين نحن من ما يقع حولنا؟ أين نحن من التبيّن؟ أين نحن من تقليب الأمور؟ هلاّ وهبنا قلوبنا عقولا!
قد يقول قائل أن الخطّ في المقال ديماغوجي أو على الأقل إيديولوجي. سوف أرد بوضوح وإقدام أنني أكره الإيديولوجيا في صيغها التاريخية القريبة، وأنني منخرط منذ مدة غير قصيرة في الدفاع عن الانفتاح والحرية والإنسانية. وأضيف أنني أتموقف من فكرة السياسية كما تمارسها بعض الأنظمة المتخلفة، وأقول أنني لا سياسي (apolitique)، بل على العكس أتبنى رؤية أراها أذكى في مقاربتها للتسيير البشري، وأساهم في محاولة إرساء طرق تفكير ووجهات نظر مبنية على تدبير الشأن العام وفق نماذج تشاركية وسلمية.
هذه توطئة لمقالات رأي آتية تروم التوجه باتجاه عقلنة قلوبنا، وتأطير عواطفنا، والتهدئة من روعنا، وإعادة الروح إلى ضمائرنا. فأنفاسنا قد خنقها التردد القنواتي. إنني لا أرى نفسي مدافعا عن فكر معين أو شخص أو جماعة بعينها، لكنني أتلمس طرق الحق وأبحث عن ما يشبه الحقيقة، في إطار معقول ومعمول ومعروف. لن يكون كلامي عن الأستاذ كولن وأفكاره أو ما حققه أبناء “الخدمة” من إنجازات كبيرة في سبيل الإنسان نوعا من الذود أو التسويق. بل أراني أقدم تجربة إصلاحية تبحث عن من يفهمها ويقومها، لما لا! فما وقع فيه أبناء الخدمة من أخطاء وسوء تقدير يعتبر الآن في ظل هاته الظروف درسا ولا كأي من الدروس. ولذلك فالكتابة في هذه المواضيع بشكل يقارب التساؤل والدعوة إلى النقد يبقى أمرا محمودا.
لن أخوض في تفاصيل يجرجرها الإعلام، ولن أكتب شيئا عن الأشخاص. سوف أحترم قارئي وأحترم إنسانيتي. هذا عهد أقطع على نفسي. لن أتهم، لكنني قد أشكك. لن أنجرف وراء حماس مفتعل، أو عاطفة وجدانية يملأها التعطش إلى معانقة الحرية والتحرر من شرنقة الضيق السياسي/الإيديولوجي والضغط المجتمعي. إن هذه ليست تبريرات ولا تعليلات، هي فقط إشارات وومضات تبرق لمن يريد أن يبصر.
لقد أصاب جسم عالمنا العربي داء الباركنسون أو ما يسمى بخرف أجسام ليوي، ولم نعد قادرين على تجميع أنفاسنا وتضمين قوانا لكي نواجه واقعنا المتشظي. وا أسفاه! هذه حقيقة يمكن الخروج منها إلى ما هو أفضل. فالأمل قائم والمستقبل مفتوح، “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا”، أليس المدبر بالقائل؟! سبحانه وتعالى عما يصف الخبراء والعلماء والمتخصصون علوا كبيرا. ماذا علينا لو آمنا بمجيء مستقبل أفضل لهذه الأمة المقهورة والشعوب الخائفة، والتي تستأهل كما باقي الأمم والشعوب أحوالا أليق وأجمل.
ليس الحلم بالممنوع، لكن الممنوع هو عدم الإيمان بأن الخير موجود وأن أهل الخير سيغلبون ولو بعد حين. أين نحن من العمل على تحقيق أحلام الجيل العربي الجديد؟ أين نحن من التخطيط إلى ممارسة طرق مبتكرة من أجل تسيير شؤوننا ويوميّنا بأشكال أكثر ذكاء وانفتاحا؟ أين نحن من محاولة مد جسور الأمل والتغيير بيننا وبين الذين يتقاسمون معنا ساعات عيشنا المحدود. ألسنا بمّيتين! لماذا لا نقدّم لحيواتنا إذن؟ قد يبدو ما أقترحه أقرب إلى الخيال والغباء.. لكنني أؤمن بأن المستحيل مع الإصرار والإلحاح يتحول ممكنا.
إن ما ينقصنا نحن شباب العالم العربي هو قليل من التفكير النقدي والتساؤل، ثم التريث والتؤدة قبل الاندفاع وراء التحميس والتعبئة. دعونا إذن نبدأ رحلة البحث عن عالم أفضل. دعونا نقلب في صفحات الحاضر من أجل الوصول إلى بوادر التغيير الإيجابي.
ليس غرضي أن أكتب حول أحداث تاريخية، بل أراني أروم أكثر من ذلك. إنني أحاول ننثر بذور الحلم الكوني الجديد من خلال البدء من حدث استرعى اهتمام العالم العربي، وهو صراع فصيلين إسلاميين داخل بلد كنا نرى فيه بوادر تحقيق حلمنا الإسلامي. صراع كشف عن خبايا لم نكن نتوقعها من رجل حسبناه من المتقين، رجل آمنا بطريقة تقديره للحكم، لكنه يأبى إلا أن يعرف أكثر من غيره ما يصلح لنا كأمة إسلامية، فتارة نراه يناصر المعارضة السورية، وتارة نراه يتحالف مع حلفاء النظام السوري، هذه هي السياسة التي تملي علينا شروط الواقعية والبراغماتية، وتقول لنا عن طريق الذين يمارسونها أنتم يا شعب لا تعرفون ما يقع، ولا يجب أن تعرفون. هنا القرار بيد أهل الحل والعقد، وما عليكم إلا السمع والطاعة. لذلك سأقول من خلال كلماتي المقبلة أننا جيل بقلب كبير وبريء يريد أن يكون ذكيا. وأننا لم نعد نقبل أن نُتعامل كشعب أخرص، بل كفاعلين ومؤثرين في صنع مستقبلنا.